مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الحاء مع الصاد

          الحاء مع الصَّاد
          503- «التَّحصِيبُ» [خ¦1766]، و«المُحصَّبُ» [خ¦1560]، و«الحَصْبَة» [خ¦316] هو المبِيتُ بالمُحَصَّبِ، مَوضعٌ بين مكَّةَ ومنى، وهو خَيْفُ بني كِنانةَ، وهو الأبطَحُ، وليس من سُننِ الحجِّ.
          وقوله: «فحَصَبَهُما أنِ اسكُتا»؛ أي: رماهما بالحَصباءِ ليُنبِّههما، وكذلك: «حَصَبَه عُمرُ» [خ¦2901]، و«حَصَبوا البابَ». [خ¦6113]
          وقوله: «أصابَتهما الحَصـــبةُ» [خ¦5941] بسُكونِ الصَّاد وفَتحِها وكَسرِها داءٌ معروفٌ، وحصباءُ الجمار ممدودٌ هي الحصَى.
          504- «تُعرَض الفِتنُ على القلوبِ عَرْضَ الحصِير عُوداً عُوداً»؛ أي: تُحيطُ بالقلوب، حَصَرَ به القومُ إذا أحْدَقوا به، وقيل: حصِيرُ الجَنْبِ عِرْقٌ يمتدُّ مُعترِضاً على جَنبِ الدَّابَّة إلى ناحيةِ بطنِها، شبَّهها بذلك، وقال ثعلب: الحصِيرُ لحمٌ يكون في جانبَي الصُّلب / من لَدُن العُنق إلى مُنتَهى المَتْنَين، وقيل: أرادَ عرضَ أهلِ السِّجن واحداً واحداً، والحصِيرُ السِّجنُ، وقيل: «تُعرَض على القلوب» تُلصَق بها لصق الحصير بالجَنبِ، وتأثيرُها فيه بلُزوقِ أعوادِها في الجلدِ إذا لزِقَت به، وإلى هذا كان يذهَب أبو بحرٍ وسِرَاجُ بن عبد الملك، وقيل: تُعرَض عليها واحدةً واحدةً كما تَعرِض المُنَقِّيَةُ لشَطْبِ الحصِير، وهو ما يُنسَج منه من لِحَاءِ القُضبانِ على النَّسَّاجةِ، وتُناوِله لها عوداً بعدَ آخر، وإلى هذا ذهَب من شيوخِنا أبو عبد الله بن سليمان، وهو الأشبَه بلفظِ الحديثِ ومعناه، وسيأتي الخلافُ في (عود).
          وقوله في: «المُحصَر» [خ¦27-2826]، و«الحَصْر» [خ¦27/3-2833]، و«الإحصار»، و«لمَّا حُصِر»، و«أُحصِر» [خ¦1809] (1)، قال القاضي إسماعيلُ: الظَّاهرُ أنَّ الإحصارَ بالمرضِ والحَصرَ بالعدوِّ، ومنه «فلمَّا حصِر رسول الله صلعم»، وأصلُ الإحصارِ المنعُ، والحَصورُ الممنوعُ من النِّساءِ إمَّا عِلَّةً أو طبعاً بمعنَى مَحصورٍ.
          505- وقوله: «كالأَرْزةِ حين تَستَحصِد»؛ أي: تنقلِع من أصلِها، كما جاء في الحديثِ الآخرِ: «حتَّى ينجَعِف بمرَّة(2)» [خ¦5642] من الحَصد، وهو الاستِئصالُ.
          ورُوِي: «تُستَحصد» لِمَا لم يُسَمَّ فاعلُه، والأوَّلُ أوجهُ، وكذلك في الزَّرع إذا استَحصَد، ويستَحصِدُ؛ أي: يحينُ حصادُه.
          قوله: «فاحصُدُوهم حصْداً»؛ أي: اقتُلوهم واستأصِلوهم كما تُحصَد الزَّرعُ، يقال: حصَده بالسَّيفِ إذا قتَله، وقوله: {مِنْهَا قَآئِمٌ وَحَصِيدٌ} [هود:100]؛ أي: ذهَب فلم يبقَ منه أثرٌ.
          506- وقوله: «بذَهَبٍ لم تُحصَّل مِن تُرابِها» لم يُخَلَّصْ ويُصفَّى، وأصلُ حصَل ثبَت، يقال: ما حصَل في يدي منه شيءٌ؛ أي: ثبَت، وقيل: رجَع، وحصَّلْت الأمرَ: حقَّقتُه وأثبتُّه.
