مطالع الأنوار على صحاح الآثار

حرف الباء

          حرفُ البَاء
          111- جُلُّ معنَى الباء الإلصاق لما ذكر قبلها من اسمٍ أو فعلٍ بما انضمَّت إليه، تقول: مررت بزيدٍ وألممت بزَيدٍ؛ أي: ألزَقْت مُرورِي وإلمامي به، وكذلك في القَسَم: ألزَقتُ قَسمِي بكذا، بدَليل أنَّك تحذفها فتنصب المُقسَم به بالفِعْل المَحذُوف، وهو ألزقت، فتقول: اللهَ لأفعلنَّ، هذا كلامُ العَربِ إلَّا قولهم: آلله لآتينك، فإنَّه خفض أبداً.
          قال أبو عُبيدٍ عن الكِسائيِّ: كلُّ يمين ليس فيها حرف فهي نصب أبداً، إلَّا قولهم: آلله بالمدِّ فإنِّه خفض.
          وقد رُوِي في الحَديثِ قوله: «إنِّي مُعسِرٌ وإنِّي أحبُّك، فقال: آلله، قال: آلله» الكسر والفتح، وأكثرُ أهل العربِيَّة يقبِّحون الفتح أو يمنعونه ولا يُجيزون إلَّا الكسر، سواء ذكر حرف القسم أو حذف، فالباء مع هذا تأتي زائدةً / لا معنَى لها.
          وقد تسقُط في اللَّفظِ أيضاً وتأتي بمعنَى: من أجْلِ، وبمعنَى: «في»، و«عن»، و«على»، و«من»، و«مع»، وبمعنى لام السَّبب، وبمعنَى الحال، وللعِوَض، وللبَدلِ، ولتَحسينِ الكَلامِ.
          فمن ذلك: «صلِّ الصُّبحَ بغَبَشٍ»؛ أي: في غبَشٍ، ومثلُ هذا: وهو بمكَّةَ، وبالمَدينةِ، وبخَيبرَ، وبالجِعْرانةِ؛ أي: فيها على رأي بَعضِهم، وكقَولِه صلعم: «أكثَرتُ عليكم بالسِّواك»؛ أي: «في السِّواك» [خ¦888]، و«كنَّا نتحدَّثُ بحَجَّةِ الوَداعِ... ولا ندري ما حَجَّةُ الوداع» [خ¦4402]؛ أي: في حَجة الوَداعِ، وكذلك هو عند الأصيليِّ، ومِثلُه [قوله تعالى] : {وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} [مريم:4]؛ أي: «في»، وقيل: من أجل دُعائِك.
          وقوله: «فلم أزَلْ أسجدُ بها» [خ¦766]؛ أي: فيها، يعنِي في {إِذَا السَّمَاء انشَقَّتْ}.
          وقوله: «تريدُ أن تجعلَها بي»؛ أي: تُلزِمني هذه المَسأَلة وتُولِّيني دَرْك فُتْياها، والهاء راجِعةٌ على الفُتيا أو القِصَّة أو الكفَّارةِ، فتكون بمعنى: «عليَّ»، وقد تكون هذه بمعنى من أجل فُتْياي ورَأيِي، ومنه: «كنت ألزَمُ رسولَ الله صلعم بشِبَعِ بَطنِي» [خ¦3708] بالباء؛ أي: من أجْلِ ذلك، ويروى: «لِشبَع بطني» [خ¦5432] باللَّامِ؛ أي: من أجلِ ذلك.
          وقوله: «أشدُّ تفصِّياً من النَّعم بعُقُلِها»، كذا للجُلُوديِّ في حديثِ زُهيرٍ، ولابنِ ماهانَ: «من عُقُلِها»، وكِلاهُما صَوابٌ، وقد رُوِي: «في عُقُلِها». [خ¦5033]
          وقوله تعالى: {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ} [الإنسان:6]؛ أي: يُروىَ بها، فهي على بَابِها، وقيل: منها.
