غاية التوضيح

كتاب الإيمان

          ░░2▒▒ (كتاب الإيمان)
          وهوَ قولُ: (أيُّ الإيمان) وهوَ قولٌ، وهوَ الإقرارُ بالشَّهادتينِ، ولم يُذكَر الاعتقادُ؛ لعدمِ الاختلافِ فيه، فذكرَ ما هو المتنازعُ فيهِ.
          واعلمْ أنَّ الإيمانَ قد جاءَ في كلامِ الشَّارعِ بمعنَى أصلِ الإيمانِ، وهو الَّذي يُعتبَرُ فيه كونُه مقرونًا بالعملِ، وهو المنجي منَ الخلودِ في النَّارِ باتِّفاقِ أهلِ السُّنَّةِ، وَقدْ جاءَ بمعنَى الإيمانِ الكاملِ، وهوَ المقرونُ بالعملِ، وهو المنجي من دخولِ النَّارِ، باتِّفاقِ جميعِ المسلمينَ، وإنَّ إيمانَ المقلِّدِ صحيحٌ عندَ الأكثرينَ، وأنَّ التَّصديقَ الظَّنِّيَّ غيرُ كافٍ، وأنَّ من اقتصرَ على قولِ: لا إلهَ إلَّا اللهُ، ولمْ يقلْ: محمَّدٌ رسولُ اللهِ، فالمشهورُ في مذهبِ العلماءِ أنَّه لا يكونُ مسلمًا، وقيل: يكونُ مسلمًا ويطالبُ بالشَّهادةِ الأخرى، فإن أبى؛ جُعِلَ مرتدًّا، واحتجَّ / بقولِه صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبهِ وسلَّمَ: «أمرتُ أنْ أقاتلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا لا إلهَ إلَّا الله» الحديث، وهذا محمولٌ عندَ الجماهيرِ على قولِ الشَّهادتينِ، واستغنى بأحدِهما عن الآخرِ لارتباطهما وشهرتهما.
          وإنَّ من أقرَّ بالعجميَّةِ وَهوَ يُحسِنُ العربيَّةَ ففيه وَجهانِ: الصَّحيحُ أنَّه يصيرُ مسلمًا؛ وَهوَ الحقُّ، ولا يظهرُ للآخرِ وجهٌ.
          واختُلِفَ في أنَّ الإيمانَ مخلوقٌ أو لا؛ فذهبَ جماعةٌ إلى أنَّهُ مخلوقٌ، وذُكِرَ عن أحمدَ وجماعةٍ منَ المحدِّثينَ أنَّه غيرُ مخلوقٍ.
          وأحسنُ مَا قيلَ فيه: ما رُوِيَ عن الفقيهِ أبي اللَّيثِ السَّمرقنديِّ أنَّه قالَ: الإيمانُ إقرارٌ وهدايةٌ، فالإقرارُ صنعُ العبدِ، وهو مخلوقٌ، والهدايةُ صنعُ الرَّبِّ وهوَ غير مخلوقٍ.
          واعلمْ أنَّ من جحدَ ما يعلمُ من دينِ الإسلامِ ضرورةً حُكِمَ بردَّتهِ وكفرهِ، إلَّا أنْ يكونَ قريبَ عهدٍ بالإسلامِ، أو نشأَ بباديةٍ بعيدةٍ ونحوهِ ممَّن يخفى فيعرف ذلك، فإن استمرَّ؛ حُكِمَ بكفره؛ كذا قال النَّوويُّ.
          ثمَّ اعلمْ أنَّ أكثرَ المتكلِّمينَ أنكروا زيادةَ الإيمانِ ونقصَه، قالوا: متى قبلَ الزِّيادةَ والنَّقصَ؛ كانَ شكًّا وكفرًا.
          وقالَ المحقِّقونَ وهمُ الأشاعرةُ: أنَّ نفسَ التَّصديقَ لا يزيدُ ولا ينقصُ، وأنَّ الإيمانَ الشِّرعيَّ يزيدُ وينقصُ بزيادةِ ثمراتِه ونقصانِها، وهيَ الأعمالُ، وبهذا يحصلُ التَّوفيقُ بينَ من يقولُ بالزِّيادةِ والنَّقصِ، ومن ينكرهما، كذا قيل.
          لكنَّ المختارَ أنَّ نفسَ التَّصديقِ أقوى من إيمانِ غيرهم، فإنَّ تصديقَ أبي بكرٍ ╩ لا يساويه تصديقُ آحادِ النَّاسِ.
          قيلَ: أنَّ من اعتقدَ بقلبِهِ دينَ الإسلامِ وَلم ينطقْ مع ذلك بالشَّهادتين مع القدرةِ بغيرِ عذرٍ كالخللِ في اللِّسانِ؛ فهو ليسَ بمؤمنٍ باتِّفاقِ أهلِ السُّنَّةِ من المحدِّثينَ والفقهاءِ والمتكلِّمينَ.
          وفي الكرمانيِّ: وأقول الاتِّفاق؟؟؟ فيما لو اقتصرَ على الاعتقادِ مع القدرةِ على النُّطقِ إذا لم يظهرْ منافيًا، فإنَّه مؤمنٌ عندَ اللهِ تعالى، ولا يخلدُ في النَّارِ، نعم يُحكَمُ بكفرِهِ.