غاية التوضيح

باب قول الله تعالى: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له}

          ░32▒ (بَابُ قَولِ اللهِ ╡: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ}) الآية [سبأ:23].

          قولُهُ: (وَلَمْ يَقُلْ: مَاذَا خَلَقَ) غرضُهُ من هذا البابِ إثباتُ كلامِ الله تعالى القائم بذاتِهِ تعالى بدليل أنَّه قال: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} [سبأ:23] ولم يَقُل: ماذا خلقَ ربُّكم.
          وفيه ردٌّ للمعتزلة حيثُ قالوا: إنَّه متكلِّمٌ بمعنى أنَّه خالقُ الكلامِ في اللَّوح المحفوظ.
          قولُهُ: (سَمِعَ أَهْلُ السَّمَاوَاتِ) والأرض؛ أي: سمعوا شيئًا، وعند أحمدَ: سمعَ أهلُ السَّماواتِ صلصلةً كجرِّ السِّلسلةِ على الصَّفا، فيُصعَقون، فلا يزالون كذلك حتَّى يأتيَهم جبريلُ، فإذا جاءَهم جبريلُ؛ فُزِّعَ عن قلوبِهم؛ أي: أُزيلَ الخوفُ، والتَّفعيلُ للإزالة والسَّلب، و(إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ وَسَكَنَ الصَّوتُ) المخلوقُ لإسماعِ أهلِ السَّماوات؛ إذِ الدَّلائلُ القاطعةُ قائمةٌ على تنزُّهِهِ تعالى عنِ الصَّوت المُستلزِمِ للحدوث (عَرَفُوا أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) لأنَّهم سمعوا قولًا ولم يفهموا معناهُ كما ينبغي؛ لفزعِهم، وفي روايةِ أحمدَ: يقولون: يا جبريلُ؛ ماذا قال ربُّكم؟
          قولُهُ: (وَيُذْكَرُ) في «الزَّركشيِّ»: تعليقٌ بصيغة التَّمريض، وقد علَّقَهُ بصيغة الجزم في كتاب «العِلم» في (باب الرِّحلة).
          قال القاضي: والمعنى: يجعلُ مَلَكًا ينادي، أو يخلق صوتًا يسمعُهُ النَّاسُ، وأمَّا كلامُ الله تعالى؛ فليس بحرفٍ وصوتٍ.
          وقال أبو العبَّاس: انفردَ هذا الحديثُ والذي قبلَهُ غيرُ صحيحين، كلاهما مُعلَّقٌ مقطوعٌ، والأوَّلُ موقوفٌ، فلا يُعتَمَد عليهما في كونِ الله تعالى متكلِّمًا بصوتٍ، وإنَّ كلامَهُ الذي هو صفتُهُ مُنزَّهٌ عنِ الحروف والأصوات؛ كما قامتْ عليه الأدلَّةُ القاطعةُ، وفي «الكرمانيِّ»: يناديهم؛ أي: يقول، و(بِصَوتٍ) أي: مخلوقٍ غيرِ قائمٍ به.
          فإن قلت: ما السِّرُّ في كونِهِ خارقًا للعادة؟ إذ في سائر الأصوات التَّفاوُتُ ظاهرٌ بين القريب والبعيد.
          قلت: ليُعلَمَ أنَّ المسموعَ منه كلامُ الله تعالى؛ كما أنَّ موسى ◙ كان يسمع من جميع / الجهات كذلك.