مصابيح الجامع الصحيح

حديث: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته

          893- (أُجَمِّعَ) أي: أقضي صلاة الجمعة في الأرض الَّتي كان مَشْغولًا بزراعتها والعملِ فيهًا، لا أيلة إذ هي كانت بلده لم يحتج إلى السُّؤال في التَّجميع فيها.
          (وَأَنَا أَسْمَعُ) جملة حاليَّة، وكذا (يَأْمُرُهُ) فهما حاليَّتان مترادفتان.
          إن قلتَ: ما محلُّ (يُخْبِرُهُ) إذ لا يجوز أن يكون الإخبار بدلًا أو بيانًا للأمر؛ قلتُ: هو حال من فاعل (يأمره)، فهما حالتان متداخلتان.
          والمكتوب: هو الحديث، والمسموع: المأمور به.
          وإذا لم يكن للرَّجل أهل ولا سيِّد ولا أب، ولم يكن إمامًا؛ فرعايته على أصدقائه وأصحاب مُعاشرته.
          إن قلتَ: إذا كان كلٌّ منَّا راعيًا، فمن الرَّعيَّة؟ قلتُ: أعضاء نفسه وجوارحه وقواه وحواسُّه، أو الرَّاعي يكون مَرْعيًّا باعتبارٍ آخر، ككون الشَّخص مرعيًّا للإمام راعيًا لأهله.
          أو الخطاب خاصٌّ بأصحابِ التَّصرُّفات ومن تحتَ نظره ما عليه إصلاحُ حاله.
          ووجه مطابقة الحديث لسؤال رزيق؛ أنَّه لمَّا كان عاملًا على طائفة كان عليه أن يراعيَ حقوقهم، ومن جُمْلتها إقامة الجمعة، فيجب عليه إقامتها وإن كانت في قريةٍ.
          أبو حنيفة لا تجب الجمعة إلَّا في الأمصار الجامعة.
          إشارة: قال سيِّدي والدي ⌂: (رُزَيْقُ بْنُ حُكَيْمٍ) بضمِّ الرَّاء، وبعدها زاي مفتوحة.
          و(حُكَيْمٍ) بضمِّ الحاء وفتح الكاف، هذا ممَّا لا أعلم فيه خلافًا، انتهى.
          قلتُ: الخلاف في (حُكَيم) معروف هل هو بالضَّمِّ أو بالفتح حتَّى في كلام شيخَينا ابن الملقِّن والعراقيِّ.
          وأمَّا (رزيق)؛ فقال: ابن ماكولا وصاحب «المطالع» وأبو علي والذهبي
          وقال شيخنا ابن حجر يحرَّر الإعجام.
          وقال الكرمانيُّ: بضمِّ الرَّاء وفتح الزَّاي وسكون التَّحتانيَّة وبالقاف، انتهى.
          و(حكيم) بضمِّ المهملة وفتح الكاف وسكون التَّحتانيَّة.
          قال ابن يونس: اعلم أنَّه عمَّم أولًا ثمَّ خصَّص، والخصوصيَّة إمَّا بحسب الرِّعاية العامَّة وإمَّا بحسب الرِّعاية الخاصَّة، ثمَّ الخاصَّة إمَّا بحسب الزَّواج، وإمَّا من جهة الرَّجل وإمَّا من جهة المرأة، وإمَّا بحسب الخدمة وإمَّا بحسب النَّسب.
          ثمَّ عمَّم ثالثًا تأكيدًا وردًّا للعجز إلى الصَّدْر بيانًا لعموم الحكم / أوَّلًا وآخرًا.
          الخطَّابيُّ: أصلُ الرِّعايةِ حفظُ الشَّيء وحسن التَّعهُّد له، وجرى اسمها على هؤلاء المَذْكورين على سبيل السَّويَّة، لكنَّ المعاني فيها مختلفة، أمَّا رعاية الإمام؛ فهي ولاية أمور الرِّعيَّة والحياطة من ورائهم وإقامة الحدود والأحكام فيهم، وأمَّا رعاية الرَّجل أهله؛ فالقيام عليهم والسِّياسة لأمرهم وتوفية حقوقهم في النَّفقة والعشرة.
          وأمَّا رعاية المرأة؛ فحسن التَّدبير في أمر بيت زوجها والتَّعهُّد لمن تحت يدها من عياله وأضيافه.
          ورعاية الخادم؛ هو حفظ ما في يده من مال سيِّده والنَّصيحة له فيه والقيام بما استكفاه من الشُّغل والخدمة.
          قال: واستدلَّ الزُّهريُّ به على أنَّ للسَّيِّد إقامة الحدِّ على مماليكه، وقيل: فيه دليل على أنَّ الجمعة يجوز إقامتها بغير سلطان إذا اجتمعت شرائطها في العدد الَّذين يشهدونها، وعلى أنَّ الرَّجلين إذا حكَّما بينهما حكمًا ينفذ حكمه عليهما إذا أصاب الحقَّ.
          النَّوويُّ: (الرَّاعي) هو الحافظ المؤتمن المُلْتزم صلاح مَا قام عليه، وما هو تحت نظره، ففيه أنَّ كلَّ من كان في نظره شيء؛ فهو مطالب بالعدل فيه وبالقيام بمصالحه في دينه ودنياه.