مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الواو مع الهاء

          الوَاو مع الهَاء
          2378- قوله: «هَمَمْتُ أن لا أَتَّهِبَ إلَّا من قُرشيٍّ أو أنصاريٍّ أو ثَقَفيٍّ»؛ أي: لا أقبَل هِبةً أو هدِيَّةً إلَّا مِنهُم؛ إذ كانوا أهلَ حَواضِرَ وآدابٍ حسَنةٍ، وذلك بخلافِ أهلِ البَوادِي والأعرَابِ؛ لجَفائِهم وغِلَظِ أخلَاقِهم وجَهلِهم، يقال: اتَّهب الرَّجل إذا قبَض الهِبَة، ووهَبت له الشَّيء أعطَيته، وأوْهَبته له أعدَدْته له، ولا يقال: وهَبته كذا، إنَّما يقال: وهَبت له وَهباً وهِبَة.
          وقوله في الهبَاتِ: «تَسألُه بعضَ المَوْهِبةِ»، كذا عند ابنِ(1) عِيسَى في كتابِ مُسلمٍ، وهي رِوايةُ ابنِ الحذَّاءِ، وعند غَيرِه: «المَوْهوبة» والمَعروفُ «المَوهِبة» بكَسرِ الهاء، وكذا ذكَره البُخاريُّ [خ¦2650]، وتصِحُّ روايةَ «المَوْهوبة»؛ أي: بعض الأشياء المَوهُوبةِ.
          2379- قوله: «فوَهلَ النَّاسُ في مَقالةِ رسولِ الله صلعم» [خ¦601] بفَتحِ الهاء وكَسرِها، قيل: فزِعُوا، ويقال: وَهِلت بالكَسرِ أوهَل إذا فزِعت، قيل: ويكون بالفَتحِ هنا أيضاً بمعنَى غلِطُوا، ومنه في الحديثِ الآخرِ: «لم يَكذِبْ ولكِنَّه وهَل»(2) بالفَتحِ؛ أي: ذهَب وهمُه إلى ذلكَ، كذا ضبَطْناه، وكذا قيَّدنَاه على ابن سراج في «الغريبين»، وحكاه صاحبُ «المصنف» بكَسرِ الهاء، وكذا قيَّدنَاه على أبي الحُسينِ هناك، وقال صاحبُ «الأفعال»: وهَلَ إلى الشيءِ وَهْلاً ذهَب وهمُه إليه، ووهِل وهَلاً جبُن، وأيضاً قلِق، وأيضاً نسِي، وفي الحَديثِ: «فذهَب وَهَلي إلى أنَّها اليَمامةُ [أو هَجَرُ]» [خ¦3622]؛ أي: ذهَب وَهمِي إلى ذلك، وهو الصَّحيحُ، وهذا يصحِّح كسر الماضي؛ لأنَّ مَصدَر فَعَل لا يأتي على فَعَل.
          2380- قوله: «إنِّي أَهِمُ في صَلاتِي»، كذا للجُمهورِ من الرُّواةِ، وعند القُلَيعيِّ: «أوهم»، وهما صحِيحَان بمعنًى، يقال: وهِم بالكَسرِ يوْهَم إذا غلِط، ووهَم بالفَتحِ يهِم إلى كذا ذهَب وهمُه إليه، وأوْهَمت الشَّيء ترَكته، قاله ثَعلبٌ، وأَوْهَمَ في صَلاتِه أسقَط منها شَيئاً، ومنه قوله: «حتَّى نقولَ قد أَوْهَمَ».
          2381- وفي صَدرِ مُسلمٍ في ذِكْر المُعنْعنِ وذَكَر أسانِيدَ: «واهِنَةً» كذا عند الطَّبريِّ بالنُّون، ولغَيرِه: بالياء، ومَعنَاهما مُتقاربٌ، والوهنُ الضَّعفُ، وفي الكتابِ العَزيزِ: {وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} [مريم:4]؛ أي: ضَعُفَ ورقَّ، / ومِثلُه الوَهيُ أيضاً، قال تعالى: {فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} [الحاقة:16]؛ أي: ضعِيفةٌ، ومِثلُه في «تَوهينِ الحديثِ»؛ أي: تَضعِيفِه.
          2382- قوله: «فرَمَيناهُ حتَّى وَهَصْناهُ»؛ أي: أثخَناه، وأصلُه السُّقوطُ، وقد رُوِي عن ابنِ الحذَّاء بالضَّادِ المُعجمةِ، والهضُّ الكَسرُ، وروَاه بعضُهم في غيرِ كتابِ مُسلمٍ: «رهَصْناه» بالرَّاء، ومَعنَاه حبَسنَاه، وأصلُه في داءٍ يأخُذ الدَّواب في حوَافرِها لا تَمشِي به إلَّا مع غَمزٍ وعثارٍ، والرَّهصُ نفسُه الغَمزُ والعِثارُ.


[1] في (س): (أبي) وهو تصحيف.
[2] أخرجه مسلم ░932▒ ومالك ░565▒ بفلظ: (ولكنه نسي).