مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الواو مع السين

          الوَاو مع السِّين /
          2364- قوله: «إذا وُسِّدَ الأمرُ إلى غَيرِ أَهلِه» [خ¦59]، كذا لكاَّفةِ الرُّواةِ؛ أي: أُسنِد، وجُعِل إلَيهم وقُلِّدُوه؛ يعني: الإمارةَ، وعند القابِسيِّ: «أُسِّدَ»، وقال: الَّذي أحفَظ «وسِّد»، قال: وفيه عِندَه إشكالٌ بين «وُسِّد» و«أُسِّد»، قال: وهما بمعنًى، قال القاضي: هو كما قال، وقد قالوا: وِسَاد وإسَاد، واشتِقاقُهما واحِدٌ، والوَاو هنا بعد الألف، ولعلَّها صُورَة الهَمزةِ، والوِسادُ ما يُتوسَّد عليه للنَّومِ، ويقال: إسَادٌ وإُِسادَة ووُِسادَة.
          وقوله: «إنَّ وِسادَكَ إذاً لَعَريضٌ» [خ¦4509]؛ أي: إنْ كُنتَ توسَّدت الخيط الأبيض والخيط الأسوَد فإنَّ وِساداً يكون هذان تحتَه _وهما اللَّيل والنَّهار_ لعرِيضٌ، قاله له على طريقِ التَّبكيتِ لما تأوَّلهما عِقَالَين.
          وقيل: بل أرَاد أن يُعرِّض له بالبَلادةِ وكنى بالوِسادَةِ عن القَفَا، كما قال في حَديثٍ آخر: «إنَّكَ لَعريضُ القَفَا» [خ¦4510]؛ أي: لسُوءِ تَأوِيلِه و بُعدِه عن الإصَابةِ للمَعنَى.
          وقيل: بل مَعنَاه إنَّك لغليظُ الرَّقبةِ لكَثرةِ أكلِكَ إلى بياض النَّهار.
          والأوَّل أَولَى، وإليه يرجِعُ: «إنَّك لعَرِيضُ(1) القَفَا»؛ لأنَّ وِسادَ المَرءِ على قَدرِ قفَاه فمن يتوسَّد اللَّيل والنَّهار يحتاج قَفاً من جِنْسِ ذلك، وقد ذكَرنَاه في حرفِ العين.
          وقيل: الوِسادَة هنا النَّومُ؛ أي: إنَّ نومَك كثِيرٌ، وقيل: اللَّيلُ، كأنَّه يقول: إنَّ مَن لا يعُدُّ النَّهار حتَّى يَتبيَّن له العِقلَانِ نام كثِيراً وطال نومه، وهما بعِيدَان في التَّأويلِ.
          وقوله: «صاحبُ الوِسَادِ والمِطْهَرَةِ» [خ¦4/16-266] يعني: عبدَ الله بنَ مَسعودٍ، كذا في البُخاريِّ من غيرِ خِلافٍ في «كتابِ الطَّهارةِ»، وفي روايةِ مالكِ بنِ إسماعيلَ [خ¦3742]، ويُروَى: «السِّواد أو السِّواك(2)» [خ¦3743] بكَسرِ السِّين، وكان ابنُ مَسعودٍ يَمشِي مع النَّبيِّ صلعم حيثُ تصرَّف، ويخدمُه ويحمِلُ مطهرَته وسِواكَه ونَعلَيه وما يحتاجُ إليه، فلعلَّه أيضاً كان يحمِلُ وِسادَةً إذا احتاج إليه، وأمَّا أبو عُمرَ فقال: إنَّه كان يُعرَف بصاحب السِّواد؛ أي: صاحب السِّرارِ لقَولِه له: «إذنك / عليَّ أن ترفَعَ الحِجابَ وتَسمعَ سِوَادِي».
          وقوله: «فاضْطجعتُ في عَرْضِ الوِسادَةِ» [خ¦183] هي هاهنا الفِراشُ(3).
