نيل الأماني في توضيح مقدمة القسطلاني

النسب التي على خلاف ظاهرها

          قوله: (وَمِنْ الرُّوَاةِ مَنْ يُنْسَبُ إِلَى غَيْرِ أَبِيْهِ) هو نوعٌ مستقلٌّ مهمٌّ، فائدته دفع توهم التَّعدد عند نسبة أولئك إلى غير آبائهم، وغير أبيه أعمُّ من أن يكون جدُّهُ أو جدته أو أجنبي.
          قوله: (ابْنُ مُنْيَة) بضم الميم وسكون النون وتخفيف التحتية كرُكْبَة، صحابي مشهور. وقوله: (هِيَ جَدَّتُهُ)؛ أي: أمُّ أبيه، على ما قاله ابن الزُّبير، أو أمُّ أمه، على ما عُزيَ للبُخاري والجمهور. وقوله: (وَاسْمُ أَبِيْهِ: أُمَيَّةَ)؛ أي: ابنُ أبي عبيد.
          قوله: (وَعَوْذَة) صوابهُ (عوذ) بإسقاط الهاء كما في «التقريب» ويقالُ له: عوف، بالفاء.
          وقوله: (أُمُّهُم عَفْرَاء) هي بنتُ عبيد بن ثعلبة من بني النَّجار، وكذا أبوهم المذكور، وشهد بنو عفراء بدرًا فقُتل بها مُعوذ وعَوف وبقي مُعاذ إلى زمن عُثمان(1) فتوفي بصِفِّين، وقيل: جُرح ببدر أيضًا فرجعَ إلى المدينة فمات بها.
          قوله: (ابنُ بُحَيْنَة) بضم الموحدة وفتح المهملة وسكون التحتية بعدها نون.
          وقوله: (وَأَبُوْهُ مَالِك)؛ أي: ابن القَشيب الأزْدي الأسدي.
          وبنو عفراء ويَعلى وابن بُحينة المذكورون صحابة، ومثلهم من هذا القبيل: بلال ابن حمامة الحبشي المؤذن أبوه رباح، وبنو بيضاء: سهل وسهيل وصفوان أبوهم وهب بن ربيعة القرشي، قال سفيان: أكبر أصحاب النَّبيِّ صلعم في السن أبو بكر وسُهيل بن بيضاء، ومات هو وأخوه سهل في حياته صلعم وصلى عليهما في المسجد، وكذا شُرحبيل ابن حسنة أبوه عبد الله بن المُطاع، ومن التابعين محمد ابن الحنفية أبوه علي بن أبي طالب وأمه خولة من بني حنيفة، وإسماعيل ابن عُلية أبوه إبراهيم، وعُليةُ أمه أو / جدته أم أبيه.
          وممَّنْ نُسِبَ إلى جده: أبو عُبيدة ابن الجراح عامر بن عبد الله بن الجراح، ومُجَمَّعُ ابن جارية بالجيم والتحتية وهو ابن زيد بن جارية، وابن أبي ليلى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، وابن أبي مُلَيْكَة عبد الله بن عبيد الله بن أبي مَلَيْكَة، وأحمد ابن حنبل هو ابن محمد بن حنبل.
          قوله: (ابن الأَسْوَد)؛ أي: ابن عبد يَغُوْث، فَتَبَنَّاهُ فنُسب إليه، ومثله الحسن بن دينار هو زوج أمه، وأبوه واصل.
          قوله: (إِلَى نِسْبَةٍ يَكُوْنُ الصَّوَابُ خِلَاْفَ ظَاهِرِهَا)؛ أي: كأن يُنسب إلى مكان أو قبيلة أو وقعة مشهورة وليس الظاهر الذي يَسبق إلى الفهم من تلك النسبة مُرادًا بل لعارض عرض من نزوله ذلك المكان أو تلك القبيلة ونحو ذلك كما تقدم.
          فائدة: قال عبد الله بن المبارك وغيره: من أقام في بلدٍ أربع سنين نُسب إليها. انتهى.
          وفي «التدريب» و«شرحه»: ومَن كان من أهل قريةِ بلدةٍ فيجوزُ أن يُنسب إلى القريةِ فقط وإلى البلدة فقط وإلى الناحية التي فيها تلك البلدة وإلى الإقليم فقط؛ فيقول فيمن هو من الغوطة _وهي كورة من كور دمشق الشام_ : الغوطي أو الدمشقي أو الشامي، وله الجمع فيبدأ بالأعم، وهو الإقليم، ثم الناحية، ثم البلد، وكذا في النسب إلى القبائل، يبدأ بالعام قبل الخاص، ليحصل بالثاني فائدة لم تكن في الأول، فيُقال: القرشي ثم الهاشمي، ولا يقال الهاشمي القرشي؛ لأنَّه لا فائدة للثاني حينئذ إذ يلزم من كونه هاشميًا كونه قرشيًا بخلاف العكس، ولا يقال: يُقتصر حينئذ على الأخص؛ لأنَّه قد يخفى على بعض الناس كون الهاشمي قرشيًا، ويظهر هذا الخفاء في البطون الخفية كالأشهل من الأنصار، إذ لو اقتصر على الأشهلي لم يعرف كثير من الناس أنَّه من الأنصار أم لا، وقد يقتصرون على الخاص وقد يقتصرون على العام وهو قليلٌ، وإذا جُمع بين النسب إلى القبيلة والبلد قُدم النسب إلى القبيلة. انتهى ملخصًا.
          قوله: (وَإِنْ عَدَّهُ البُخَارِيُّ فِيْمَنْ شَهِدَهَا) تقدَّمَ أنَّه الذي جزمَ به مسلم وابن الكلبي وآخرون.
          قوله: (بَلْ نَزَلَ بِهَا)؛ أي: بِتَيْمٍ القبيلةُ المعروفةُ، ومن هذا القبيل (أبو خالد الدَّالاني) نزل في بني دالان بطنٌ من هَمْدَان وهو أَسدي، ومحمد بن سنان العَوَقي بفتح الواو وبالقاف باهلي نزل في العَوَقة بطنٌ من عبدِ قيسٍ فنُسب إليهم، وأحمد بن يوسف السُّلَمي الذي روى عنه مسلم أزدي وكانت أمه سُلمية فنُسب إليهم، وخالد الحَذَّاء لم يكن حذَّاءً كما سلفَ بل كان يجلسُ في الحذَّائين.


[1] كذا، وصفين زمن علي ♥.