مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الحاء مع الميم

          الحاء مع الميم
          479- قوله: «ألَا إنَّ الحَمُوْ الموتُ» [خ¦5232]، كذا بضمِّ الميم ثمَّ بواوٍ بعدَها ساكنةٍ دون همزٍ جاءَت الرِّوايةُ، وفيه لغاتٌ هذه إحداها، ويقال: حَمُكِ، ورأيتُ حَمَكِ، ومررتُ بحَمِكِ، وهذا حَمْؤُك ومررتُ بحَمْئِكِ، ورأيتُ حَمْأكِ، وهذا حمُوكِ، ورأيتُ حمَاكِ، ومررتُ بحَمِيكِ، وهذا حمَاكِ، ومررتُ بحَماكِ، ورأيتُ حَماكِ، على مثال: رَحاكِ وفَتاكِ لا يتَغيَّرُ في الإعرابِ، فهذه خمسُ لغاتٍ، أحدُها ما جاءت به الرِّوايةُ في الحديثِ بالواوِ في كلِّ حالٍ؛ لأنَّه أثبَت الواوَ بعد «إنَّ».
          وفسَّر اللَّيثُ «الحَمُو» في «صحيحِ مسلم» بأنَّه: «أخُو الزَّوجِ وما أشبَهَه من أقاربِ الزَّوجِ؛ العمُِّ ونحوُِه».
          وفي روايةٍ: «ابنُِ العمِّ ونحوُِه»، وقال الأصمعيُّ: الأحماءُ من قبلِ الزَّوج، والأختانُ من قبلِ المرأةِ، قال أبو عليٍّ البغداديُّ: والأصهارُ تقَع على الجَميعِ، وقال أبو عُبيدٍ: «الحَمو» أبو الزَّوجِ، قال أبو عليٍّ: يقال: هذا حَمٌ، وللمرأةِ حَمَاةٌ لا غيرُ.
          ومعنى قولِه: «الحَمُو الموتُ» كما يقال: الأسدُ الموتُ؛ أي: في لِقائِه الموتُ، أو لقاؤُه مثلُ الموتِ؛ لما فيه من / الغَررِ المُؤدِّي إلى المَوتِ، وكذا الخَلْوَةُ بالحَموِ، وقيل: معناه فَليَمُت ولا يفعَله، وقيل: لعلَّه إنَّما قال: «الحَمُو الموتُ» لما فيه من أحرفِ الموتِ؛ فإنَّ فيه الحاءَ والميمَ، وهما من الحِمامِ الذي هو الموتُ، وهذا ضعيفٌ.
          480- وقوله: «كأنَّه حَمِيْتٌ» [خ¦4072] هو زِقُّ السَّمنِ خاصَّةً، يُشبَّه به الرَّجلُ الجَسيمُ السَّمينُ الدَّسِمُ، كما قالت هندٌ: «عليكم الحَمِيتَ الدَّسِمَ».
          قوله صلعم: «لا رُقيَةَ إلَّا من عَينٍ أو حُمَةٍ» [خ¦5705] بتَخفيفِ الميمِ؛ أي: من لَدغةِ ذي حُمَةٍ، كالعَقربِ وشِبهِها، والحُمَةُ فوعةُ السُّمِّ، وقيل: السُّمُّ نفسُه، والفَوْعَةُ حِدَّتُه وحرَارتُه، وهي من ذَواتِ الياءِ في لامِه.
          481- وقوله: «ثمَّ قامَت تُحَمْحِمُ» [خ¦3911] الحَمْحَمةُ أوَّلُ الصَّهيلِ وابتِداؤُه.
          482- قوله: «لا أحْمَدُك اليومَ» تقدَّم في حرفِ الجيم والهاء.
          قوله: «سُبْحانَكَ اللَّهمَّ وبحَمدكَ» [خ¦794]، قيل: وبحَمْدِك أبتدِئُ، وقيل: وبحَمْدِك سبَّحتُك؛ أي: بموجب حَمْدِك _وهو هداني لذلك_ كان تَسبِيحي، والحمدُ الرِّضا، حمَدتُ الشَّيءَ رضِيتُه، ومنه: «الحَمدُ لله على كلِّ حالٍ»، و«الحمدُ لله الذي لا يُحمَدُ على المَكروهِ سِوَاه» وقد يكونُ بمعنَى الشُّكر، لكنَّه أعمُّ من الشُّكر.
