مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الواو والتاء

          الوَاو والتَّاء
          2276- قوله: «إنَّ الله وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ» [خ¦6410] الوترُ الفردُ، والبَاري سُبحانه وتعالى واحدٌ في ذَاتِه لا يقبَلُ الانقسامَ والتَّجزئةَ، واحدٌ في صِفاتِه لا شِبْه له ولا مَثِيل، وواحدٌ في أفعَالِه لا شريكَ له في ملكِه، ولا معينَ له، ولا فاعلَ له معه.
          و«يحِبُّ الوِتْرَ»؛ أي: يثِيبُ عليه ويقبَله من عاملِه، ولذلك شرَعَه وحَدَّه فيما شرعه من عبادَاتِه، وأهلُ الحجازِ يفتَحُون واوه في العَددِ، ويكسرُونها في الذَّحْلِ(1)، وتميمٌ وقيسٌ وبكرٌ يكسرُونها.
          قوله: «إذا استَجْمرتَ فأَوتِرْ»؛ أي: ليجعل عدَد ذلك وِتراً، ومنه: «صلاةُ الوِترِ» إمَّا واحدةً مفردةً على مَذهبِ أهلِ الحجازِ، أو ثلاثاً على مَذهبِ أهلِ العراقِ، وكلُّ ذلك فردٌ في العَددِ.
          وقوله: «كأَنَّما وُتِرَ أَهلَه ومالَه» [خ¦552]؛ أي: نقص، يقال: وترتُه أَتِرُه إذا نَقصْتُه، وقيل: أصابَه ما يصِيبُ المَوتُورَ، وقال مالكٌ: معناه ذُهِب بهم، وقيل: أُصِيب بهم إصابةً يطلبُ بها وتراً فيجتَمِع عليه غمَّان: غمُّ المُصيبةِ، وغمُّ الطَّلبِ ومقاسَاته.
          و نُصِب «أهلَه» و«مالَه» على المَفعولِ الثَّاني، وعلى مَن فسَّره بـــ«ذهب» يصِحُّ رفعها على ما لم يُسمَّ فاعله.
          وفسَّره مالكٌ من رِوايَة ابنِ حَبيبٍ: انتزع منه أهله وماله فذُهِب بهم، وهو أبيَن في الرَّفعِ، وإلَّا فـــ«ذهب» يتعدَّى بحَرفٍ فإذا سقَط انتَصَب المَفعُول.
          وقوله: «فإنَّ الله لن يَتِرَكَ من عملِك شيئاً» [خ¦1452]؛ أي: لن ينقِصَك، وقيل: لن يظلِمَك، وترَه ظلَمَه، ومنه: {وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [محمد:35].
          قوله: «قلِّدوا الخيلَ ولا تُقَلِّدوهَا الأَوْتارَ» يعني: الذَّحُولَ(2)؛ أي: لا تطلبُوها عليها كما كانت الجاهلِيَّة تفعَلُه، وقيل: لا تقلِّدُوها أوتار القسيِّ فتَختنِق بها مهما(3) رعَت فعلقت ببعضِ الشَّجرِ، وهذا تأويلُ محمَّد بنِ الحسَنِ، وقيل: مَعنَاه دفعاً للعَينِ(4)، وهو تأويلُ مالكٍ في قَولِه: «لا يَبقَيَنَّ في رَقبةِ بَعيرٍ قِلادةٌ من وَتَرٍ إلَّا قُطِعتْ». [خ¦3005] /
          وقول مالكٍ: «وأحَبُّ إليَّ أن يُواتَر» يعني: قضاءَ رمَضان؛ أي: يواليَ ويُتابعَ، قال الأصمعيُّ: لا تكون المُواترَة مُواصلةً حتَّى يكون بينهما شيءٌولهذا ذهَب بعضُهم أنَّ معنَى قولِ ابنِ مَسعودٍ: «يواتر قَضاء رمضان»؛ أي: يصُومَ يوماً ويفطرَ يوماً أو يومَين، واحتَج أيضاً بقَولِه في حَديثٍ آخرَ: «لا بأسَ أن يُواتَر قضاءُ رمضانَ» أنَّه أراد تَفرِيقه، إذ لا يُختَلَفُ في جَوازِه مُتتابِعاً.
          قال القاضي: أمَّا ما قالَه الأصمعيُّ في المُواتَرة أنَّها لا تكون مُواصَلةً حتَّى يكون بينهما شيءٌ من تَفريقٍ فصحِيحٌ، لكن هذا مَوجُود في مُتابَعة الصِّيام ومُواتَرته على ما قالَه مالكٌ وغيرٌه؛ لأنَّ فطرَ اللَّيلِ فرَّق بين صَومِ اليَومَين، ولا يُقال لمن واصَل ولم يُفطِر: واتَر، ومنه قولهم: جاءَت الخيلُ تَترَى إذا جاءَت مُتقطِّعةً، قال تعالى: {ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا} [المؤمنون:44]؛ أي: شيئاً بعد شيءٍ، مُتقارِبة الأوْقاتِ.


[1] أي في الثأر والحقد والعداوة.
[2] في هامش (س): (الذَّحولُ جمع ذَحل، وهو الحِقدُ والعَداوةُ. كتبَه محمد بن الموصلي عفا الله تعالى عنه).
[3] «مهما» هنا بمعنى «إذا»، وانظر كلام الشيخ عبد الفتاح أبو غدة قي تحقيقه لـــ«ثلاث رسائل في علم مصطلح الحديث» ص141.
[4] في (ن): (قيل: معناه للعين).