الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري

حديث أبي هريرة: كان رجل يسرف على نفسه

          3481- و(يُسْرِفُ) مِن الإسراف وهو مجاوزة الحدِّ أي يبالغ في المعاصي، و(غَيْرُهُ) أي غير أبي هريرة، فإن قُلتَ: إن كان مؤمنًا فلم شكَّ في قُدرة الله تعالى وإن لم يكن فكيف غفر له؟ قُلتُ: كان مؤمنًا بدليل الخشية. ومعنى (قَدَرَ) مخفَّفًا ومشدَّدًا حكم وقضى أو ضيَّق.
          النَّووي: وقيل أيضًا إنَّه على ظاهرِه، ولكن قالَه وهو غير ضابط لنفسِه وقاصدٍ لحقيقة معناه، بل قالَه في حالةٍ غلب عليه فيها الدَّهَش والخوف، بحيث ذهب تدبُّرُه فيما قالَه فصار كالغافل والنَّاسي لا يُؤاخَذ عليها، أو أنَّه جهل صفة مِن صفات الله، وجاهل الصِّفة كُفْرُه مختلف فيه، أو أنَّه كان في زمان ينفعُه مجرَّد التَّوحيد، أو كان في شرعِهم جواز العفو عن الكافر.
          الخطَّابي: فإن قُلتَ: كيف يَغْفِر له وهو منكر للقدرة على الإحياء؟ قُلتُ: ليس بمنكِرٍ، إنمَّا هو رجل جاهل ظنَّ أنَّه إذا فُعِل به هذا الصُّنع تُرِكَ فلم يُنشَر ولم يُعذَّب، وحيث قال : (مِن خَشْيَتِكَ) عُلِم مِنه أنَّه رجل مؤمنٌ فَعَلَ ما فَعَلَ خشيةً مِن الله تَعالى، ولجهلِه حسِب أنَّ هذه الحيلة تُنْجِيه ممَّا يخافُه.