مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الحاء مع الباء

          الحاء مع الباء
          409- قوله صلعم: «إذا أَحبَّ الله العبدَ» [خ¦3209]، و«لأُعطيَنَّ الرَّايةَ غداً رجلاً يُحبُّ الله ورسولَه ويُحبُّه الله ورسولُه» [خ¦3009]، وكلُّ ما جاء من ذِكرِ محبَّةِ العبدِ لله، أو محبَّة الله لعَبدِه، كلُّ ذلك محمولٌ على إرادةِ الله به الخيرَ، وهدايتِه إيَّاه، وتوفيقِه له، ومحبَّةُ العبدِ لله تعالى ترجِعُ إلى طَاعتِه له، وإيثارِ أمرِه على سواه.
          وأمَّا المحبَّة التي هي الميلُ فالباري سُبحانَه مُنزَّه عنها، لا يمِيل ولا يُمال إليه، وأمَّا محبَّةُ الرَّسولِ والمَلائكةِ لمن يحبُّهم ويحبُّونه فيكون على ظاهرِها من الميلِ اللَّائقِ بالخَلقِ، وتكون من الملائكةِ بمعنى الاستغفارِ وحُسنِ الذِّكر والثَّناء الجَميلِ، وكذلك من البشرِ لهم التَّعظيمُ لهم والذِّكرُ الجميل، ومن الرَّسولِ لأمَّته إرادتُه هداهم ونَجاتَهم، والدُّعاءُ لهم، والشَّفاعةُ لهم، ومحبَّتُهم له طاعتُهم إيَّاه، والصَّلاةُ عليه والثَّناءُ، وتقديمُ أمرِه، وقبولُ قولِه.
          قوله: «كما تَنْبتُ الحِبَّةُ في جَانبِ السَّيلِ» [خ¦22] بكسر الحاء، وقال الفرَّاء: هي بُزُور البَقل، قال الكسائيُّ:
          هي حَبُّ الرَّياحِين، قال أبو عمرٍو: هي نَبتٌ ينبُت في الحشيشِ صِغار، قال النَّضرُ: هي اسمٌ جامعٌ لحبوب البَقل الذي ينتَشر إذا هاجَت الرِّيح، فإذا مَطَرت نبَت.
          و(الحَبَّة) واحدةُ الحبِّ من عنَبٍ وغيرِه، وحَبُّ الحَبَّة التي في داخِلها تُسمَّى حُبَةً، بضمِّ الحاء وتخفيفِ الباء. قال الحربيُّ: ما كان من النَّبت له حَبٌّ فاسمُ ذلك الحَبِّ / حِبَّة، وقال غيرُه: فأمَّا الحِنطَة وغيرُها فهي الحَبُّ، وقالوا: الحِبَّة فيما هو حبوبٌ مُختلِفةٌ، قال ابنُ دُريدٍ: هو جميعُ ما تحمِله البُقول من ثمرة، وجمعُه حِبَبٌ، وشَبَّه نباتَهم بنبات الحِبَّة لأمرين: أحدهما: بياضُها كما جاء في الحديث، والثَّاني: سُرعة نباتها؛ لأنَّها تنبُت في يوم أو ليلة؛ لأنَّها لمَّا رَوِيت من الماء وتردَّدت في غُثاءِ السَّيلِ وتيسَّرت قِلْبَتُها للخُروجِ، فإذا خرَجت في حمِيل السَّيلِ غرَزَت عِرقَها فيه لحينِها، ونبَتت بسُرعةٍ.
          قوله: «حِبُّ رسولِ الله صلعم» [خ¦3475] يعني أسامةَ وأباه، بكسرِ الحاء، يعني محبوبَه.
          قوله: «فأصبتُ حبَّتَه» على هذه الرِّواية(1) يعني حَبَّةَ قلبه، وحبَّةُ القلب ثمرتُه.
          وقوله: «في الحَبَّة السَّودَاء» [خ¦5688] فسَّرها في الحديث بـ «الشُّونِيز»، قال ابنُ الأعرابيِّ: إنَّما هو «شِئنِيز»، كذا تقوله العربُ، قال الحسنُ: الحبَّةُ السَّوداءُ هي الخَردلُ، وحكى الهرَويُّ أنَّها الحبَّة الخَضرَاء، والأوَّلُ أصحُّ.
          «الأحبَارُ»، و«كعبُ الأحبارِ» [خ¦7361] جمع حبر بفتح الحاء وكسرِها، وأنكَر أبو الهَيثمِ الكَسرَ، و«الحِبرُ» الذي يُكتَب به، مَكسورُ الأوَّل، قيل: وبه سُمِّي «كعبُ الحبر»، حكاه أبو عُبيدٍ، قال: لأنَّه كان صاحبَ كتُبٍ، قال غيرُه: «كعب الأحبار» كعبُ العُلماءِ، واحدُهم حَبر، وقاله ابنُ قُتيبةَ، و«حَبر العرب» ابنُ عبَّاس، الحَبرُ العالمُ حيثُ وقَع.
