مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الباء مع الياء

          البَاء مع اليَاء
          216- [قوله: «أبَينَا» قد تقدَّم في الهَمزةِ].
          217- قوله صلعم: «ما بين بَيتِي ومِنبَرِي» [خ¦1195] قيل: المُرادُ به القبرُ، كما جاء في الحَديثِ الآخَر: «ما بين قَبرِي ومِنبَرِي»، والبيتُ يأتي في اللُّغة بمعنى القَبرِ، وكذلك قوله في الإذْخر: «فإنَّه لبيُوتِنا» [خ¦1834]، قيل معناه: «لقبُورِنا» [خ¦1349] كما جاء في حَديثٍ آخر مُفسَّراً، وقد جاء ما يدُلُّ على أنَّه بيت السُكنى فقد رُوِي: «فإنَّه لظَهرِ البَيتِ والقَبرِ»، وفي أُخرَى: «فإنَّه لبيُوتِنا وقبُورِنا» [خ¦112]، وقد يكون البيتُ في الحَديثِ الأوَّلِ بيت السُّكنَى، فإنَّه صلعم في بيت سكناه وحيث مات منه كان قبره، فاجتَمَع المَعنَيان في البيتِ، قال الدَّاوُديُّ: كانوا يخلِطُونه بالطِّين كما يُخلَط التِّبن فيملسُون به بيُوتَهم.
          وقوله في أهل الدَّارِ يُبيَّتُون قوله: «وإنَّا نُصِيبُ في البَيَات / من ذَرارِيِّ المُشركِين» هو أن يُوقِع بهم ليلاً، [وهو المُرادُ بالبَياتِ]، ومنه: {لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ} [النمل:49[وقال: {بَأْسُنَا بَيَاتاً} [الأعراف:97] ].
          قوله: «فَيُصبِحُ مع قُريشٍ كبائِتٍ» [خ¦3905]؛ أي: كمثَلِ بائت معَهُم؛ أي: لم يغِبْ عنهُم.
          وقولُه: «فباتُوا يَفعَلُونَ كذا» [خ¦555] [وما تكرَّرمن ذلك من الأحاديثِ فهو كلُّه] كِنايَة عمَّا يُصنَع في اللَّيلِ، وعَكسُه ظَللت في فِعْل النَّهارِ.
          قوله: «لبيتٌ بِرُكْبَةَ» قيل: أراد به المَسكَن لصِحَّة بلاد الحِجاز ووباء الشَّامِ، و«رُكبَة» من بِلادِ الطَّائفِ، وقيل: أراد بالبَيتِ هاهنا أهله من العَربِ، قال بعضُ اللُّغويِّين: البيتة من العَربِ الذي يجمَع شرف القَبيلةِ وهو بيتُها أيضاً.
          218- وقوله: «أُبِيحَت خَضْراءُ قُريشٍ»؛ أي: انتُهِبت وتمَّ هلاكُها، والإباحة كالنُّهبَى وما لا يردُّ عنه مُريدُه، ومنه: مباح الشَّرعِ ما لم يمنَع منه مانعُ شرعٍ وتَرَكَه لمن أراد فِعلَه أو تركَه، و«خضرَاؤهم»: سوادهم وجماعتهم.
          219- قوله صلعم: «بَيْدَ أَنَّهم» [خ¦876]؛ أي: غير، وقيل: إلا، وقيل: على، وقد تأتي بمعنى من أجل، ومنه قوله صلعم: «بيد أنِّي من قريش»(1)، وقد قيل ذلك في الحَديثِ الأوَّل وهو بعِيدٌ، وتقدَّم في الهَمزةِ، وفي بَيدَ لُغَة أُخرَى مَيدَ بالميمِ.
          و«البَيداء» [خ¦334] المَفازةَ والقَفرُ، وكلُّ صحراء فهو بيداءٌ، وجمعها بِيدٌ، وهي من باد الشيءُ يَبيد كأنَّها تبِيدُ سالِكَها، ومنه قوله: «أبِيدَت خَضرَاء قُريش»؛ أي: أُهلِكَت، والبَيْدَر لأهلِ اليَمنِ كالأندر للطَّعام، يجمَع فيها التَّمر إذا جُذَّ، ويُسمَّى الجُوخان والجَرِيْن.
          وقوله: «بَيدِرْ تمرك» [خ¦2781]؛ أي: اجعل لكُلِّ صِنفٍ منه بيدراً على حِدَةٍ.
