مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الباء مع الدال

          البَاء مع الدَّال
          133- في البُخاريِّ: «كيف كان بَدْءُ الوَحيِ» [خ¦1] رَوَيناه بالهَمزةِ من الابتِدَاء، ورواه بعضُهم غير مَهمُوز من الظُّهور، قال أبو مروان: والهَمزُ أحسَن؛ لأنَّه يجمَع المَعنيَين، وأحاديثُ البابِ تدُلُّ عليه؛ لأنَّه بيَّن فيه كيف يأتيه الملَك ويظهَر له، وفيه كيف كان ابتداء أمرِه، وأوَّل ما ابتدأ به منه، وكان غيرُه يقول: إن الظُّهورَ فيه أحسَن؛ لأنَّه أعمُّ.
          قوله: «بات رسُولُ الله صلعم بذي الحُلَيفَةِ مبدأَه» بفَتحِ الميمِ وبضَمِّها؛ أي: ابتِداء خرُوجِه وشرُوعِه في سَفرِه.
          وقوله صلعم: «وعُدتُم من حيثُ بدَأتُم»؛ أي: عُدتُم إلى سابق عِلْم الله تعالى فيكم من أنَّكم تُسلِمُون.
          و«المُبدِئُ المُعيدُ» من أسماء الله تعالى؛ لأنَّه ابتَدَأ خلقَ المَخلُوقاتِ، وهو يعيدُها بعد فنَائِها، يقال منه: بدَأ وأبْدَأ.
          وقوله في حَديثِ الخضِر: «فانطَلقَ إلى أحَدِهم بادِيَ الرَّأيِ» إنْ هَمزْتَه كان معناه: ابتِدَاء الرَّأي وأوَّلُه دون استِحْكامه وتروِيَتِه، ومن لم يُهمِزْه كان معناه في ظاهرِ الرَّأيِ، وما يَبدُو منه، ومثل هذا قيل في قَولِه تعالى: {بَادِيَ الرَّأْيِ} [هود:27] والبَدء مقصور وممدُود، ظهُورُ رأي بعدَ آخر.
          134- قول عائشَةَ ♦ [في السِّواك] : «فأبدَّه... بَصرَه» [خ¦4438]؛ أي: أمدَّه، قاله الحربيُّ، قال القُتَبِيُّ: معنى أبدَّ مدَّ، وقيل: طوَّل.
          وقولها: _يعني سَودَة_ «فكِدتُ أنْ أُبادِيَه» [خ¦5268] بالباء؛ أي: أسابقَه الكَلام وأبتَدِئَه، مثل أبادِرُه، [بالباء رِوايَة الكافَّةِ، وبالنُّون رِوايةُ النَّسفيِّ وأبي الهيثَمِ]، وليس من النِّداء.
          وقوله: «يُبدُّونَ أَعمالَهم»، كذا ضبَطْناه في «الموطَّأ» بتَشديدِ الدَّال وضمِّها، وأصلُها كسر الدَّال، والهَمزةُ بعدَها مَضمُومة، وكذا في بَعضِ الرِّوايات؛ لأنَّه من التَّبدِئة، لكنه سُهل ونُقلت ضمَّة الهَمزةِ إلى ما قبله.
          قال أبو الفضل ☼: / وقد يصِحُّ أن يكون من الإبداء(1) للشَّيءِ وهو إظهارُه؛ أي: يظهرون ذلك ويشهرونه.
          قال ابنُ قُرقول ☼: وهذا ضعيفٌ، نعَم ويوجب أن تكون الرِّواية بضمِّ الياء وإسكان الباء وضمِّ الدَّال.
          وقوله: «استَبْدَدْتَ علينا» [خ¦4240]؛ أي: انفرَدتَ بالأمرِ دُونَنا، واختصَصْتَ به.
          قوله: «وبدَّد بين أصابعِه» [خ¦4800]؛ أي: فرَّق.
          وقوله: «لا بُدَّ» [خ¦695]؛ أي: لا انفِكاكَ ولا فراق دونه؛ أي: هو لازم.
          135- وقوله: «ترجُفُ بَوادِرُه» [خ¦4953] جمع بادِرَة، وهي اللَّحمةُ بين المَنكبِ والعُنُق.
          وفي الحَديثِ الآخَرِ: «فُؤادُه» [خ¦3]، وكذا للقابِسيِّ في التَّفسيرِ، ولغَيرِه: «بوادره».
          قوله تعالى: «بادَرَني عَبدِي» [خ¦3463]، وقولُ عائشَةَ ♦: «وبدَرَتني بالكَلامِ»، وقوله صلعم: «وتبدُرُ يمينُ أحدِهم شهادتَه»، وقولُه صلعم:«فإن عجِلَتْ منه بادرةٌ _يعني البُصاق في المَسجدِ_ فليقُلْ بثَوبِه كذا» كلُّه بمعنَى المُسابقَة.