          و«البُرْد المُحَبَّر» [خ¦60/7-5148] المُزيَّن، ومنه: «حُلَّةُ حِبَرَةٍ» [خ¦3864]، و«بُرْد حِبَرَةٍ» [خ¦1241] وهي عَصْب اليمنِ، وقال الدَّاوديُّ: الحِبَرةُ ثوبٌ أخضَر.
          وقوله: «فرأى ما فيها من الحَبَر والسُّرورِ» هكذا رواه لنا أبو عبد الله ابن أبي الخِصَال في كتابِ مُسلمٍ، ورواه غيره: «من الخَير»، والتَّحبيرُ التَّزيينُ والتَّحسينُ.
          قوله: «لا ألبَسُ الحَبيرَ» [خ¦3708] قيل: هو ثوبٌ مُخطَّط، وقيل: هو الجديدُ.
          410- قوله: «فقد حَبِطَ عمَلُه» [خ¦553]؛ أي: بطَل، وحبِطَت الدَّابَّة إذا أكلَت المرعى حتَّى يَنتفِخ جوفُها فتموت، ومنه قوله: «ما يَقتُل حَبَطاً أو يُلِمُّ». [خ¦2842]
          411- قوله: «حبَّذَا يوم الذِّمَارِ» [خ¦4280]؛ أي: ما أوفقَه لذلك وأحبَّه لأهلِه، وسيأتي «الذِّمار» في حرفِ الذَّال إن شاء الله. /
          412- وقوله: «حَبَلُ الحَبَلَة» [خ¦2143] بفتح الباء فيهما، وقيل في الأوَّلِ بسُكون الباء، والفتحُ أبينُ فيهما، وهو مَصدَر حبِلت تحبَل حَبَلاً، وهو اسمٌ للجَنِين أيضاً، ومنه قوله: «ويُسقِطان الحبَلَ» [خ¦3297]، والمُعَدَّى الإحبال، و«بيع حَبَلِ الحَبَلةِ» قد فسَّره ابنُ عمرَ في الحديثِ: «بأنَّه البيع إلى أن تُنتَجَ النَّاقةُ، ثمَّ يُنتَج نِتاجُها»، وكان من بيوعِ الجاهليَّة، وقيل: هو شِراء نِتاج النِّتاج، قال أبو عُبيدَة(2) : المَجرُ ما في بطنِ النَّاقةِ، واسمُ الثَّاني الغَمِيسُ، واسمُ الثَّالث القياقِبُ(3)، وكلُّ هذا غرَر لا يَحِلُّ، والتَّفسيرانِ مَروِيَّان عن مالكٍ؛ بيع نِتَاج النِّتاج، وبيع إلى أن يُنتِج النِّتاج.
          وقيل: هو بيع العِنب قبل طِيْبه، والحَبلَة الكرمةُ، قال ثَعلَب: وفي الحديثِ: «لا تُسَمُّوا العِنبَ الكَرْمَ، ولكن قُولوا الحَبْلَة»، وقيل: معناه بيع الأجنَّة، وهو الحَبَل في بطُونِ الأمَّهاتِ، وهنَّ الحبَلة جمعُ حابلة، الحَبَل المَصدرُ، قال ابنُ الأنباريِّ: الحبَل بالفتح يريد به ما في بطون النُّوقِ، والحبَل الآخَر حبَل الذي في بطونِ النُّوقِ، أُدخِلت فيه الهاءُ للمُبالغةِ، كما قالوا: نُكَحَة، وقال الأخفشُ(4) : الحَبَلَةُ جمعُ حابلةٍ، كفاجرةٍ وفجَرةٍ، والحَبَلُ يختصُّ ببنات آدم ولغيرهم حمل، إلَّا ما جاء في هذا الحديث، قاله أبو عُبَيدَة.
          وقوله: «وما لنا طعامٌ إلَّا ورَقُ الحُبْلةِ» [خ¦6453] بضمِّ الحاء وسكونِ الباء، كذا هو في كتاب مُسلمٍ، «وهو السَّمُر» كذا عند عامَّة الرُّواةِ.
          وعند التَّميميِّ والطبريِّ: «وهذا السَّمُر».
          وعند البخاريِّ: «وَرقُ السَّمُر» [خ¦6453]، قال ابنُ الأعرابيِّ: «الحُبْلة» ثمَر السَّمُر يُشبِه اللُّوبياء، وقيل: ثمرُ العِضاه، والأوَّل هو المعروف، وضبَطه الأصيليُّ في «كتاب الرَّقائق»: «الحَبُلَة» [خ¦6453]، ورأيت بعضَهم صوَّبه، وفيه في «كتاب الأطعِمة»: «الحُبُلة» أو «الحَبَلة»، ولم يكن عند الأصيليِّ في الأولى إلَّا ضمَّةٌ واحدةٌ، والذي ذكَرناه أوَّلاً هو الذي ذكره أبو عُبيدٍ، وكذلك قيَّدناه.
          وقوله في الحجِّ: «كُلَّما أتى حَبْلاً من الحبالِ» هو ما طال من الرَّمل وضَخُم، ويقال: الحبالُ دونَ الجبال.