          وقول حُذيفَةَ ☺: «ما بي إلَّا أن يكونَ رسولُ الله أسرَّ إليَّ شيئاً» معناها تأكِيدُ النَّفي، كقَولِكَ: ما زيدٌ بِقائمٍ، قالوا: و«إلا» هاهنا زائِدَة.
          وقولها: «حُمَّى بنَافضٍ» [خ¦3388]؛ أي: مع نافضٍ، وقيل: الباء زائدة، تقديرُه: حمَّى نافض، كما هي في قَولِهم: أخذت بزِمامِ النَّاقة، وأخذت زِمامها، وقد تكون للإلزاق؛ لإلزاق الحُمَّى بالنَّافضِ، قالوا: ومنه [قولُه تعالَى] : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]؛ أي: اسم ربك، و«اقرَأ بأمِّ القُرآن» [خ¦1171]، و«اقرأ بما تيسَّر معك» [خ¦6251].
          ومنه قولُ سُراقَةَ: «فحطَطتُ بزُجِّه الأرضَ» [خ¦3906] الباء زائدَة، وقد يكون من المَقلُوب: حطَطْت الأرض بزُجِّه(1). /
          ومنه قوله صلعم: «ما أنا بقارئٍ» [خ¦3] وكذلك قول أزواج النَّبيِّ صلعم: «ما هو بداخلٍ علينا أحدٌ بهذه الرَّضاعة»،أو تكون لتَأكيدِ النَّفيِ، وقيل: «الباء» هاهنا لتَحسينِ الكَلامِ، ومِثلُه: «مسَّت بعارِضَيها». [خ¦5334]
          وفي روايَةِ ابنِ أبي أُويسٍ: «فمسَّت به» يعني عارِضَها؛ أي: منه، أو حذف عارضها، وهو المَفعولُ الثَّانِي.
          وقول بلال: «أخذ بنَفْسي الذي أخذَ بنَفسِكَ»؛ أي: أخذ نَفسِي.
          وفي إسلامِ أبي ذرٍّ ☺: «فقلتُ بمِثلِ ما قلتُ بالأمْسِ» [خ¦3522]، وقوله في الدُّعاء: «ولك بمِثل» أو «بمثله»، ومِثلُه في حَديثِ الأنصارِ: «أن يقطعَ لهم بالبَحرينِ» [خ¦2377]، كذا للأصيليِّ، ولغَيرِه: «البَحرَين»، ويكون المَعنَى: قطائع بالبَحرَين؛ أي: في البَحرَين، وقد تكون هاهنا للتَّبعيضِ؛ أي: قطِيعاً هناك من البَحرينِ.
          وقوله: «فأخرج بجَنازَتها ليلاً» كذا في رِوايَة ابنِ حَمْدِين وابنِ عتَّابٍ، وعند غَيرِهم: «فخُرج بجَنازَتها» وهو أصوَب، وكذلك في حَديثِ خُبيبٍ: «فخرَجُوا به». [خ¦3989]
          وعند الأصيليِّ: «أخرَجُوا به»، وقيل: هما لُغَتان، و«خرَج بجنازتها» أصوَب.
          وقوله صلعم: «اللَّهمَّ عليك [بقريشٍ]» [خ¦240]؛ أي: ألْحِق الهَلاك بهم أو نِقمَتك.
          وفي «باب الدُّعاء على المُشرِكِين»: «عليك بقُريشٍ لأبي جَهلِ بنِ هشامٍ» [خ¦2934] باللَّام كذا لهم، إلَّا الأصيليَّ فعنده: «بأبي جَهلٍ» كما في سائر الأبوابِ، ومعناه البَدل من قُرَيش، وتُخَرَّجُ «اللَّام» على أن تكون للإشارة؛ أي: قال ذلك مشيراً لهؤلاء المُسمَّين من جُملَة قُرَيش.
          وقوله صلعم: «قد ملَّكْتُكَها بما معك من القُرآنِ» [خ¦5087] بمعنَى «اللَّام»؛ أي: لأجلِ ما معَك منه، أو تكون للسَّبب، وهذا على مَذهبِ من منع النِّكاح بالإجارَة، وقيل: «الباء» للعِوَض وللثَّمن، وهذا على قول من أجازَه بالإجَارةِ.