          507- وقولُ حسانَ: «حَصَانٌ رَزَانٌ» [خ¦4146] بفتحِ الحاء؛ أي: عفيفةٌ، وأصلُ الإحصانِ المنعُ؛ فلذلك يأتي بمعنَى العِفَّة والنِّكاح والإسلامِ والحريَّة؛ لأنَّ بكلِّ واحدةٍ من هذه الخِصال يمتَنع الإنسانُ من الفاحشةِ، / يقال: أحصَن فهو مُحصِن، وأُحصِن فهو مُحصَن، والمرأة مُحصِنَة ومُحصَنَة، وكلُّ هذا في القرآن والحديثِ.
          508- وفي حديثِ عمرانَ: «وإلى جانبِه حِصَانٌ» [خ¦5011] بكسرِ الحاء؛ أي: فرسٌ مُنجِبٌ.
          509- وقوله: «وله حُصَاصٌ»؛ أي: ضُراط، وقيل: شِدَّةُ عَدْوٍ.
          وقوله: «حَصَّتْ كلَّ شيءٍ» [خ¦1007]؛ أي: اجْتاحَته واستأصَلته، يقال: حصَّ رحِمَه إذا قطَعها، وحصَّتِ البيضةُ رأسَه حلَقَته.
          510- و«بيع الحَصاةِ» كانوا يتساوَمون ومعهم رجلٌ بيدِه حصاةٌ، فإذا طرَح الحصاةَ وجَب البيعُ، وقيل: بل كانوا يرمُون بالحصاة، فحيثُما وقَعت من الأعيان كان هو المبيع، وقيل: إلى مُنتَهى الحصاةِ، وكلُّه غرَرٌ ومَجْهَلةٌ.
          قوله: «لا تُحصِي فيُحصِيَ الله عليكِ» [خ¦2591]؛ أي: لا تتكلَّفي معرفةَ قَدْر إنفاقِكِ.
          وفي حديثٍ آخرَ: «لا تُوعِي» [خ¦1434]، وآخرَ: «لا تُوكِي» [خ¦1433]، كلُّه كنايةٌ عن الإمساكِ والتَّقتيرِ، والإحصاءُ للشَّيء مَعرِفتُه قَدْرَاً أو وزناً أو عدداً.
          وقوله: «أَكُلَّ القرآنِ أحصَيْتَ»؛ أي: حفِظتَ.
          قوله للمرأةِ: «أَحصِيها حتَّى نرجِعَ»؛ أي: احفَظيها ليُعلَم صِدقُ خَرصِه إذا جُدَّت؛ بدليلِ آخرِ الحديثِ.
          قوله: «لا أُحصِي ثَناءً عليك»؛ أي: لا أُحِيط بقَدرِه ولا أطيقُه، ولا أبلُغ واجبَ ذلك وغايتَه، وقال مالكٌ: لا أُحصِي نِعَمك وإحسانَك والثَّناء بها عليك وإنِ اجتَهدتُ في ذلكَ.
          وقوله صلعم: «من أَحصَاها دخلَ الجنَّةَ» [خ¦2736]؛ أي: مَن عمِل بها وأحاطَ معرفةً بمَعانِيها، وقيل: أطاقَها؛ أي: أطاقَ العملَ بها والطَّاعةَ بمُقتَضى كلِّ اسمٍ منها، {عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ}[المزمل:20] لن تُطِيقوه، وقيل: معناه حفِظ القرآن فأحصَاها بحِفظِه للقُرآنِ، وقيل: «أحْصَاها» وحَّد بها ودَعا إليها، وقيل: أحصَاها عِلْمَاً وإيماناً، وقيل: حفِظَها، وبهذا اللَّفظِ روَاه البخاريُّ في آخرِ الدَّعواتِ [خ¦2677]، ومنه قوله: «أَكُلَّ القُرآنِ أحصَيتَ».
          وقوله صلعم: «استَقيموا ولن تُحصُوا»؛ أي: الزَموا طريقَ الاستِقامَة، وقارِبوا وسدِّدوا ولا تَغْلوا؛ فإنَّكم لا تُطيقون جميعَ أعمالِ البِرِّ / كما قال(3) : (دين الله بين المقصِّر والغالي)، وقيل: لن تُطِيقوا الاستقامةَ في جميعِ الأعمال، وقيل: لن تُحصُوا ما لكم في الاستقامةِ من الثَّوابِ العظيمِ.
          وقوله: «أحصُوا لي مَن يَلفِظُ بالإسلامِ»؛ أي: عدُّوهم.


[1] ولفظ البخاري: (قد أحصر)، ولفظ مسلم: (لما أحصر).
[2] تصحَّفت هذه الكلمة في أكثر الأصول إلى: (ثمَره).
[3] عزاه إلى الإمام علي ◙ في ربيع الأبرار للزمخشري: 2/247.