          قوله صلعم: «وتبدُرُ الطَّرفَ نباتُة» [خ¦2348]؛ أي: يسبِقُ رجع العينِ، وصرف نظرها، أو حركة حسِّها، [على ما يأتي في بابها].
          136- وقوله: «فلمَّا بَدُن».
          ورُوِي: «بَدَّن» وأنكَر ابنُ دُرَيد وغيرُ واحدٍ ضمَّ الدَّال؛ لأنَّ معناه عظُم بدنه وكثُر لحمه، قالوا: ولم تكن هذه صِفته صلعم، قالوا والصَّواب: بَدَّن؛ أي: أسَنَّ أو ثَقُل من السِّنِّ.
          وفي حديثِ عائشَةَ ♦ ما يصحِّحُ الرِّوايتَين، وذلك قولها: «فلمَّا أسنَّ وأخذ اللَّحم» فجمَعت بين السِّنِّ وأخذ اللَّحمِ.
          ورُوِي عنها: «فلمَّا كَبِر»، و«حتَّى إذا كبِرَ». [خ¦1148]
          وفي حَديثٍ آخر: «وكان مُعتَدل الخلْق، وبَدَّن آخر زَمانِه صلعم»، وفي وَصفِ عليٍّ إيَّاه صلعم: «بادنٌ مُتماسك»؛ أي: عظِيمُ البَدنِ مُشتدُّهُ، غيرُ مُترهلِ اللَّحمِ، ولا خَوَّار البنْيةِ.
          وقول عبدِ الله بنِ أرْقَم في «المُوطَّأ»: «أرأيْتَ رَجُلاً بَادِناً»؛ أي: عظِيم البَدنِ، ومن روَاه بالياء بدَلاً من النُّون فقد صحَّفه، وكأنَّه أراد من أهل البادِيَة.
          وفيها ذكر «البَدنَة» [خ¦881]، و«البُدْن» [خ¦1568]، وهذا الاسمُ يختَصُّ بالإبلِ؛ لعظم أجسامها.
          137- وقوله: «أُبْدِعَ بي» بضمِّ الهَمزةِ، قال بعضُهم: هكذا استُعمِلت هذه اللَّفظَة فيمن وقَفَت به دابته وأعيت كلالاً.
          ورواه العُذريُّ: «بُدِّع / بي»بغير همزٍ وبشَدِّ الدَّالِ، والمَعرُوف «أُبْدِعَ»، وأُبدِعَت الرِّكاب كلَّت وعَطِبت أيضاً، وقيل: لا يكون الإبداعُ إلَّا مع ظَلْع(2)، وأُبدِعَت به راحلتُه.
          وفي الحَديثِ: «كيفَ أصنَعُ بما أُبْدعَ عليَّ منها» بضَمِّ الهَمزةِ.
          وفي الحَديثِ الآخَر: «بشأنِها إنْ هي أُبدِعَتْ»، كذا بضمِّ الهَمزةِ أيضاً، وكان في أصل محمَّدِ بنِ عيسَى.
          ورِوايَة ابنِ الحذَّاءِ: «أَبْدعت» بفَتحِ الهَمزةِ، والمَعرُوف ما تقدَّم.
          وقول عمرَ ☺: «نِعمَتِ البِدعةُ هذه» [خ¦2010] كلُّ ما أُحْدِث بعد النَّبيِّ صلعم فهو بِدعَة؛ لأنَّ البِدعَة فِعلُ ما لم يُسبق إليه، فما وافَق أصولَ السُّنَّةِ بقياس عليها فهو محمُودٌ، وما خالَف أصولَ السُّننِ فهو ضَلالةٌ، ومنه قوله: «كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ».
          138- قوله: «أَذِنِ لي في البَدوِ» [خ¦7087]، و«أتى رجُلٌ مِن أهْلِ البَدْوِ» [خ¦1029]، وذكر «البَادِيَة» [خ¦131] كلُّه غير مَهمُوز؛ لأنَّه من: بدا الرَّجل يبدُو بدواً إذا خرَج إلى البادِيَة فنزَلَها، والاسمُ «البداوَةُ» بفتح الباء وكسرها، هذا هو المَشهُور، وقد حُكِي بدَأ بالهَمزِ يبدأ، وهو قليلٌ.
          139- وقوله: «ثمَّ يَدعُو بما بدا له»؛ أي: بما ظهَر له، ومِثلُه قول عثمانَ ☺: «بدا لي أن لا أتزوَّجَ» [خ¦4005]؛ أي: ظهَر لي، «ثمَّ بدا لإبراهيمَ ◙ أن يزورَ تركته» [خ¦3365]؛ أي: ظهَر له رأي في ذلك، «ثمَّ بدا لأبي بكرٍ فابتَنى مَسجِداً». [خ¦2297]


[1] في (ب) و(ط): (الابتداء)، وفي (ن): (بداء).
[2] الظَلْع: الضَّعف.