نيل الأماني في توضيح مقدمة القسطلاني

الشاهد والاعتبار

          قوله: (مِمَّنْ يَصْلُحُ أَنْ يُخْرَجَ حَدِيْثُهُ للاعْتِبَارِ)؛ أي: بأنْ لمْ يكنْ ضعيفًا، أو كان لكنه غيرُ شديدِ الضعفِ؛ فإنَّه لا انحصارَ للمتابعات والشواهد في الثقة بل يدخلُ فيها الضعفاء، لكن ليس كل ضعيف يصلح لذلك، كما سيُنَبه عليه الشارح، بل ضعيف الضعف فقط.
          والاعتبار هو: أن تَعْمَدَ إلى الحديثِ الذي تراهُ فردًا فتعتبره وتعتني به وتبحث وتفتش في طرقه فتنظر هل رواه راو آخر بلفظه أو معناه أو لا؟ فإن وُجِدَ عُلِمَ أنَّ له أصلًا يُرجع إليه، ثم إنْ كان بمعناه فهو الشاهد: فهو متنٌ بمعنى الحديث الفرد عن رواية صحابي آخر، أو بلفظه فهي المتابعة: فهي وجدانُ راوٍ مشاركٍ لما روى منفردًا فيما رواه بلفظه؛ وهي إمَّا أن تكون لنفس الراوي بأن روى هذا الحديث عن الشيخ الراوي الأول نفسه، أو لشيخه، أو لشيخ شيخه وهكذا إلى آخر الإسناد.
          فالأولى متابعة تامة وما عداها متابعة قاصرة، وهي بأقسامها تُكسب قوةً في الفرد، وإن كانت الأولى أعلى، ويليها ما بعدها وهكذا إلى الآخر، وسيأتي التمثيل لكلٍّ من الاعتبار والمتابعة والاستشهاد في كلام الشارح.
          قوله: (وَافَقَهُ)؛ أي: وافق ذلك الراوي الذي روى الفرد.
          قوله: (سُمِّيَ مُتَابِعًا)؛ أي: فتختصُّ المتابعةُ بما كان باللفظِ سواءً كان من رواية ذلك الصحابي أم لا؟ والشاهد أعمُّ، وقيل: هو مخصوصٌ بما كان بالمعنى، وقال شيخ الإسلام: يُسمى الشاهد متابعة أيضًا.
          قوله: (وَإِنْ لَمْ يُوْجَدُ مِنْ وَجْهٍ)؛ أي: كالحديث الذي رواه الترمذي من طريق حمَّاد، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة أراه رفعه: « أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْنًا مَا...» الحديث، قال الترمذي: غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلَّا من هذا الوجه.
          قوله: (فِيْ الأَطْرَافِ)؛ أي: أطراف الأحاديث وطُرُقِهَا، أو أطراف الدنيا.
          قوله: (لَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ)؛ أي: في بادئ الرأي قبل النظر فيه كما تقدمت الإشارة إليه، لا قطعًا.
          قوله: (فَيُنْظَر...) إلى آخره، هذه هي كيفية الاعتبار؛ لأنَّك تعتبر هذا الفرد برواياتِ غيره من الرواة، وسَبْرِ طُرُقِ الحديث.
          قوله: (غَيْرُ أَيُّوْب عَنْ ابْنِ سِيْرِيْن) وهذه متابعة تامة، وهي الموافقة لنفس الراوي في الرواية عن شيخ.
          وقوله: (وَإِنْ لَمْ يُوْجَدْ ذَلِكَ)؛ أي: رواية أحد غير أيوب، عن ابن سيرين.
          وقوله: (فَثِقَةٌ غَيْرُ ابنِ سِيْرِين) وهذه متابعة قاصرة.
          قوله: (فَأَيُّ ذَلِكَ وُجِدَ...) إلى آخره؛ أي: كما سيأتي للشارح في رواية الشافعي، عن مالك، عن عبد الله ابن دينار في حديث: «الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُوْنَ».