          2365- قوله: «فقامَ وَسطَها» [خ¦332]، وفي الحَديثِ الآخرِ: «فوَجَدتُه وسط النَّاسِ» [خ¦5259] بإسكان السِّين عن أبي بَحرٍ وغَيرِه، وعن بَعضِهم بفَتحِها، قال الجَيَّانيُّ: وكذا ردَّه(4) عليَّ ابنُ صاحبِ الأحبَاسِ(5)، وقال ابنُ دُريدٍ: وسَط الدَّار ووسْطها سواء، وقال ثَعلبٌ: جلَس وسْط الدَّار والقَومِ، واحتَجَم وسَط قفَاه (6).
          [وحكَى ثَعلَب عن المُفضَّل أنَّ الوسْط بالإسْكانِ اسمٌ لما يُتبعَّض، كقَولكِ جلَستُ وسْط القَومِ؛ لأنَّ الجَمعَ يفتَرِق، وجلَست وسَط الدَّار بفَتحِ السِّين، هذا الذي حكاه صاعدٌ وعابَه، وكذلك عابَ قولَ ابنِ دُريدٍ، واختَار قولَ البَصريِّين أنَّ الوَسَط بالتَّحريكِ اسمُ المَكانِ، وبالاسكان ظَرفٌ، تقول ضَربتُ وسَطَه، ونزَلتُ في وسَط الدَّار، وزيدٌ وسَط الدَّار](7).
          قوله: «مِن سِطَةِ النِّساءِ» وقد تَقدَّم في السِّين، وسِطةُ كلِّ شيءٍ خِيارُه وأعدَلُه، ومنه: {أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة:143].
          و«الفِردَوسُ وسَطُ الجنَّةِ» [خ¦2790]؛ أي: أفضَلُها، ويكون أنَّه أوسَطها في المَساحةِ، ثمَّ هو مع ذلك أرفَعُها منازلَ، وأفضَلُها مراتبَ.
          و«الصَّلَاةُ الوُسْطَى» [خ¦2931] لأنَّها أفضَل الصَّلوات وأعظَمها أجراً، ولذلك خُصَّت بالمُحافَظةِ بعد إجمالها، أو لأنَّها وسطٌ بين صَلَاتي ليلٍ وصلَاتي نهارٍ على مَن جعَلَها الصُّبح أو العَصرَ، أو لأنَّها في وَسطِ النَّهار لمن جعَلَها الظُّهر، أو لأنَّها وسط ما بين اللَّيلِ والنَّهارِ على أنَّها الصُّبح، ولأنَّها خمس صلَوَات، فكلُّ واحدٍ منها وُسطَى وجاء في بَعضِ الرِّواياتِ: «صلاة الوسطى» [خ¦411] على إضافةِ الشَّيءِ إلى نَفسِه.
          وقوله: «العشر الوُسُط» بضمِّ الواو والسِّين، كذا روَاه الباجيُّ، جمع واسط كنازل ونزُل، وروَاه غيرُه بفتح السِّين وضمِّ الواو، جمع وُسطَى ككُبَر وكُبرَى، ويصِحُّ إسكان السِّين وضمُّ الواو، ككبِير وكُبْر، ويجوز فتحهما معاً، فيكون واحداً، ويكون جمعاً أيضاً لوسيط، وفي أكثَرِ الأحاديثِ: «الأوْسَط». [خ¦813]
          2366- و«الوَسِيلَة» [خ¦614] القُربُ من الله تعالى والمَنزِلةُ عندَه، وجاء في الحديثِ أنَّها: «درجةٌ في الجنَّةِ لا ينالُها إلَّا رجلٌ واحدٌ، وأرجو أنْ أكونَ أنا هو».
          2367- و«المِيسَمُ» [خ¦1502] حدِيدَةٌ تُوسَم بها الإبل، والسِّمةُ العَلامةُ، والوَسمُ الفِعلُ، ونَحوٌ منه الوَشمُ. /
          و«مَوسِمُ الحجِّ» مَعلَمٌ يُجتمَع إليه، وقد يقال: لأنَّ له سِمَة وعَلامَة، وهي رُؤيَة الهِلالِ الَّذي يُقتدَى به له.
