مصابيح الجامع الصحيح

حديث: أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد قبلي

          335- قوله: (أُعْطِيْتُ خَمْسًا) أي: خمس خصال، وفي «مسلم» بُعِثتُ إلى الخَلْق كافَّة.
          قوله: (فَأَيُّمَا رَجُلٍ) (أيُّ) اسم مبتدأ، فيه مَعْنى الشَّرْط، و(ما) زائدة لتوكيد بمعنى الشَّرط، والجملة الَّتي هي (أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ) في مَوْضع خفض صفة لـ(الرَّجل)، والفاء في (فَلْيُصَلِّ) جواب الشَّرط، تقديره: فيما يُقْضى عليكم، أو: فيما فُرض عليكم؛ أي: ما رجل، وهو من باب قوله تعالى: {السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة:38]، و{الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي} [النُّور:2]وأشباههم على مَذْهب سيبويه.
          فإنَّه قدَّره فيما يتلى عليكم أو فيما فُرِضَ عليكم، وقيل: الخبر ما بعده، كما تقول: (زيد فاضربه) فكأنَّ الفاء زائدة، وعلى هذا يكون (فليصلِّ) الخبر، لكنَّ فيه بُعْدٌ من حيث أنَّ (أيًّا) شَرْطٌ صريحٌ يقتضي الجواب، ولا جواب له هنا إلَّا الفاء، بخلاف الاثنين فإنَّهما صريحين في الشَّرْط، فيتعيَّن الوجهُ الأوَّل، وهو حَذْف الخبر، وقال بعضهم: زِيدَ لفظ (ما) على (أي) لزيادة التَّعميم.
          قوله: (فليصلِّ) أي: حيث أدركته الصَّلاة، إذ الأرض كلُّها مَسْجد، وقيل: معناه: فليتيمَّم وليصلِّ؛ لمناسبة الأمر من المسجد والطَّهور.
          خاتمة:
          (فَخْذِي) بفتح الفاء وسكون الخاء وكسرها، وبكسر الفاء وكسر الخاء وسكونها.
          و(الآل) الأهل والعيال، والآل أيضًا الأتباع، وهو لا يُطْلَق إلَّا على أهل بيت الأكابر، لا يُقال: آل حجَّام، بل يُقال: آل السُّلْطان، وفي بعضها: يآل أبي بكر، بحذف الهمزة والألف من الآل تخفيفًا.
          (الرُّعْبِ) بضمِّ الرَّاء: الخوف، و(الطَّهُورَ) بفتح الطَّاء على اللغة المشهورة.
          إن قلتَ: التَّيمُّم يبيح الصَّلاة ولا مطهِّرٌ ولا رافعٌ للحدث؛ قلتُ: يطهر ما دام عاجزًا عن استعمال الماء.
          قال ابن بطَّال: في جملة كلام أمَّا الأرض؛ فالَّذي خصَّ بها منها أنَّها جُعلَت طهورًا بالتَّيمُّم، ولم يكن ذلك للأنبياء قبله، وأمَّا كونها مَسْجدًا؛ فلم يأت في أثر أنَّها منعت من غيره، وقد كان عيسى ◙ يسيح في الأرض ويصلِّ / حيث أدركته الصَّلاة، فكأنَّه قال: جُعلَت لي مسجدًا أو طهورًا، أو: جُعلَت لغيري مسجدًا ولم تُجعَل له طهورًا.
          وقال النَّوويُّ: معنى: (جعلت مسجدًا) إذ من كان قبلنا إنَّما أبيح لهم الصَّلاة في مواضعٍ مخصوصةٍ كالبيع والكنائس، وقيل: الَّذين كانوا قبلنا كانوا لا يصلُّون إلَّا فيما تيقَّنوا طهارته من الأرض، وخُصِّصنا نحن بجواز الصَّلاة في جميع الأرض إلَّا ما بيَّنَّا نجاسته.
          لطيفة: قال بعض العلماء في معنى قوله ◙: «جعلت لي الأرض» الحديث؛ الحكمة في إباحة التَّيمُّم أنَّ السَّماء كانت تفتخر على الأرض قبل مولده ◙، وكانت تقول: إنَّ العرش عليَّ، والحكمة عليَّ والرُّكوع والسُّجود وأنت خالية من هذا كلِّه، وحقَّ لها الفخر على الأرض، وكانت الأرض منكِّسة رأسها، فلمَّا وُلِد ◙؛ رفعت رأسها وافتخرت عليها وقالت: إن كان فيك الشَّمس والقمر والنُّجوم والملائكة والرُّكوع والسُّجود والعرش والكرسيِّ؛ فقد وُلِدَ على ظهري مرسل من تبارك نور الشَّمس ونور القمر والعرش والكرسيِّ من نوره على ظهري مولده وعلى ظهري و مبعثه ودعوته، وعلى ظهري تُستعمَل شريعته، وعلى ظهري موته وحقرته وقبره، يسمع الله تعالى افتخارها على السَّماء بنبيِّه ◙، فقال: لا جرم حيث افتخرت به: جعلت تراب شرقك وغربك طهورًا له ولأمَّته، وجعلتُ شرق الأرض وغربها مسجدًا لهم ومصلَّى لافتخارك بحبيبي محمَّد ◙، فعند ذلك قال محمَّد ◙: «جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا»، فلذلك المؤمن إذا افتخر بنبيِّه ◙ خيرة خلقه يطهِّره الله تعالى من الذُّنوب كلِّها، ويجعله محلَّ توحيده وله وأمَّته دار سلامته ومنزله في جواره ◙.
          خاتمة:
          قال ابن بطَّال: نهى النَّبيُّ عن إضاعة المال؛ لأنَّ الشَّارع أقام على تفتيش العقد باللَّيل ليلة وقد رُوِيَ أنَّ ثمنه كان اثني عشر درهمًا.