          وقوله: «بأبيك»، و«بأبي» [خ¦324]؛ أي: أفدي به المَذكُور، وهي كلِمَة تستَعمَل عند التَّعظيمِ والتَّعجُّب، وعند التَّوقية والتَّفدية.
          وفي حديثِ بَيعةِ عليٍّ لأبي بَكرٍ ☻: «حين راجع الأمرَ بالمَعرُوف» كذا لابنِ ماهَانَ في حَديثِ إسحاقَ، وهي زائدة، وبإسقاطها قيَّده ابنُ عيسَى عن الجَيَّانيِّ، / كما جاء في غيرِ هذه الرِّوايةِ: «حين راجع الأمرَ المعروفَ» [خ¦4240]، ولبَعضِ الرُّواة هاهنا: «الأمرَ والمَعرُوفَ».
          قال ابنُ قُرقُول: وللباء معنًى يُخرَّج على أن تكون مُتعلقة براجع؛ أي: راجع الحقَّ والسُّنة، أو بالمَعرُوف من التَّسليمِ والرِّضا والمَعهُود من ذلك.
          وقوله: «أُقِرَّتِ الصَّلاةُ بالبِرِّ والزَّكاةِ»؛ أي: مع البِرِّ والزَّكاة، قاله أبو الحسين ابن سِرَاج، وأُلزِمت حكمهما وسُوِّيت معهما فصارت معهما مُستَوية، وقيل غيرُ هذا، وسَيأتي في القافِ إن شاء الله تعالى، وقيل: «أُقرِّت» بمعنى قُرِنت وجُعِلت، ولعلَّه تَصحِيف منه.
          وفي مُسلمٍ في خبَر محمَّدِ بنِ رافعٍ: «كنَّا نَتحرَّجُ أن نَطوَّفَ بالصَّفا والمروةِ»، كذا في جمَيعِ نُسخِه على لَفظِ الكتاب: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة:158]، قيل: ومعناه: «بين الصَّفا والمَروةِ» [خ¦1643]، وقد تكون بمعنى «في»؛ أي: في فِنائهما أو أرْضِهما، و«نطَوَّف» هاهنا بمعنى نَسعَى.
          وقول عُبادةَ في حَديثِ البَيعةِ: «بالجنَّةِ إن فعلْنا» كذا للسِّجْزي وابنِ الحَذَّاءِ، وللجُلُوديِّ: «فالجنَّةُ»، وكِلاهُما صَحِيح، و«الباء» هاهنا بمعنى البدَل والمُعاوَضة؛ لأنَّه كعَقدِ بَيعٍ بعِوضٍ [فهو كالبَيعِ].
          وقوله صلعم: «فبِها ونِعْمَتْ»؛ أي: فبالرُّخصةِ أخذَ، ونِعمَت السُّنَّة ترَك، وقيل: فبالسُّنَّة أخَذ، ونِعمَت الخَصلَة الوُضُوء، والأوَّل أظهَر؛ لأنَّ الذي تُرك هو السُّنَّة، وهو الغُسلُ.
          وقول عائشَةَ ♦: «فبي المَوتُ» [خ¦4608]؛ أي: حلَّ بي وأصابَنِي مثلُ المَوتِ.
          وقوله صلعم: «ليس بكِ على أهلِك هَوانٌ»؛ أي: لا يعلَّق بك ولا يصيبك، ومعنى «على أهلكِ» عليَّ، وهو صلعم هاهنا الأهل، وقد تقدَّم [أ ه].
          وقوله في الجَارِية:«مَن بكِ» (2)؛ أي: من فعَل هذا بكِ، أو من يُؤخَذ بك، كما يقال: فلان بدمي، فحذف اختِصاراً.
