مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الحاء مع الفاء

          الحاء مع الفاء
          514- وقوله: «وقد حَفَزَه النَّفَسُ» كدَّه واستَعجَله واستَوفَزه.
          وقوله: «أُتيَ بتَمْرٍ فجعَل يأكلُه مُستَوفِزاً» (1)؛ أي: عَجِلاً غيرَ مُتمكِّنٍ في جُلوسِه، كأنَّه متَهيِّئٌ للنُّهوضِ.
          515- وقوله: «فأحْفظَ / الأنصاريُّ» [خ¦2708]؛ أي: فأغضَبه.
          516- وقوله: «وتبقَى حُفالَةٌ كحُفالَةِ التَّمْرِ» [خ¦4156] وهي الحُثالةُ أيضاً [خ¦480]، وهي بقيَّتُه الرَّدِيئةُ، وأكمامُه وقُشورُه التي تبقَى بعد رَفعِه، فلا يُلتَفتُ إليها.
          وقوله: «مَن حفِظها وحافظَ عليها حَفِظ دينَه» «حفِظَها» رعاها وأقام حدُودَها، و«حافَظ عليها»؛ أي: على أوقاتِها، وقيل: أدام الحِفظَ لها، وقيل: هما بمعنًى واحدٍ، كرَّره للتَّأكيدِ، وذكَره الدَّاوديُّ أنَّه رُوِي: «أو حافَظ» بزيادةِ «أو» للشَّكِّ، وهذا لم نروِه، ومعنى «حفِظ دينَه»؛ أي: مُعظمَ دينِه، وقيل: ظننَّا به ذلك.
          قوله: «نهَى عن بيعِ المُحَفَّلَةِ» [خ¦2149] هي التي حُقِن اللَّبنُ في ضَرعِها، وهي المُصرَّاة، وقوله: «رأى شاةً حافلاً»؛ أي: ذاتَ لبنٍ مُجتَمعٍ في ضَرعِها قد امتَلأ منه ضَرعُها.
          517- قوله: «هَلَّا جلَس في حِفْشِ أمِّه» الحِفشُ الدُّرجُ، وجمعُه أحفاشٌ، شَبَّه بيتَ أمِّه في صِغَره به، وقال الشَّافعيُّ ☺: هو البيتُ القريبُ السَّمكِ، وقال مالكٌ ☺: هو الصَّغيرُ الخَرِبُ، وقيل: الحِفشُ شِبْهُ القُفَّةِ، تَجمَع فيه المرأةُ غَزلَها وسَقَطَها، كالدُّرجِ يُصنَع من خُوصٍ، يُشَبَّه به البيتُ الصَّغيرُ الحقيرُ، ومنه قوله: «دخَلتْ حِفْشاً لها».
          518- وقوله: «وحَفُّوا دُونَها بالسِّلاحِ» [خ¦3911]، و«يَحُفُّونَهم بأَجنِحتِها» [خ¦6408]، و«حَفَّت بهم الملائكةُ» المعنى أحدَقوا بهم وصارُوا أحِفَّتَهم؛ أي: جوانبهم.
          قوله في الهَديِ: «لَأَستَحْفِيَنَّ عن ذلك»؛ أي: لأبالِغَنَّ في السُّؤال عنه.
          قوله صلعم: «حُفَّتِ الجنَّةُ بالمكارِه»؛ أي: أُحدِقت بها.
          قوله: «وهي في محَفَّتِها» بفتح الميم والكسر، هي شِبهُ الهودَجِ، إلَّا أنَّها لا قبَّةَ عليها.
          519- وقوله: «حتَّى أَحْفَوْه بالمَسألةِ» [خ¦7089]؛ أي: أكثَروا عليه وألحُّوا.
          و«أحفَى شارِبَه» [خ¦5892] رباعيٌّ جَزَّهُ، وحكَى ابنُ الأنباريِّ: حفَوتُ.
          وقد رُوِي: «جُزُّوا الشَّواربَ».
          وفي حديث / الحَجرِ: «كان النَّبي صلعم بك حَفِيَّاً»؛ أي: بارَّاً، ومنه: {إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم:47]؛ أي: بارَّاً وَصولاً، يقال: أحفَى به، وحفِيَ؛ أي: بالَغ في بِرِّه.
          قوله في المُقدِّمة: «ويُحفِي عَنِّي»؛ أي: يبالِغُ ويَستَقصِي في الوَصاةِ بي والنَّصيحةِ لي.
          وفي حديثِ الفَتحِ: «احصُدُوهم حَصداً وأَحْفَى بيدِه على الأخرى»؛ أي: أشار إلى استِئصالِ القَطعِ والمُبالغةِ في القتلِ، كما يفعَل حاصدُ الزَّرعِ إذا حصَده، ورواه بعضُهم: «وأكفَأ بيَدِه»؛ أي: أمالَ وقلَب، وهما بمعنًى واحدٍ، وفي بعضِها: «أَخْفَى بيدِه» بالخاءِ المُعجمةِ، ولا وجهَ له.
          و«حَافَة الطَّريقِ» [خ¦458] جانبه وناحيته، ويُروَى: «حاقَة الطَّريق» بالقاف.
          520- «لِتَحفِنْ على رأسِها» الحَفْنَةُ أخذُ مِلءَ اليدَين، من المَحفُون.
          وفي حديثِ زمزمَ: «فجَعلَتْ تَحْفِن» مثلُه، وفي روَايةٍ: «تَغرِفُ» [خ¦3364]، وأكثرُ الرُّواة يقولون: «فجعَلت تَحفِرُ» [خ¦3365] بالرَّاء، إلَّا الأصيليَّ فعنده بالنُّون؛ أي: تجمَع الماء بيدَيها، وهو الصَّحيحُ، يدلُّ عليه قولُه: «تَغرِف»، ومعنى «تحفِرُ» تُعمِّقُ به كما جاء في الحديثِ الآخرِ: «تُحوِّضُه» [خ¦3364]؛ أي: تجعَل له حوضاً، ثمَّ بعد هذا: «وجعَلتْ تَغرِفُ في سِقائِها»، وبدليل قوله: «لو تركَتْه لكان عَيناً مَعِيناً».