          220- قوله: «إنَّ من البَيانِ لَسِحراً» [خ¦5767] فيه وجهَان، قيل: مَقصَده الذَّمُّ؛ لأنَّه يصرِفُ الحقَّ إلى صُورةِ الباطلِ والباطلَ إلى صُورةِ الحقِّ كالسِّحرِ الذي يقلب الأعيان، وسياقُ الحديثِ وسبَبُه يشهَد لهذا، وقيل: بل هو مدحٌ وثناءٌ عليه، وشبَّهه بالسِّحر لصرف القلُوبِ به، ومنه قالوا: السِّحرُ الحلالُ، والبيان الفَهمُ وذكاءُ القَلبِ مع اللَّسَن، والبيانُ أيضاً الظُّهور، ومنه: / بان لي كذا؛ أي: ظهَر وتبيَّن بيناً وبياناً.
          وقوله: «فأبِنِ القَدَحَ»؛ أي: أبعِدْه، من بان عنه إذا فارَقه أو بعُد منه، والبينُ أيضاً الوصلُ، ومنه قوله تعالى: {لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ} [الأنعام:94].
          وقوله: «بينا أنا» [خ¦4]، و«بينما أنا» [خ¦1821] هو من البين الذي هو الوَصْل؛ أي: أنا مُتصِل بفِعْل كذا، والتَّبيُّن التَّثبُّت، وقُرِئ: {فتَثَبَّتُوا} [الحجرات:6](2).
          و«الطَّويلُ البائنُ» [خ¦3548] المُفرِطُ طولاً الذي بان عن قدُود الطِّوال وبعُد عن شَبَهِهم [وفارَقَهم، وقد يكون من الظُّهور؛ أي: الذي ظهَرشذُوذ طُولِه عليهم].
          221- قوله: «بيضاء نقِيَّة»، و«ارتفعت وابياضَّت» [خ¦595]؛ أي: صفت، ابيضَّ وابياضَّ وابيأضَّ بالهَمزةِ، وكذلك في الحُمرةِ والصُّفرةِ وغيرِهِما، وقد جاء في البيُوعِ: «ما تَزهُو؟ قال: يحمارُّ ويصفارُّ» [خ¦2197]، وقد قيل: لا يقال ذلك إلَّا في لون بين لونَين كالصُّهبة والرُّبدة والشَّهبة، يقال: اشهابَّ واربادَّ، وأمَّا الخالصُ فإنَّما يقال فيه افعلَّ اسودَّ وابيضَّ واحمرَّ إذا أرَدْت استِقْراره وتمكُّنه، فإن أردت تغيُّره واستحالتَه قلت: افعالَّ.
          قوله: «يَسْتَبِيح بيضَتَهم»؛ أي: جماعَتهم وأصلَهم، وأصلُه من بَيضةِ الطَّائرِ؛ لأنَّها أصلُه، والبَيضةُ أيضاً العِزُّ، والبَيضةُ أيضاً المُلكُ.
          قوله: «يسرقُ البيضةَ فتُقطعُ يدُه» [خ¦6783] قيل: هي بيضة الطَّائر المَعرُوفة، وهو مَذهَب من يَقطَع في كلِّ مَسروقٍ، وقيل: بل هو مَثلٌ وإخبار عن حال من اعتاد السَّرقة ولو للشَّيء التَّافه، فإنَّ ذلك يجرُّه إلى سِرقَة ما له بال، وقيل: المُرادُ بيضَةُ الحديدِ التي لها بال وقدرٌ.
          قوله صلعم: «وأُعطيت الكَنْزَين الأبيضَ والأحمرَ» قيل: الفِضَّة والذَّهب، وقيل: مُلك كِسرَى وقَيصرَ، لقَولِه: «لتُنفَقَنَّ كنوزُهما في سبيلِ الله» [خ¦3120]، و«لَتفتَحَنَّ عصابةٌ من المُسلِمينَ كنزَ كِسرَى الأبيضَ»، ولقَولِه: «إنِّي لأرى قصرَ المَدائنِ الأبيضِ»، وفي الشَّام: «قصورها الحُمر» وذكَر الحَديثَ.
          وفي حديثِ سَعدٍ: «البَيضاء بالسُّلت» جاء في حديثِ سُفيانَ أنَّها: الشَّعير، وقال الدَّاوديُّ: هو الأبيضُ من القَمحِ، وقال الخَطَّابيُّ: هي الرَّطب من السَّلت، كرِهَه من باب الرَّطب باليابسِ من جِنْسه، ويدُلُّ على صِحَّة قول الدَّاوديِّ قول مالكٍ في «المُوطَّأ»: «الحنطةُ كلُّها البيضاءُ والسَّمراءُ والشَّعيرُ فجَعلَها غير الشَّعير وهي المَحمُولة وهي / حِنطَةُ الحِجازِ.