          وقوله: «أصبْتَ أصابَ الله بكَ»؛ أي: هداك للصَّوابِ والحقِّ ونبَّهك عليه، أو هدَاكَ إلى الجنَّةِ وبلَّغك إيَّاها، أو أراد الله بك طريق الخير، ومنه قولُه تعالَى / : {رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ} [ص:36]؛ أي: حيث قصَد وأراد.
          وقوله: «إنَّا لنبتاعُ الصَّاعَ [من هذا] بالصَّاعَين» [خ¦7350] هذه باء بالبَدلِ والعِوضِ.
          وفي حَديثِ دِحيَة: «ادعوه بها» [خ¦371]؛ أي: يأتني بها، يعني صفِيَّة.
          وقوله: «فوَقَصَت به» [خ¦1839] في حَديثِ المُحْرِمِ، و«بها» [خ¦2877] في قِصَّة أمِّ حَرامٍ، «الباء» هاهنا زائدة؛ أي: وقصتها، أو: وقصته؛ يعني المُحْرِمَ، أو أمَّ حَرامٍ.
          وقولها: «أرغَمَ الله بأنفِكَ» كذا للقابِسيِّ والأصيليِّ في الجنائزِ في حَديثِ ابنِ حَوشب، ولغَيرِهما: «أرغم الله أنفَكَ» [خ¦1305] وللبَاءِ(3) معنًى؛ أي: أرغَم الله التُّراب أو الأرض بأنْفِك؛ أي: ألصقه به، وقيل: هي زائِدَة.
          وقوله: «قلَّ عربيٌّ نشأَ بها مِثلَه» [خ¦6148] على هذه الرِّواية؛ أي: نشَأ بالحَربِ، وقيل: ببلاد العَربِ.
          قوله: «وقضى بسَلَبِه لعَمرِو بنِ الجَموح»، كذا للكافَّة، وعند الصَّدفيِّ في مُسلمٍ: «وقضى سَلَبه» بغَيرِ باء؛ أي: أمضى سلبه، يقال: قضيت الأمر؛ أي: أمضيته وأنفَذته.
          وفي وفاةِ ابنِ مَظعُون: «لا أدري ما يُفْعَلُ بي» كذا للكافَّة.
          وفي البُخاريِّ: «به» [خ¦7004]، وذكَر الاختِلاف [خ¦1243م]، فإن كان الصَّحيحُ «بي»، فهذا قبل أن يُعَرَّفَ بمَنزِلَته، وإن كان «به»، فلا يعلم أحد من غَيبِ الله شيئاً إلَّا ما علَّمه الله.
          وقوله: «الظَّاهرُ على كلِّ شيءٍ علماً، والباطنُ بكلِّ شيءٍ علماً» كذا للنَّسفيِّ _وهو في «كتاب التَّوحيدِ»_ ولأبي ذرٍّ: «والباطنُ على كلِّ شيءٍ علماً» [خ¦97/4-10908]، ولغَيرِهما: «والباطن كلَّ شيءٍ»، وكلٌّ له وجهٌ صحيحٌ، والأوَّلُ أوجَهُ.
          وقوله في تَفسيرِ الفُرقانِ: «أن تُزانيَ بحَلِيلةِ جارِكَ» [خ¦4761]؛ أي: تزني بها، إذ لا يكون زِناً إلَّا بمَزنِيةٍ بها، فيكون فاعل بمعنَى فعل، وفي غيرِ هذا المَوضعِ: «أن تُزانيَ حليلةَ جارِكَ» [خ¦4477]؛ أي: توافقها في ذلك وتجيبها إليه، واختَلَف روَاة البُخاريِّ فيه في مَواضِعَ، وقال القاضيُّ: إنَّ «الباء» هاهنا زائدة.
          وفي «باب عَيشِ النَّبيِّ صلعم» قول المِقدَاد: «كنت أحقَّ أن أصيبَ من هذا اللَّبن بشَربةٍ» كذا للأصيليِّ، ولغَيرِه: «شَربةً» [خ¦6452]، وهو الوَجهُ.
          قال ابنُ قُرقُول: ويخرَّج «الباء» على معنَى أُصيب نفسِي منه / بشَربةٍ.
