مصابيح الجامع الصحيح

باب من نسى صلاة فليصل إذا ذكرها ولا يعيد إلا تلك الصلاة

          ░37▒ (باب: من نسي) التَّرجمة
          إشارة: مَذْهب الحنفيَّة أنَّه لو لم يُعِدْ الفائتة حتَّى أدَّى خَمْسَ صلوات بعدَها؛ يجب عليه إعادتها مَعَ إعادة الخمس الَّتي بَعدَها، مُسْتدلًّا بحديثِ: «لا صلاةَ لمن عليه فائتة»، والحديث حجَّة عليهم فيما إذا زاد الفوائت على خمسة، إذ له الصَّلاة وعليه الفائتة.
          قوله: (مَنْ نَسِيَ صَلَاةُ) إن قلتَ: انتفاء الشَّرط يَسْتلزم انتفاء المشروط، فيلزم منه أنَّ من لم ينس؛ لا يصلِّي إذا ذكر، لكنَّ القضاء واجب على التَّارك عمدًا أيضًا؛ قلتُ: قيَّد في الحديث بالنِّسيانِ؛ لخروجه على الغالب، أو لأنَّه ممَّا ورد على السَّبب الخاصِّ، مثل أن يكون ثمَّة سائل عن حكم قضاء الصَّلاة المَنْسيَّة، أو أنَّه إذا وجَب القضاء على المَعْذور؛ فغيره أولى بالوجوب، وهو من باب التَّنبيه بالأدنى على الأعلى.
          وشرطُ اعتبار مفهوم المخالف عدم الخروج مخرج الغالب، وعدم وروده على السَّبب الخاصِّ، وعدم مفهوم الموافق.
          وقال الظَّاهريَّة: لا يجب قضاء الفائتة بغير عذر، وقالوا: إنَّها أعظم من أن يخرج عن وبالِ معصيتها بالقضاء.
          إن قلتَ: هل للنَّوافل الفائتة قضاء؛ قلتُ: لفظ الحديث شامل لها، لكن النَّوافل المؤقَّتة، إذ لا يتصوَّر في غيرها النِّسيان إلى خروجها عن وقتها.
          إن قلتَ: فهو متناول أيضًا لنحو صلاة الخوف، ولا قضاء لها؛ قلتُ: لأنَّ مشروعيَّتها متعلِّقة بسبب ويزول المسبِّب عند زوال السَّبب.
          إن قلتَ: وجوب القضاء في الفائتة الواجبة أهو مُسْتفاد من هذا الأمر، أم من الأمر الأوَّل الذي به إيجاب أصل الصلاة، قلت: اختلف الاصوليون في أنَّ وجوبه بأمرٍ جديد أو بالأمر الأوَّل، والظَّاهر الأوَّل، وهو الأمر الَّذي وجب به القضاء، نحو: فليصلِّ.
          إن قلتَ: إذا ذكر؛ يقتضي أن يلزم القضاء في الحال إذا ذكر، لكنَّ القضاء من جملة الواجبات الموسَّعة اتِّفاقًا، وهذا بخلاف المتروكة عمدًا، فإن قضاها على الفور على الصَّحيح؛ قلتُ: لو تذكَّرها ودام ذلك التَّذكُّر مدَّةً وصلَّى في أثناء تلك المدَّة؛ صدق أنَّه صلَّى حين التَّذكُّر، وليس بلازم أن يكون في أوَّلِ حال التَّذكُّر، أو أنَّ (إذا) للشَّرط، كأنَّه قال: فليصلِّ إن ذكر، يعني: أو لم يذكر لا يلزم عليه القضاء أو جزاء مقدَّر يدلُّ على المذكور؛ أي: إذا ذكر؛ فليصلِّها، والجزاء لا يلزم أن يترتَّب على الشَّرط في الحال، بل يلزم أن يترتَّب عليه في الجملة.