          قوله: «حتَّى يبيضَّ ما بينها وبين النَّاس من الأرض» قال مالكٌ: معناه تظهَر الأرض بذَهابِ النَّاسِ من المَوقفِ، وبِضِدِّه السَّواد للمَكانِ المَعمُور، ومنه: سَواد العِراقِ.
          وقوله: «رأى رجلاً مُبَيِّضاً» بفتح الباء وكَسرِ الياء؛ أي: لاَبسَ بياضٍ، وقال ثعلبٌ: هم المبيَّضة والمُسوَّدة، وقد رُوي: «مُبْيَضَّاً»، وهو أوجَه؛ لأنَّه قصد إلى صِفَته.
          222- قوله: «ولا على صَاحبِ بَيعةٍ» بفتحِ الباء للكافَّة، وقيَّده الجَيَّانيُّ وابنُ عتَّابٍ بكَسرِها، قال الجَيَّانيُّ: هي حالة من البَيعِ كالرِّكبة والقِعدة، وبعدَه: «ولا تَقِف على البُيَّع» جمع بائع، كذا قال القاضي ☼.
          في حَديثِ هِبَة عمرَ ☺: «فابتاعَه أو فأضَاعَه الذي كان عندَه» [خ¦3003]، كذا في الجِهَاد، وابتاع هاهنا بمعنى باع، أو أراد ذلك، كما قال في الحَديثِ الآخَر: «فأرادَ أنْ يبتاعَه». [خ¦2971]
          وفي الحديثِ: «كان يُصَلِّي في البِيعَة» [خ¦8/54-716] هي كَنِيسةُ أهلِ الكِتاب، وقيل: البِيعةُ لليهود، والكَنِيسةُ للنَّصارى، والصَّلوات للصَّابئين، كما المَساجدُ للمُسلِمينَ.
          قوله: «كلُّ النَّاسِ يغدو فبائعٌ نفسَه» «بائع» هنا بمعنى مُشترٍ؛ أي: يَشتَرِي نَفسَه من ربِّه ╡ فيعتقها، ومن باعها أهلَكَها، ويحتَمِل أن يريد من باعها من الله تعالى أعتَقَها، ومن باعها من غَيرِه أوبَقَها.
          قوله صلعم: «لا يبيعُ بعضُكم على بيعِ بعضٍ» [خ¦2150]، كذا يأتي في كَثيرٍ من الأحاديثِ على لفظِ الخَبرِ، وقد أتى بلَفظِ النَّهيِ، وكِلاهُما صَحيحٌ، والبيعُ هاهنا السَّومُ، وذلك إذا ركنا، وقد جاء: «لا يَسُمْ بعضُكم على سومِ بعضٍ» والمراد بـ«يبيع» هاهنا عند أكثَرِهم يشتري؛ أي: يسُم ليشتري، فسُمِّي السَّوم شِراء وبَيعاً، وقد قيل: باع إذا اشتَرى، ويحتَمِل أن يكون ذلك في البائع إذا رَكن إليه المُشتَري فيعرض عليه هو سِلعته، ويقول: أنا أبيعُكَها بدون ثمن تلك، ومعنى النَّهي واحِدٌ.
          وقوله: «البَيِّعان بالخيارِ ما لم يتفرَّقا» [خ¦2079] سَمَّى البائعَ والمُشتريَ بيِّعَينِ.
          قول حُذيفَةَ ☺: «أيَّكُم بايعتُ، فأمَّا الآن فلا أبايعُ إلَّا فلاناً / وفلاناً» [خ¦6497] قال أبو عُبيدٍ: هو من البَيعِ والشِّراء لقِلَّة الأمانةِ.
          وقوله في الأرضِ: «لا تَبيعُوها»؛ أي: لا تُؤاجِرُوها مثل نَهيِه صلعم عن كَري المَزارعِ، ومنه الحديث: «نهَى رسولُ الله صلعم عن بَيعِ الأرضِ» يعني عن كرائها.
          قوله: «فُوا بِبَيْعَةِ الأوَّل» [خ¦3455] يعني في مُبايَعة الأُمَراء، وأصلُه من البَيعِ؛ لأنَّهم كانوا إذا بايَعُوه وعقَدوا عهده حلَفوا له وجعَلوا أيديهم في يَدِه تَوكِيداً كالبائعِ والمُشترِي.


[1] تقدَّم في الهَمزةِ أن هذا الحديث لا أصلَ له.
[2] وهي قراءة حمزة والكسائي، وقراءة عاصم {فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]، انظر: «السبعة في القراءات»، ص: 236.