          وفي خبر الرَّاعِيَين اللَّذين يُحشران آخراً: «فيجدان بها وُحُوشاً»؛ أي: «فيها» _يعني في المَدينةِ_ كذا عند بَعضِ رُوَاة البُخاريِّ، وهو صحيحُ المعنَى، والذي عندَنا فيه، وعند رواة مُسلمٍ: «فيجدانِها» [خ¦1874] بالنُّونِ، وهو وجهُ الكَلامِ، والهاء عائدة على غنمهما، وفي الرِّواية الأُولَى تعُود على المَدينةِ.
          وفي «باب مُناهَضة الحصُونِ»: «إنْ كان بها الفتحُ» كذا عند القابِسيِّ، وعند الباقِينَ: «إن كان تهيَّأ الفَتحُ» [خ¦12/4-1498]؛ أي: اتَّفق وتمكَّن، وهو بيِّن.
          وفي محاجَّة موسَى في باب وَفاتِه: «بمَ تَلومُني» كذا للأصيليِّ، وهو بمعنَى «اللَّام»؛ أي: لأيِّ سبَب بعد عِلمِك بأنَّ الله تعالى كتَبَه عليَّ، وسيأتي في الحاء.
          وفي رِوايَة غَيرِه: «ثمَّ تلُومُني» [خ¦3409]، وهو أوْجَه وأليَق، وكذا في غيرِ هذا البابِ من غَيرِ خِلافٍ [خ¦7515]، وكلٌّ له وَجْه، والباءُ على أصلِها باء السَّبب.
          وفي «باب: {وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}[النساء:134]»: «قل لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بالله _وفيه:_ ألا أدلُّك، به» [خ¦7386]؛ أي: بمعنَى الحَديثِ أو لَفظِه.
          وقولُ ابنِ عبَّاسٍ ☻: «ذَهَبَ بها هنالِكَ» [خ¦2524]؛ أي: بالآيةِ؛ أي: بتَأوِيلها.
          وقوله: «حتَّى ظَهرتُ بمُستوًى»؛ أي: علوت فيه أو عليه، وهي روايةُ الأصيليِّ والنَّسفيِّ وعُبدُوس وبعضِ روَاةِ أبي ذرٍّ، وروَاه الباقُون: «لمستَوًى» [خ¦349] باللَّامِ.
          وفي حَديثِ أقرَع وأعمَى وأبرَص [باب في حَديثِ بني إسرَائيلَ] : «تَقطَّعت بيَ الحبالُ» [خ¦3464]، كذا للأصيليِّ.
          وعند القابِسيِّ وابنِ السَّكنِ: «فيَّ» في الحرفِ الأوَّلِ.
          وعند أبي ذرٍّ: «به الحبال»، وعند جَميعِهم في الثَّاني: «بي» و«به» لا غير، و«بالباء» هو الوَجْه.
          وفي حَديثِ الصِّراطِ: «تجري بهم بأعْمالِهم» كذا للعُذريِّ والسَّمرقَنديِّ، ورُوَاة الجُلُوديِّ، والباءُ هاهنا زائِدَة، وطَرحُها صَوابٌ كما للبَاقِين: «تجري بهم أعمالُهم».
          وقال الشَّافعي ☺: الباء في قَولِه تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} [المائدة:6] بمعنى التَّبعيضِ، واحتَج بقَولهِم: تمسَّحت بالأرضِ، ولا حجَّة في هذا؛ لأنَّ الضَّرورة وعدم إمكان العُموم ألجأ إلى حَملِها في هذه الكَلِمة على التَّبعيضِ، إذ لا يمكن التَّمسح بجَميعِ الأرض، لا أنَّ «الباء» اقتَضَت ذلك، / لكن الضَّرورة ألجأت إليه، ثمَّ هي في غير هذه الضَّرورة على أصْلِها في العُمومِ.
