غاية التوضيح

باب قول الله تعالى: {ونضع الموازين القسط}

          ░58▒ (بَابُ قَولِ اللهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ})
[الأنبياء:47] بالنَّصب: نعتُ {الْمَوَازِينَ}، وأفردَهُ؛ لأنَّه في الأصل مصدرٌ، أو على حذف المُضاف؛ أي: ذوات القسط، والأكثرون على أنَّ الميزانَ واحدٌ، وإنَّما جُمِعَ للتَّفخيم وباعتبار العباد وأنواع الموزونات، و(أَنَّ أَعْمَالَ) بفتح الهمزة وبكسرها.
          قال أهلُ السُّنَّة: الميزانُ جسمٌ محسوسٌ ذو لسانٍ وكفَّتين، واللهُ تعالى يجعلُ الأعمالَ أجسامًا، أو يجعلُها في أجسامٍ، أو صحائفُ الأعمالِ تكون موزونةً.
          وفي «الزَّركشيِّ»: وقال: الرَّاجحُ أنَّ الوزنَ في الآخرة يُصعِد الرَّاجحَ عكسَ الوزانِ في الدُّنيا، وهو غريبٌ.
          وفي «الكرمانيِّ»: هو(1) ميزانٌ كميزان الشِّعر، وفائدتُهُ: إظهارُ العدلِ والمُبالَغةُ في الإنصاف.
          وفي «القسطلانيِّ»: وقد جاء أنَّ كفَّةَ الحسناتِ من نورٍ، والأخرى من ظلامٍ، والجنَّةُ تُوضَع عن يمين العرش، والنَّارُ عن يسارِهِ، فيُنصَب بين يديِ الله تعالى، وعن حُذَيفةَ موقوفًا: أنَّ صاحبَ الميزان يومَ القيامة جبريلُ، وعن أنسٍ مرفوعًا قال: «مَلَكُ الموتِ مُوكَّلٌ بالميزان».
          وقيل: (سألَ داودُ ◙ ربَّهُ ╡ أن يُرِيَهُ الميزانَ، فلمَّا رآهُ؛ أُغمِيَ عليه من هولِهِ، ثمَّ أفاقَ، فقال: إلهي؛ من يقدرُ على ملءِ كفَّةِ هذا الميزانِ حسناتٍ؟ فقال الله تعالى: يا داودُ؛ إنِّي إذا رضيتُ عن عبدي؛ ملأتُهُ بتمرةٍ واحدةٍ، أو أملؤُها بكلمةِ لا إلهَ إلَّا الله) انتهى
          وفي «القسطلانيِّ» أيضًا: ومنْ يدخلُ الجنَّةَ بغير حسابٍ_وهمُ السَّبعون ألفًا؛ كما في «البخاريِّ»_ فإنَّه لا يُرفَع لهم ميزانٌ، وكذلك من لا ذنبَ له / إلَّا الكفر فقط ولم يعمل حسنةً فإنَّه يقع في النَّار بغير حسابٍ.
          قولُهُ: (الْقسْطَاسُ) بضمِّ القاف وكسرها: العدلُ بلغةِ أهلِ الرُّوم.
          قولُهُ: (الْقِسْطُ) بالكسر مصدر القسط بحذف الزَّوائد، وأصلُهُ: الإقساطُ، والمُقسِطُ: العادلُ؛ إمَّا من القِسط_بالكسر_ وإمَّا من القَسط_بالفتح_ الذي هو بمعنى الجور، منهُ القاسطُ بمعنى الظَّالم، فالهمزةُ حينئذٍ للسَّلب والإزالة.


[1] في (أ): (هي).