مصابيح الجامع الصحيح

حديث: أن رسول الله مات وأبو بكر بالسنح

          3667- 3668- قوله: (بالسُّنح): بسكون النون، وبضمها.
          قوله: (ذلك): أي: عدم الموت.
          و(بأبي): أي: مفدًى بأبي.
          إن قلت: مذهب أهل السنة: أن في القبر حياة وموتًا، فلا بد من ذوق الموتتين.
          قلت: المراد به نفي الموت اللازم من الذي أثبته عمر بقوله: ليبعثه الله في الدنيا ليقطع أيدي القائلين بموته، فليس فيه نفي موت عالم البرزخ، ويحتمل أن يراد: أن حياتك في القبر لا يعقبها موت، فلا يذوق مشقة الموت مرتين، بخلاف سائر الخلق فإنهم يموتون في القبر ثم يحيون يوم القيامة.
          وحلف عمر بناء على ظنه حيث أدى اجتهاده إليه.
          (رسلك): قال الكرماني: بكسر الراء وفتحها؛ أي: اتئد في الحلف أو كن على رسلك؛ أي: التؤدة ولا تستعجل.
          قوله: (فقبَّله): أي: بين عينيه كما وواه الترمذي في «الشمائل».
          قوله: (لا يجمع الله عليك الموتين أبدًا): المراد به نفي الموت اللازم من الذي أثبته عمر ╩ بقوله: (ليبعثه الله...) الحديث، ويحتمل أن يراد: أن حياتك في القبر لا يتعقبه موت، فلا يذوق مشقة الموت مرتين، بخلاف سائر الخلق فإنهم يموتون في القبر ثم يحيون يوم القيامة.
          فائدة: عبد الله بن زيد _الذي رأى الأذان_ ╩: نقل القرطبي في «تفسيره» : أنه لما توفي النبي صلعم قال: اللَّهُمَّ اعْمِني حتى لا أرى شيئًا بعده، فعمي من ساعته، وأما عثمان فأخرس حتى جعل يُذهب ويجاء وهو لا يتكلم، وأقعد علي، وأضني عبد الله بن أنيس من الضنى وهو المرض رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
هلْ عدلتْ يومًا رزيةُ هالكٍ                     زيةَ يومٍ ماتَ فيهِ محمدُ
وما فقدَ الماضونَ مثلَ محمدٍ                     ولا مثلهُ حتَّى القيامةِ يُفقدُ
          [و(نشج): يقال: نشج الباكي: إذ غص في حلقه بالبكاء، وقيل: النشج: بكاء معه صوت](1).
          قوله: (أبلغ الناس): بالنصب وجاز الرفع، قاله الكرماني، النصب على الحال، والرفع على الفاعلية؛أي: تكلم رجل هذه صفته، وقال السهيلي: النصب أوجه ليكون تأكيدًا لمدحه، وصرف الوهم من أن يكون أحد موصوفًا بذلك غيره.
          إشارة: (هم): أي: قريش أشرف قبيلة، و(أعربهم): أي: فضائلهم أشبه بفضائل العرب، الخطابي: أراد بوسط النسب، أي: شرفه؛ ومعنى: (الدَّار) القبيلة، ومنه: «خير دور الأنصار بنو النَّجار» : أي: خير قبائلهم، وبـ(أعربهم أحسابًا): أنهم أشبه شمائل وأفعالًا بالعرب، ويقال: النَّسب للآباء والحسب للأفعال، قاله مسلم، وقال بعضهم (أعربهم): أبينهم وأوضحهم.
          والأحساب: جمع حسب بالفتح، ما يعدُّه الإنسان من مفاخر آبائه، ويقال: حسبه دينه، ويقال: ماله، ومشى ابن التِّين على هذه الرِّواية بالباء وفي بعضها بالقاف.
          قوله (منا أمير ومنكم أمير): أي: على عادة العرب ألَّا يسود القبيلة إلَّا رجل منهم فلمَّا ثبت عندهم أنَّ الخلافة في قريش أذعنوا وبايعوا أبا بكر ═.
          (فبايعوا): بلفظ الأمر.
          تنبيه: (جذيلها المحكَّك، وعذيقها المرجب) : الجذل: عود ينصب للأبل الجربى تحتك به فتستشفى، و(المحكك): الذي كثر به الاحتكاك حتى صار مملسًا، والعذق بالفتح النَّخلة، والمرجب: المدعوم بالرُّجبة، وهي خشبة ذات شعبتين وذلك إذا طال وكثر حمله، المعنى: إنِّي ذو رأي يستشفى بالاستضاءة كثيرًا في مثل هذه الحادثة، وأنا في كثرة التَّجارب والعلوم بموارد الأحوال فيها وفي أمثالها ومصادرها كالنَّخلة الكثيرة الحمل، ثم رمى بالرأي الصَّائب عنده، فقال: منَّا أمير ومنكم أمير، قاله الزَّمخشريُّ.
          فائدة: يجوز أن يقال: يا خليفة رسول الله بلا خلاف، وأمَّا إطلاق خليفة الله ففيه مذهبان، والحقُّ الجواز، وعن أبي بكر ╩ أنه كان ينهى عن ذلك.
          ومعنى: (قتلتم): وهو كان حيًّا، كناية عن الإعراض والخذلان.
          قوله: (فقال عمر: قتله الله): إمَّا إخبار عمَّا قدَّر الله سبحانه من إهماله، وعدم صيرورته خليفة، وإما دعاء صدر منه في مقابلة إهماله وعدم نصرته للحق، إذ روي أنه تخلف عن البيعة وخرج عن المدينة ومات بالشام في خلافة عمر ═، قاله الكرماني.
          وكان يخطر لي أن عمر رضي الله تعالى [عنه] يحدث كما في الحديث، وأنه أخبر بما يتفق له.
          ففي الحاكم عن عوف بن محمد أن سعد بن عبادة ╩: أتى سباطة قوم فبال قائماُ فخر ميتًا، فقال الجن في ذلك / نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة ورميناه بسهمين فلم نخطِ فؤاده
          وفي «الشامل» وغيره أن سبب موته؛ أنه بال في حُجر.


[1] ما بين معقوفين جاء في الأصل بعد قوله: (التؤدة ولا تستعجل).