          قوله: «لواءُ الحمدِ بيَدِي» يحتَمِل أن يكون بيدِه لواءٌ حقيقةً يُسمَّى لواءَ الحمدِ، ويحتَمِل أن يُريدَ به انفرادَه يومَ القيامة بالحَمدِ، وشُهرتَه به على رُؤوس الخَلق، والعربُ تضَع اللِّواءَ موضِعَ الشُّهرةِ، وهو أصلُ ما وُضِع له، وهو صلعم يبعثُه المقامَ الذي يحمَده فيه جميعُ الخلقِ؛ لتَعجِيل الحسابِ، والإراحةِ من طولِ الوُقوفِ، فلا أحدَ يدَّعِيه، ولا يُشارِكه فيه، وقد سمَّاه الله تعالى محمَّداً، وأحمدَ، ومحموداً؛ وذلك لمُبالَغتِه في حمدِ ربِّه، وابتداءِ كتابِه بحمدِه، ومَقامُه المَحمودُ في الشَّفاعةِ.
          483- قوله: «كنَّا إذا احمرَّ البأسُ» تقدَّم في الباء، قولُه: «واحمرَّ الشَّجرُ»؛ أي: يبِسَ وذهَبتْ خُضرتُه، والحمرةُ في هذا وشِبهِه بمعنَى الشِّدَّة والالتهابِ، ومنه حَمارَّةُ القَيظ، والموتُ الأحمرُ، واحمرَّت الأحداقُ.
          وقوله صلعم: / «بُعِثتُ إلى الأحمرِ والأسودِ» قيل: إلى العربِ وهم السُّودُ، وإلى العَجم وهم الحُمرُ؛ إذِ الغالبُ على ألوانهم ذلك، وقيل: الأحمرُ الإنسُ، والأسودُ الجِنُّ.
          وقولها: «حمراء الشِّدقَينِ» [خ¦3821] وصَفَتها بالدَّرَدِ، وهو سُقوطُ الأسنان من الكِبَر، فلم يبقَ إلَّا حُمرةُ اللِّثات.
          وقوله صلعم: «أُعطِيتُ الكَنزَينِ الأبيضَ والأحمرَ» قيل: كُنوزُ كِسرى من الذَّهبِ والفِضَّة، وقيل: العربُ والعَجمُ جمَعَهم الله تعالى على دينِه، ويَظهَرُ لي أنَّه أرادَ بالأبيضِ كُنوزَ كِسرى وفَتْحَ بلادِه؛ لأنَّ الغالبَ عليهم الدَّراهمُ والفِضَّةُ، وبالأحمرِ كنوزَ قَيصرَ وفتْحَ بلادِه؛ لأنَّ الغالبَ على أموالهم الذَّهبُ، ويدلُّ عليه قولُه: «مَنعَتِ العِراقُ دِرهمَها وقَفيزَها، ومَنعَتِ الشَّامُ مُدْيَها ودينارَها، ومَنعَتْ مِصرُ إِرْدَبَّها ودينارَها»، وعلى هذا عَمَلُ الفُقهاءِ في تَقوِيمِ الدِّيَاتِ.
          قوله: «نهَى عن بيعِ الثِّمار حتَّى تَحْمارَّ» [خ¦1488] هكذا بالألفِ، قال أهلُ اللُّغة: يقال: احمرَّ الشَّيءُ واحمارَّ بمعنًى، وقيل: احمرَّ فيما تَثبُت حُمرتُه، واحمارَّ فيما لا تَثبُت حُمرتُه كالخَجل، وكذلك اسودَّ واصفرَّ.
          قوله: «حُمْر النَّعَمِ» [خ¦923] يعني الإبلَ، وحُمْرُها أفضَلُها عند العربِ.
          484- قوله: «فكُنَّا نُحامِلُ» [خ¦1415]؛ أي: نَحمِل على ظهُورِنا لغَيرِنا.
          قولُه: «يُعينُ الرَّجُلَ في دابَّتِه؛ يُحامِلُه عليها» [خ¦2891]، و«حامِلَه» كلُّ ذلك من الحَمْلِ؛ أي: يُعقِبُه، وقولُ عُمرَ: «فأين الحِمال»؛ أي: الحَمْلُ، يريد مَنفعةَ الحملِ وكِفايتَه، ورواه بعضُ شيُوخِنا: «فأين الحَملُ»، وصحَّت الرِّوايتان عند ابنِ عتَّابٍ، وفسِّر في الأصلِ: «يريدُ حُملانَه»، وقد فسَّره بعضُهم بالحَمْلِ الذي هو الضَّمانُ.