          وقوله: «وجعلَ حَبْلَ المُشاةِ / بين يدَيه» يعني مجتمعَهم وصفَّهم تشبيهاً بالأوَّل، وقيل: «حَبْل المشاة» حيثُ يسلُك الرَّجَّالة، والأوَّلُ أولى.
          قوله: «على حَبْلِ عاتِقِه» [خ¦3142] هو ما بين المنكب والعنق، وقال ابنُ دُريدٍ: حَبْل العاتِق عَصَبَتاه، وقيل: موضِعُ الرِّداء من العنقِ.
          وقوله: «الاعتصامُ بحبلِ الله»، قال ابنُ مَسعودٍ: و«حَبْلُ الله تعالى» كِتابُه؛ أي: اتِّباعُ القرآن وتركُ الفُرقةِ، ومنه قوله صلعم: «كتابُ الله هو حَبْلُ الله»، وقيل: عهدُه الذي يَلزَم اتِّباعه، وقيل: أمانُه، وقيل: نورُه الذي هدى به، ويكون معناه سبَبه إلى طاعتِه.
          وفي الحديث: «يَسرِقُ الحَبْل» [خ¦6783] قيل: هو على ظاهِره، وقيل: حبلُ السَّفينةِ، وقد تقدَّم في حرف الباء، والعهودُ يقال لها: الحِبالُ، وعهودُ الله طاعتُه، والحبالُ الأسبابُ.
          413- قوله: «إلَّا مَن حبَسَه القُرآنُ» [خ¦4476] فسَّره في الحديثِ: «وجبَ عليه الخُلودُ».
          قوله: «وإذا أصحابُ الجَدِّ مَحبوسُون» [خ¦5196]؛ أي: ممنوعون من دخُولِ الجنَّة، موقوفون للحِسابِ، أو حتَّى يدخُلَها الفقراء؛ بدليل قوله: «وأمَّا أصحابُ النَّارِ فقد أُمِر بهم إلى النَّارِ»؛ أي: من استحقَّ النَّارَ منهم بكُفره أو مَعصيتِه، وبقِي غيرُهم للحِسابِ أو للتَّأخير عن مَنزلةِ الفقراء، وقد تقدَّم تفسيرُ «الجدِّ».
          وقوله: «قدِ احتبسَ أدراعَه» [خ¦24/33-2279]؛ أي: أوقَفها، واللُّغةُ الفُصحى أحبس، قال الخطَّابيُّ: ويقال: حَبَس مخفَّفاً، وحبَّس مُشدَّداً.
          414- وفي «الموطَّأ»: «عَذق ابنُ حُبَيقٍ»، ويقال: لونٌ حُبَيقٌ لونٌ من التَّمرِ رَدِيءٌ.
          415- قوله: «فَصُّهُ حبَشيٌّ»؛ أي: حجَرٌ من بلادِ الحبَش، أو على ألوان الحبَشةِ، أو منسوبٌ إليهم، وكذلك «عبدٌ حبَشيٌّ». [خ¦7142]
          وقوله: «جمَعوا لك الأَحابيشَ» [خ¦4178] هم حلفاءُ قريش، وهم بنو الهون(5) بن خُزيمةَ، وبنو الحارث بنُ عبدِ مناةٍ، وبنو المصطَلق من خُزاعةَ، تحالَفوا تحت جبلٍ يقال له: حبَشيٌّ، وقيل: هو اسمُ وادٍ بأسفلَ مكَّة، وقيل: سُمُّوا بذلك لتحبُّشهم، ووهو التَّجمُّع، والحُباشةُ الجماعةُ، قاله يعقُوبُ، وقال ابنُ دُريدٍ: والمَجموعُ أيضاً حُباشةٌ، وحبَّشتُ جمَّعت.
          416- وقوله: «لأَتَوهما ولو حَبْواً» [خ¦615]، و«يخرجُ منها حَبْواً / _فسَّره في الحديثِ_ زَحْفاً»، قال ابنُ دُريدٍ: الزَّحفُ المَشيُ على الإستِ مع إشرافِه بصَدْره، قال الحربيُّ: حَبَا الصَّبيُّ مشَى على يدَيه، والاحتِباءُ أن ينصِب ساقَيه ويُدِير عليهما ثوبَه ويَعقِد يدَيه على رُكبَتيه مُعتمِداً على ذلك، والاسمُ الحُـبوةُ بالضمِّ والكسرِ، والحُبيةُ والحِبيةُ بالياء.
          قوله «فأخَذ بحُبْوَة رِدائي»؛ أي: مُجتَمَع ثوبِه الذي يحتَبِي به ومُلتقَى طرفَيه في صَدْرِه.


[1] وهي رواية العذري، ورواية الجمهور: «فأصبتُ جنْبَه».
[2] في الأصول: (عبيد)، وما أثبته من «المشارق»، وهو الصَّوابُ.
[3] في الأصول: (العياقب)، وما أثبته من «المشارق»، وهو الصَّوابُ.
[4] كذا نقل ابن قرقول، والذي في «المشارق»: (وقال غيرُ الأخفش...).
[5] بضمِّ الهاء وفتحها.