الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري

حديث: الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل

          3473- قولُه: (مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ) بلفظ الفاعل مِن الانكدار، و (أَبو النَّضْرِ) بسكون المعجمة اسمُه سالم، و(الطَّاعُونِ) الموت الكثير وقيل هو بَثْرٌ ووَرَمٌ مؤلم جدًّا يخرج معه لهيب ويَسْوَدُّ ما حولَه أو يَخْضَرُّ ويحصل معه خفقان القلب والقيء ويخرج في المرافق والآباط غالبًا، و(الرِّجْسُ) القذر، و(لاَ تَقْدَمُوا) بفتح الدَّال.
          فإن قُلتَ: ما وجه الجمع بين : (لَا تَخْرُجُوا فِرَارًا) و: (لَا يُخْرِجُكُمْ إِلَّا فِرَارًا) إذ ظاهرُهما متناقض؟ قُلتُ : غرضُه أنَّ أبا النَّضْر فسَّر (لَا تُخْرِجُوا فِرَارًا) بأنَّ المراد منه الحصر، يعني الخروج المنهيُّ هو الذي يكون بمجرَّد الفِرار لا لغرض آخر، فهو تفسير للمعلَّل المَنهيِّ لا للنَّهي، أو أنَّه زاد بعد رواية (لَا تَخْرُجُوا فِرَارًا) (لَا يُخْرِجُكُم إِلَّا فِرَارًا) فيكون أيضًا تفسيرُه نقلًا مِن رسول الله صلعم لا مِن تلقاء / نفسِه، ولو ثبت زيادة إلَّا في كلام العرب فوجهُه ظاهر.
          قال النَّووي: رُوي لا يخرجكم إلَّا فرارٌ بالرَّفع والنَّصب وكلاهما مشكل، لأنَّ ظاهرَه المنع مِن الخروج لكلِّ سبب إلَّا للفرار وهذا ضدُّ المراد.
          قال بعضُهم: لفظة (إِلَّا) هنا غلط مِن الرَّاوي وصوابُه حذفُها كما هو المعروف في الرِّوايات، ووجَّه طائفةٌ النَّصْبَ فقالوا: هو حال، وكلمة (إِلَّا) للإيجاب لا للاستثناء وتقديرُه: لا تخرجوا إذا لم يكن خروجُكم إلَّا فرارًا منه.
          وفيه التَّسليم لقضاء الله، ومنع القدوم على بلد الطَّاعون ومنع الخروج مِنه فرارًا مِن ذلك، وأمَّا الخروج لعارض فلا بأس به.