مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الباء مع الواو

          البَاء مع الوَاو
          210- «فَلْيتبَوَّأْ مَقعَدَه من النَّار» [خ¦108]؛ أي: يَنزِل منزلَه منها ويتَّخِذْه، قيل: هذا على طريقِ الدُّعاء عليه؛ أي: بوَّأه الله ذلك وخرَج مخرَج الأمرِ، وقيل: بل هو على الخبَرِ وأنَّه استحَق ذلك واستَوْجَبه.
          وقوله: «فقد باءَ بها أحدُهما» [خ¦6104]، {تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} [المائدة:29]، قيل: تَرجِع به لازِماً لك، وقيل: تَحمِله / كُرهاً وتُلزَمه، وأصلُه من الرُّجوعِ به، ومنه: {فَبَآؤُواْ بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} [البقرة:90].
          وقوله: «فباءَت على نَفسِها» [خ¦4757]، و«إليك أبوءُ بذَنْبي» [خ¦6306] معنى ذلك كلِّه أعتَرِف طَوعاً، وكأنَّه من الأصلِ المُقدَّم في الرُّجوع؛ أي: رجَعتُ إلى الإقرار بعد الإنكار أو السُّكوت، أو يكون من اللُّزومِ؛ أي: ألزم، وألْزَمت ذلك نَفسَها وتحمَّلاه، قال الخَطَّابيُّ: باء فلان بذَنبِه؛ إذا احتَمَله كُرهاً ولم يَستَطِع دَفعَه.
          211- قوله في المُواعَدة في العِدَّة: «يُعَرِّضُ ولا يَبُوحُ» [خ¦5124]؛ أي: لا يصرِّحُ ويُظهِر غرَضه.
          وعند الجُرجانيِّ: «ولا يَتزوَّج»، وهو تصحِيفٌ من «يبُوحُ».
          وقوله: «إلا أن يكون كُفراً بَواحاً»؛ أي: ظاهراً.
          212- وقوله صلعم: «كذَّابٌ ومُبيرٌ»؛ أي: مُهلِك.
          213- قوله: «لا يبالي الله بهم بالةً» [خ¦6434] يقال: ما أُبالِيه بالَةً وبَالاً وبِلًى مقصُور مكسُورُ الأولِ مَصدَر، وقيل: اسمٌ؛ أي: ما أكتَرِث به، ولم أُبَلْ بالأمر ولم أباله.
          و«لا يلقي لها بالاً» [خ¦6478]، و«ما كنتُ لأباليها» [خ¦5747]، و«ما بالَيتُ» [خ¦8/102-616]، فمَن قال: لم أُبَلْ حذَف على غير قياسٍ؛ لأنَّ اللَّام مُتحرِّكة، وأدخَلَه صاحبُ «العين» في باب المُعتَل بالواو، قال سِيبُويه في بالةٍ: كأنَّها بالِيَة كعافِيَةٍ، فحُذِفت الياء ونُقِلت حركتها إلى اللَّام.
          والبالُ الاكتِراثُ والاهتِمامُ بالشَّيءِ، والبالُ أيضاً الحالُ، ومنه: «وما بال النَّاسِ» [خ¦3142]؛ أي: حالُهم، وفلان رَخِيُّ البال؛ أي: الحالِ، وقيل: المَعيشة؛ أي: حَسَنُها، ومنه: ناعمُ البال، وكلُّه راجعٌ إلى الحال، ومنه: {وَيُصْلِحُ بَالَهُمْ} [محمد:5]وقوله: «ما بال هذه» [خ¦2105]؛ أي: ما حالُها وشأنُها.
          والبالُ أيضاً الفِكرُ، ومنه: قام ببالي كذا؛ أي: بفِكْري، وقيل: الهمُّ.
          وقوله: «بال الشَّيطانُ في أذنَيه» [خ¦1144] ذكَر الطَّحاويُّ أنَّه استِعارَة عبَّر به عن طوعِه له، وعن فِعْل أقبَح ما يُفعَل بالنُّوَّام، ومن يُذَلَّ ويُقهَر، وقال الحربيُّ: «بالَ» هاهنا ظهَر عليه وسَخِر منه، وقال القُتَبيُّ: معناه أفسَدَه، وقال غيرُه: يقال لمن استَخَف بإنسانٍ وخدَعَه: بال في أذنيه، ومنه قوله تعالى: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ} [المجادلة:19].
          وقيل: يجوز أن يكون معناه أخذ بسَمعِه عن سماعِ ندَاءِ المَلِك: «هل من داعٍ...» الحديثَ، وشُغلِه له بوَسوَستِه وتَزيِينِه النَّوم، فهو كالبَولِ في أُذنَيه؛ لأنَّه نجِسٌ خبِيثٌ مُخبِثٌ، / وأفعاله كذلك.
          قال القاضي أبو الفضل ⌂: ومِثلُه قولهم: تفَل فلانٌ في أذُن فُلانٍ ونفَث فيه؛ إذا ناجاه، ولا يبعد أن يكون حقِيقَة، ويقصِد الشَّيطان بذلك إذْلاله وتمام طاعَتِه وتأَتِّي ما يريد منه لمَّا أطاعه أوَّل أمرِه له بترك الصَّلاة والفِعْل لما أراد مكَّنه الله تعالى منه، ولم يَمنعْه مانِعٌ من البَولِ في أذُنُه حتَّى استَغرَق في نَومِه، وبلَغ منه تمام مُرادِه.
          وقد يكون بوله في أذنه كِنايَة عن ضَربِ النَّومِ عليه، واستَعار ذلك له، وخصَّه بالأذُن؛ لأنَّها حاسَّة الانتِباه، وسماع ما يكون من أصوات الدُّعاة إلى الخَيرِ، كما قال: {فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ} [الكهف:11] فخصَّ الأُذن بالضَّربِ.
          214- قوله في تَطبيقِ النَّاس في العَدالةِ: «بَون ما بَينَهما»؛ أي: بُعدُه واختِلافُه، وفَرْق ما بينهما، والبَونُ البُعدُ، والبَونُ مَسافَة ما بين الشَّيئَين، والبَونُ الاختِلافُ بين الشَّيئَين، وحكى بعضُهم في البُعد البُون بالضَّمِّ، وأنشَدَ(1) :
................                     إلى غَمرةٍ لا يَنظُر القوم بُونها
          215- قوله: «تقرَّبتُ منه باعاً». [خ¦7537]
          وفي رواية: «أو بُوعاً» [خ¦7537]، والبُوعُ والبَوعُ والباعُ طولُ ذِراعَي الإنسان وعضُدَيه وعَرضُ صَدرِه، وذلك أربعة أذرُع، قاله الباجيُّ، وهي من الدَّوابِّ قَدرُ خطوتها في المَشيِ، وهو ما بين قَوائمِها، وذلك ذِراعَان، والبَوع أيضاً مصدر باع يبُوع بوعاً؛ إذا بسَط باعَه ومدَّ في سَيرِه، والمُرادُ بما جاء في هذا الحَديثِ سرعةُ قَبول تَوبةِ العَبدِ، وتيسيرُ طاعَتِه وتَقوِيته عليها، وتمامُ هِدايته وتَوفِيقه، والله أعلَم بمُرادِه.


[1] هذا شطر بيت من قصيدة كُثيِّر عزَّة يمدح عبد الملك بن مروان، ولفظه في «ديوانه: 241» و«المعاني الكبير: ص830»:
~إذا جاوزوا معروفَه أَسْلَمَتْهُمُ                      إلى غَمْرَةٍ لا يَنْظُرُ العومَ بونُها