          و«الوَسْمَة» [خ¦3748] شجَر يُختضَب به(8)، قال أبو حنيفةَ: هو العِظلِمُ والنِّيلَجُ أيضاً والتَّنُّومة، وقيل: هو الخطر أيضاً، وكلُّه يُخضَب به السَّواد، وقال البَكريُّ: هي الَّتي نُسمِّيها ببلادنا الحنَّاء، وضبَطَها بَعضُهم بكَسرِ السِّينِ.
          2368- و«الوَسَقُ» [خ¦1447] ستُّون صاعاً، وجَمعُه أوسَاق وأوسُق، وقال شمرٌ: كلُّ شيءٍ حملَته فقد وسَقْته، قال غيرُه: الوَسقُ الضَّمُّ والجَمعُ، والمُوسَّقةُ المَجمُوعةُ المَضمُومةُ أو المَحمُولةُ، قال ابنُ دُريدٍ: وسَقتُ البَعيرَ حمَلتُ علَيه وَسقاً، وقال بعضُهم: أوْسَقتُ، والأوَّل أَعلَى.
          وفي «باب المُزارَعةِ بالشَّطرِ»: «فمِنهُن من اختارَ الوَسْقَ» [خ¦2328] يعني: أزواجَ النَّبيِّ صلعم، وضبَطَه بعضُهم «الوُسْق».
          2369- قوله: «{وُسْعَهَا} [البقرة:286]»؛ أي: طاقَتها، وما يسَعه قُدرَتها وتَحتَمِلُه. وسعةُ رحمةِ الله فيضُها وكَثرَتُها.
          ومن أسْمائِه «الواسِعُ» ومَعنَاه الجَوادُ، وقيل: العَالمُ، وقيل: الغَنِيُّ.
          2370- قوله: «وما وَسوَسَتْ به أنفسُها» [خ¦2528]، وذكر: «{الْوَسْوَاسِ} [الناس:4]» [خ¦65-7378]، و«الوَسْوَسَةِ» هاهنا هو ما يُلقِيه الشَّيطانُ في القَلبِ، وهو الوَسوَاس أيضاً، والشَّيطانُ وَسوَاسٌ، وأصلُه الحرَكَة الخفِيَّة، ووسوَاسُ الحُلي صوتُ حرَكتِه.
          و«ما وسوَسَت به أنفسُها» حدَّثتها به وألقَته خواطِرُها إلَيها، بالرَّفعِ، وعند الأصِيليِّ بالنَّصبِ، وله وَجهٌ، يكون وسوست بمعنى: حدَّثت، ورجلٌ مُوَسوِسٌ إذا غلَب عليه ذلك بكَسرِ الواو، ولا يقال بفَتحِها(9).


[1] وقع في الأصول (لغليظ)، وصوَّبناه من أصول «المشارق».
[2] في (ن): (ويروى الوسادة أو السواك)، وفي (س): (ويروى الوساد والسَّواد)، وفي (غ): (الوسادة والسواك)، وكل ذلك تحريف، وعبارة «المشارق»: (ويُروَى: «الوِسادَة»، وفي حَديثِ سُليمانَ بنِ حَربٍ: «صاحبُ السِّوادِ أو السِّواكِ»).
[3] تابع المؤلف القاضي عياض في تفسير الوسادة بالفراش، وقال النووي: هي الوسادة المعروفة التي تكون تحت الرؤوس. وقال بعد أن نقل تفسير القاضي: وهذا ضعيف أو باطل. انتهى قال ابن حجر: وهو كما قال.
[4] في (ن): (رواه)، وفي (س) غير واضح.
[5] عيسى بن محمد بن عيسى أبو بكر، روى عن المهلَّب بن أبي صفرة وأبي عمران الفاسي، قال القاضي: أخذ عنه جماعَة من شيُوخِنا، توفي سنة 470هـ. انظر: «ترتيب المدارك» 2/80، «الصلة»: 2/437.
[6] في (ن) زيادة: ( وقوله: مِن سِطَةِ النِّساءِ، قد تَقدَّم في السِّينِ). انتهى، قلت: وستأتي بشرحها.
[7] ما بين معقوفين زيادة من (ن).
[8] في هامش: (ن) حاشية: (هو شجر النيل).
[9] في هامش (س) حاشية منقولة من خط ابن الصلاح حاصلها أنه يقال بالفتح أيضاً.