          قوله: «إنَّ هذه الآياتِ... لا تكون بمَوتِ أحدٍ ولا بحَياتِه»، كذا في بَعضِ رِوايَاتِ الحَديثِ، و«الباء» هاهنا للسَّبب؛ أي: بسَببِ مَوتِ أحدٍ، وقد تكون على بابها؛ أي: لا تكون مُنذِرَة بمَوتِ أحدٍ ولا مُعلِمَة به.
          وقوله: «لا تُهلِكنا بسَنَةٍ بعامَّةٍ»؛ أي: لا يصيبهم بعامَّة.
          وقوله: «نُهينا أن نُحِدَّ على مَيِّتٍ أكثرَ من ثلاثٍ إلَّا بزوجٍ» [خ¦1279]، كذا للأصيليِّ، ولغَيرِه باللَّام؛ أي: إلَّا بسَببِ مَوتِ زَوجٍ، أو لأجلِ مَوتِ زَوجٍ.
          قولُ عائشَةَ ♦: «لا أُزَكَّى به» [خ¦7327]؛ أي: بالدَّفن في مَوضعٍ به قُبِرَ(4) النَّبيُّ صلعم وصاحباه تواضعاً منها، أو إعظاماً أن يفعَل ذلك غيرُها، أو لا يكون سبَب دفنها معهم كشفُ بعض قبُورِهم، إذ كان المكان لا يحتَمِل أكثر ممَّا فيه، ألا ترى قولها لعمرَ ♦: «إنَّما كنتُ أريدُه لنَفسِي» [خ¦1392] فلو كان محتملاً أكثر من واحدٍ لما كان لقولها معنًى.
          قوله: «أعطى بي ثمَّ غدر» [خ¦2227]؛ أي: أعطى الذِّمة والعهد بالحَلِف بي، أو أعطى العهد بحقي.
          وقول عبدِ الله ☺: «أجدُ بي يعنِي قوَّةً» [خ¦3419]، كذا في «كتابِ الأنبياءِ» في قِصَّة داوُد في حَديثِ مِسعَر؛ أي: «فيَّ»، أو: «منِّي»، على أنَّ الأصيليَّ رواها بالنُّون والياء؛ أي: أجدني أقوى على أكثر من ذلك، فحذَف لدَلالةِ اللَّفظ عليه، لكنَّه لا يستَقِل اللَّفظ على قول مِسعَر: «يعني قوَّة»، ولو قال: «قويَّاً» كان أليَق بالكَلامِ، إلَّا أنَّه يُخرَّج على تقدير حذف مُضافٍ؛ أي: أجِدُني ذا قُوَّة ثمَّ حذَف ذا.
          وفي «باب التَّوبةِ»: «نزَل مَنزِلاً وبه مَهلَكةٌ» [خ¦6308] هكذا لجميعِ رُواةِ البُخاريِّ، وهو تصحِيفٌ، سقَطَت الدَّال بين اللَّامِ ألفِ والواو، وإنَّما كان نزل منزلاً دوِّيَّةً مَهلكَة(5)؛ أي: أرضاً صِفَتُها هذه، وكذا في كتاب مُسلمٍ: «بأرضٍ دويَّةٍ مَهلكَةٍ(6)».
          وفي «باب القِراءَةِ في المَغربِ»: «سمعتُ رسول الله صلعم يقرَأ بالطُّورِ» [خ¦765]، كذا للكافَّةِ، وعند محمَّدِ بنِ عيسَى: «في الطُّورِ»، والأوَّلُ هوالمَعرُوف، / فإن صحَّت فيدُلُّ على أنَّها لم تَسمَعه يَقرَأ جميع الطُّور، بل سمِعَته يقرَأ فيها، أو يكون «في» بمعنى «الباء».


[1] كذا في الأصول، وفي «المشارق»: (حطَطْت بالأرضِ زُجَّه).
[2] لم أجده هكذا مختصراً، ولعلها رِوايةٌ، والمَشهُور: (من فعل بك). [خ¦6876]
[3] هنا بياض في (ن) في هذا الموضع بقدر ثلاث كلمات.
[4] في بعض النسخ: «موضع دفن به».
[5] بفتح اللام وكسرها.
[6] بفتح اللام وكسرها.