مصابيح الجامع الصحيح

باب الوصايا

          ░1▒ قوله: (وقول النبي صلعم: وصية الرجل مكتوبة عنده): كذا في النسخ، وما أدري ما أراد البخاري بهذا، هل ورد حديث بهذا اللفظ وصل إليه ولم يصل إلينا، وأما أنا؛ فلم أقف على هذا الحديث بهذا اللفظ، أو روى الحديث بالمعنى، فإن المرء هو الرجل، لكن التعبير به خرج مخرج الغالب، ورواية الخبر بالمعنى يجوز للعارف خلافًا لابن سيرين، وغَلِطَ صاحب «التحصيل» فعزاه إلى الشافعي، وهو المروي عن عبد الله بن عمر ╠ وجماعة من التابعين، واختاره أحمد بن يحيى ثعلب وأبو بكر الرازي، ونقله إمام الحرمين عن معظم المحدثين وشرذمة من الأصوليين، وعن بعضهم أتى الخلاف في غير الأحاديث القدسية، أما القدسية؛ فلا يجوز روايتها بالمعنى، ومالك ╩ كان يشدِّد في الباء والتاء مثل: بالله وتالله، فقيل: كان ذهابًا منه إلى منع نقل الحديث بالمعنى، وأنه كان يقول: لا ينقل حديث رسول الله صلعم بالمعنى بخلاف حديث الناس، وقيل: بل كان يجوزه، وحمل هذا التَّشديد على المبالغة في الأَوْلَى، فإنَّ الأولى نقل اللفظ بصورته، بلا نزاع، وقال بعض أصحابنا: إن كان موجب الخبر علمًا؛ جاز النقل بالمعنى، وإن كان موجبه عملًا؛ ففيه ما لا يجوز الإخلال باللفظ فيه، كقوله ◙: «تحريمها التكبير وتحليلها التسليم»، وكقوله ◙: «خمس يُقْتَلن في الحل والحرم»، وما أشبه ذلك ومنه ما يجوز بالمعنى؛ نقله ابن السمعاني، والمسألة معروفة، ويكفي هذا.
          [ (باب الوصايا).
          الوصية: اسم في معنى المصدر.
          قال الأزهري: مشتقة من وصيت الشيء إذا وصلته، وسميت وصية؛ لأنه وصل ما كان في حياته بما بعده]
.