          قوله: «فاحْتَفَرْتُ كما يَحتفِرُ الثَّعلبُ» بالرَّاء للكافَّة، وبالزَّايِ للسَّمرقَنديِّ، والزَّايُ أصوبُ، ومعناه تضامَمتُ واجتَمعتُ حتَّى وَسِعْتُ في مَدخَل الجَدول، ومقصِدُ الحديثِ يدلُّ عليه.
          وفي «كتابِ الأدبِ»: «تلك الكلمةُ... يحفَظها الجِنِّيُّ» [خ¦5762] [خ¦7561]، كذا لهم من الحِفظِ، وللقابِسيِّ: «يخْطَفها»، وفي «كتابِ التَّوحيدِ»: «يَخْطَفُها» [خ¦6213] لكافَّتهِم.
          وعند القابسيِّ وعُبْدُوسٍ: «يحفَظها»، وصَوابُه في المَوضِعَين: «يخْطَفها»، وهو المَذكورُ في غيرِ هذا الموضعِ، ومنه: {إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ...}[الصافات:10].
          وفي الوَقفِ: «مَن حفَر بئرَ رُومةَ فله الجنَّةُ، فحفَرتُها» [خ¦2778]، كذا لهم في البُخاريِّ، قيل: هو وهمٌ، وصَوابُه: «مَن يَشتَري بئرَ رُومةَ فله الجنَّةُ، فاشتَريتُها» [خ¦42/1-3672]، ولم يحفِرها هو ☺.
          «إذا رأيتَ الحُفَاةَ العُراةَ رؤوسَ / الناسِ» جمعُ حافٍ، هذا المَعروفُ لكافَّة الرُّواةِ، ولابنِ الحذَّاء: «العُراةَ الحَفَدَة» يعني الخَدَمَة، كما قال فيهم: «رِعاءَ الشَّاءِ».
          وقولُ ابنِ أبي مُلَيكةَ: «كتبتُ إلى ابنِ عبَّاسٍ أن يكتبَ إليَّ ويُحفِي عنِّي»، ثمَّ ذكرَ عنِ ابنِ عبَّاس: «أختارُ له الأمورَ اختياراً وأُحْفِي عنه»، كذا رَويناه عن أبي بحرٍ وأبي عليٍّ الصَّدفيِّ بحاءٍ مُهملةٍ، وقيَّدناه عن الخُشَنيِّ والتَّميميِّ بخاءٍ مُعجمةٍ، وصوَّبه بعضُ شيُوخِنا من غير روايةٍ وقال: لعلَّها رِوايةٌ، ومعناه عندي على هذا: لا تُحدِّثني بكلِّ ما رَويتَه، ولكن أخْفِ عنِّي بعضَه ممَّا لا أحتَمِله ولا تراه لي صَواباً، ويُؤيِّد هذا قولُ ابنِ عبَّاس: «أختارُ له الأمورَ اختياراً».
          قال القاضي أبو الفضلِ ☼: ويَظهَر لي أنَّ الرِّوايةَ الأخرى أصوبُ على أن يكون الإحفاءُ النَّقصُ، من قولهم: أَحفَيتُ شارِبي إذا جزَزْتُه، ويكون الإحفاءُ بمعنى الإمساك؛ يقال: سألني فحَفَوتُه؛ أي: منَعتُه؛ أي: أمسِكْ عنِّي بعضَ ما معَك ممَّا لا أحتَمِله، وقد يكون الإحفاءُ أيضاً بمعنَى الاستِقصاء، ومنه إحفاءُ الشَّواربِ، و«عنَّي» هنا بمعنى «عليَّ»؛ أي: استَقصِ ما تُخاطِبني به ونخِّلْهُ، وجوابُ ابنِ عبَّاس يدلُّ عليه.
          وذكَر المُفَجَّعُ اللُّغويُّ(2) : أحفَى فلانٌ بفلانٍ إذا أربَى عليه في المُخاطَبةِ، ومنه «أَحفَوه في المَسألةِ» [خ¦6362]؛ أي: أكثَروا عليه، فقوله: «وتُحفِي عنِّي» يقول: لا تُكثِر عليَّ وعدِّ الإكثارَ عنِّي، والله أعلم.
          قال ابنُ قُرقُول: في هذا كلِّه نظرٌ، وعندي أنَّه بمعنَى الاهتِبال والمُبالغةِ في البرِّ به والنَّصيحةِ له، من قوله: {كَانَ بِي حَفِيًّا} [مريم:47]؛ أي: أبالِغ له، وأستَقصِي في النَّصيحةِ له، والاختِيارِ فيما أُلقِيَ إليه من صَحيحِ الآثارِ.
          قوله: «إنَّ الله يُحِبُّ العبدَ التَّقِي الحفِيَّ» بالمُهملةِ عند العُذريِّ، ولغيرِه بالمُعجمةِ، وهو الصَّوابُ، ولكلٍّ وجهٌ.


[1] في «المشارق»: (فجعل يأكل وهو محتفز)، ولفظ مسلم ░2044▒: «فجعَل يقسِمُه وهو مُحتَفِزٌ».
[2] أبو عبد الله، محمَّد بنُ أحمدَ بنِ عُبيدِ الله البَصرِيُّ، شاعر أديب، من غلاة الشّيعة، توفي سنة 320ه. «الأعلام» 5/308.