          قوله: (فَيَدْخُلُ فِيْهَا)؛ أي: في الشواهد كما يدخل في المتابعات.
          قوله: (وَلَيْسَ كُلُّ ضَعِيْفٍ يَصْلُحُ لِذَلِكَ)؛ أي: للمتابعة والاستشهاد بحديثهِ، بل ذلك خاصٌ بمن لم يشتدَّ ضعفه، ولذا قال الدَّارَقُطني: لا تُعتبرُ متابعة ولا استشهاد كل ضعيف.
          قوله: (قَالَ شَيْخُنَا) هو أبو الخير السَّخَاوي شارح «ألفية العراقي».
          قوله: (مِنَ المُتَابَع والمُتَابِع) بفتح الموحدة في أحدهما وكسرها في الآخر.
          (وَمِثَالُ المُتَابِعِ وَالشَّاهِدِ)؛ أي: فقد اجتمعا في هذا الحديث.
          قوله: (فِيْ جَمِيْعِ المُوَطَّآتِ)؛ أي: روايات مالك في الموطأ.
          قوله: (تَفَرَّدَ بِهَذَا اللَّفْظِ)؛ أي: قوله: («فَأَكْمِلُوْا العِدَّةَ...» إلى آخره)، ولذا عُدَّ من غرائب الشافعي؛ لأنَّ أصحاب مالك رووه عنه بهذا الإسناد بلفظ: «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ» لكن وجدنا للشافعي متابِعًا، وهو عبد الله بن مسلمة القَعنبي، فإنَّه رواه عن مالك بلفظ الشافعي، وهذه متابعة تامة كما قال الشارح لمتابعة القَعْنَبِي للشَّافعي في شيخه مالك واللفظُ / واحدٌ.
          قوله: (لِرِوَايَةِ الشَّافِعِيِّ) متعلقٌ بمتابعةٍ.
          قوله: (وَقَدْ تُوْبِعَ فِيْهِ عَبْدُ اللهِ بنُ دِيْنَارٍ)؛ أي: فتكونُ متابعةً قاصرةً للشافعي، لكن كون الوجه الأول؛ _أعني: ما أخرجه مسلم_ متابعةً لا يتجهُ على ما قدَّمه الشارح من أنَّ المتابعة هي الموافقة في اللفظ، إذ(1) اللفظ في الروايتين متغايرٌ فيكون شاهدًا لا متابعًا، نعم يتجه على ما قدمناه عن شيخ الإسلام مِن أنَّ الشَّاهد يُسمى متابعة، وكذا الوجه الثاني ؛ _أعني: ما رواه ابن خزيمة_ فإن لفظ «العدة» ساقط منه، فقوله فيه: (فهذه متابعةٌ) ممنوع على ما قدمَّه، صحيحٌ على ما ذكره شيخ الإسلام، ويكون حينئذ متابعة ناقصة.
          قوله: (وَلَهُ شَاهِدَانِ)؛ أي: أحدهما موافق باللفظ، وهو ما أخرجه النسائي إذا كان بلفظ حديث ابن دينار عن ابن عمر الذي رواه الشافعي من قوله: «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ»، والثاني وهو ما أخرجه البخاري موافق بالمعنى إذ فيه: «فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ»، ولفظُ الشافعي: «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ»، لكن هذا إنَّما يتمشى على رأي الجمهور أنَّ الشاهدَ شاملٌ لكلا الموافقتين، أمَّا على ما جرى عليه الشارح من أنَّ الشاهد هو الموافق في المعنى فقط فلا يظهر إلَّا في الأول لا في الثاني، فتأمل.
          قوله: (بِلَفْظِ حَدِيْثِ ابْنِ دِيْنَار)؛ أي: فاقدروا له.
          قوله: (فِيْ هَذَا)؛ أي: ما تقدم من الاعتبار والمتابعة والاستشهاد.


[1] في المطبوع: (إذا).