مصابيح الجامع الصحيح

باب قول الله تعالى: {من بعد وصية يوصى بها أو دين}

          ░8▒ قوله: (آخرُ): بالنَّصب وبالرَّفع؛ أي: أحقُّ زمان يصدَّق فيه الرَّجل في أقواله، آخر عمره، والمقصود أنَّ إقرار المريض في مرض موته حقيقٌ بأن يصدَّق به، ويحكم بإنفاذه، وفي بعضها (يَصَّدَّق)؛ بلفظ الماضي من التَّصدُّق، والأوَّل هو المناسب للمقام.
          قوله: (الوارث): بالنَّصب.
          قوله: (بعض النَّاس): الحنفية لا يجوز إقرار المريض لبعض الورثة؛ لأنَّه مظنَّة أن يريد الإساءة بالبعض الآخر منهم، والفرق بين البضاعة والمضاربة أنَّ الربح مُشْتَرك بين المالك والعامل في المضاربة، وكل الربح للمالك في البضاعة.
          قوله: (إياكم والظن): نصب على التحذير.
          قوله: (أكذب الحديث): إن قلت: الكذب والصِّدق صفتان للقول لا للظن ثمَّ إنَّهما لا يقبلان الزِّيادة والنقصان، فكيف يبنى منه أفعل التفضيل؟
          قلت: جعل الظَّنَّ كمتكلم، فوصف بهما، كما يوصف المتكلم، فقال: متكلم صادق وكاذب، والمتكلم يقبل الزيادة والنقصان في الصدق والكذب، يقال: زيد أصدق من عمرو، فمعناه: الظن أكذب في الحديث من غيره، هذا وغرض البخاري الرد عليهم:
          أولًا: بأنهم ناقضوا أنفسهم حيث جوزوا إقراره للوارث بالوديعة ونحوها بمجرد الاستحسان من دون دليل يدل على امتناع ذلك وجواز هذه.
          وثانيًا: بأنَّه لا يجوز منع الإقرار بسبب الظنِّ به الإساءة؛ لأن الظن محذور عليه بقوله: «إياكم والظن».
          (ولا يحل مال المسلم): أي: المقرُّ له؛ لقوله: «إذا أُمِّنَ خان»، إن قلت: ما وجه دلالته عليه؟
          قلت: إذا وجب ترك الخيانة؛ وجب(1) الإقرار بما عليه، وإذا أقر لابد من اعتبار اقراره، وإلا لم يكن لإيجاب الإقرار فائدة.
          قوله: (فلم يَخُصَّ): أي: لم يفرق بين الوارث وغيره في ترك الخيانة، ووجوب أداء الأمانة إليه، فيصح الإفراد سواء كان للوارث أو لغيره.


[1] في الأصل: (فوجب).