          قوله: «أو رجل تَحمَّل بحَمالَةٍ بين قَومٍ» يعني تحمَّل الدِّيَةَ بين القومِ تقَع بينهم الحربُ فيُصلِح بينَهم، والحَمالةُ الضَّمانُ، والحَميلُ الضَّامنُ.
          وقوله في الصَّيد: «احتَمِلوا» [خ¦5492]؛ أي: احمِلوا، «حَميل السَّيلِ» / [خ¦806] ما احتَملَه من طينٍ وغُثاءٍ، حَمِيلٌ بمعنَى مَحمولٍ.
          485- وقوله: «يُصاب الرَّجلُ في حامَّته»؛ أي: قرابتِه ومن يُهِمُّه أمرُه ويُحزِنُه(1)، مأخوذٌ من الماء الحَميمِ، وهو الحارُّ، ومنه: «وتَوضَّأ بالحَميمِ» [خ¦4/43-331] والحميمُ أيضاً الماءُ الباردُ، وهو من الأضدادِ.
          وقوله: «نُحَمِّمُهما» [خ¦4556]؛ أي: نُسوِّدُ وُجوهَهما من الحُمَمِ، وهو الفَحْمُ، ومنه: «حتَّى إذا صاروا حُمَماً» [خ¦6560]، و«حتَّى إذا صِرْتُ حُمَماً»(2).
          486- و«الحِمِّص» بكسرِ الميم مُشدَّدة.
          487- و«الحَمْنانُ» [خ¦60/26-5217] جمعُ حَمنانَة، وهو صِغارُ الحَلَمِ.
          488- وقوله: «أرأيتَ إن عجَزَ واستَحمَقَ» [خ¦5252]؛ أي: فعَل فِعْلَ الحَمقى، و«الأُحموقةٌ» الفِعلَةُ الواحدةُ من فعلِ الحُمُق.
          489- «والحُمْسُ قريشٌ وما ولَدت من غَيرِها» [خ¦1665]، وقيل: قُريشٌ ومَن ولَدت وأحلافُها، قال الحربيُّ: سُمُّوا بذلك؛ لأنَّ الكعبةَ حَمْساءُ في لونِها، وهو بياضٌ يَضرِب إلى سوادٍ، وهم أهلُها، وقال غيرُه: سمُّوا بذلك في الجاهليَّة؛ لتحمُّسِهم في دينِهم؛ أي: لتشدُّدِهم والحماسةُ والتَّحمُّسُ الشِّدَّةُ، وقيل: لشجاعتِهم.
          490- قوله: «حَمْشَ السَّاقَينِ»؛ أي: دقيقَهما.
          491- وقوله: «كالرَّاعي يرعَى حولَ الحِمَى...ألَا إنَّ حِمَى الله محارمُه» [خ¦52] الحِمَى المكانُ الممنوعُ من الرَّعي، يقال: حَمَيتُ الحِمَى، فإذا امتُنع منه قلت: أحْمَيتُه، ومنه: «حَمَيتُ الماءَ القومَ» [خ¦4194]؛ أي: منَعتُهم.
          و«الرَّجلُ يُقاتلُ حَميَّةً» [خ¦123]؛ أي: أنفاً وغضَباً، ويقال: حَمَى أنْفَهُ، وقوله: «فحَمِي مَعْقِلٌ من ذلك أَنَفاً» [خ¦5331]؛ أي: أنِف وغضِب.
          وقوله: «فحمِيَ الوحيُ» [خ¦4]؛ أي: قوِيَ واشتدَّ كما قال: «وتتابَع».
          و«حَمِي الوَطيسُ» اشتدَّتِ الحربُ وسُعِرَت كما يُحمَى التَّـــنُّور إذا اشتدَّ حرُّه، ضربَه مثلاً لاستِعارِ الحربِ.
          وقوله: «وقِدْرُ القَومِ حامِيَةٌ تَفُورُ»؛ أي: حارٌّة تَغلِي، يريدُ عِزَّةَ جانِبهم وشدَّةَ شَوكتِهم.
          وقوله: «ظَهْرُ المُؤمنِ حِمًى» [خ¦86/9-10081]؛ أي: ممنوعٌ بالشَّرعِ، وقولُها: «أَحمِي سَمعِي وبصَرِي» [خ¦2661] مأخوذٌ من ذلك؛ أي: أمنَعُه من المآثمِ والكذبِ عليه، أن أقول: إنَّه سمِع ما لم يَسمَع، ورأى ما لم يرَ.


[1] كذا ضُبِط في (ن) وفي «المشارق»، وفي أكثر النُّسخِ: (ويحرقه).
[2] رواية البخاري ░6481▒: «صرت فحما».