نيل الأماني في توضيح مقدمة القسطلاني

المعنعن

          قوله: (وَالْمُعَنْعَنُ...) إلى آخره، الظاهر من صنيع الشارح أنَّ المعنعن مبتدأ خبره قوله: (مَوْصُوْلٌ...) إلى آخره، ولا يَخفاكَ أنَّه بصدد ذكر نفس الأنواع وحدودها وأحكامها لا خصوص أحكامها، فالأحسن أن يجعل الخبر قوله: (الَّذِي قِيْلَ فِيْهِ...) إلى آخره، ويكون قوله (موصول) خبر مبتدأ محذوف؛ أي: وهو موصول، ليكون كلامه في الأنواع منتظمًا في سلك واحد.
          قوله: (مِنْ غَيْرِ لَفْظٍ صَرِيْحٍ...) إلى آخره؛أي: كحدَّثنا فلان أو أخبرنا أو سمعت من فلان؛أي: أو نحو ذلك، كقال لنا أو ذكر لنا.
          قوله: (أَتَى عَنْ رُوَاةٍ) جملة حالية؛ أي: حال كونه أتى... إلى آخره.
          وقوله: (مَعْرُوْفِيْنَ)؛ أي: مشهورين بالعدالة والضبط.
          قوله: (مَوْصُوْلٌ) ولذلك أودعهُ المشترطون للصحيح في تصانيفهم، وادَّعى أبو عمرو الداني وابن عبد البر إجماع أهل النقل عليه، ومحل كونه موصولًا إن لم يتبين خلافه.
          قوله: (عِنْدَ الْجُمْهُوْرِ)؛ أي: من أصحاب الحديث والفقه والأصول كما ذكره النووي، قال: وهو الصحيح الذي عليه العمل، مقابله ما ذهب إليه بعضهم من أنَّه مرسلٌ حتى يتبينَ اتصاله بمجيئه من طريق آخر أنَّه سمعه منه وإن لم يكن مدلسًا؛ لأنَّ (عن) لا تُشعر بشيء من أنواع التحمل، قال النووي: وهذا مردودٌ بإجماع السلفِ.
          قوله: (المُعَنْعِنِيْنَ) بكسر العين الثانية اسم فاعل، وسيأتي للشارح أنَّ هذا الشرط مما اختُلف فيه.
          قوله: (وَعَدَمُ التَّدْلِيْسِ مِنَ المُعَنْعِنِ)؛ أي: بأن يكون من عادته أن لا يقول: عن فُلان، إلَّا إذا كان قد سمعَ منه، والمُعَنْعِنُ مكسور العين كسابقه؛ أي: الراوي بلفظِ عن.
          قوله: (فِيْ شَرْطِيَّةِ ثُبُوْتِ اللِّقَاءِ)؛ أي: وعدم الاكتفاء بإمكانه، كما شرطه البخاري وشيخه.
          وقوله: (وَكَذَا طُوْلُ الصُّحْبَةِ)؛ أي: كما اشترطه بعضهم، وهو السمعاني.
          وقوله: (وَمَعْرِفَةُ الرِّوَايَةِ...) إلى آخره؛ أي: ومعرفةُ المُعَنْعِنِ بالرِّواية عن المُعنعن عنه كما اشترطه بعضهم، وهو أبو عمرو الدَّامغاني.
          قوله: (بِاشْتِرَاطِ اللِّقَاءِ...) إلى آخره؛ أي: فقط ولم يشترط ما بعده.
          قوله: (وَجَعَلَاهُ)؛ أي: ابن المديني والبخاري، واشتراط البخاري ذلك هو المشهور عنه، وقيل: لم يشترطه في أصل الصحة وإنَّما التزمه في «جامعه».
          قوله: (وَعَزَاهُ النَّوَوِيُّ لِلْمُحَقِّقِيْنَ)؛ أي: فقول مسلم إنَّه قول (مخترع) قول مختلق.
          قوله: (وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ)؛ أي: اللقاء بالفعل الذي اشترطه البخاري وشيخه، بل اكتفى بإمكانه، وعبَّرَ عنه بالمعاصرة.
          وقوله: (بَلْ أَنْكَرَ اشْتِرَاطَهُ)؛ أي: فقال: إن اشتراط ثبوت اللقاء قولٌ مخترع لم يسبق قائله إليه، وإنَّ القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديمًا وحديثًا أنَّه يكفي أن يثبت كونهما في عصر واحد، وإنْ لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا أو تشافها. انتهى.
          قال ابن الصلاح: وفيما قاله مسلم نظر؛ فليس له حكم الاتصال ما لم يكن له من شيخه إجازة. انتهى.
          قال شيخ الإسلام: مَن حكم في المُعَنْعَنِ بالانقطاع مُطلقًا شَدَّدَ، ويليه من شَرَطَ طولَ الصحبة، ومن اكتفى بالمعاصرة سهَّل، والوسط الذي ليس بعده إلَّا التعنت مذهب البخاري ومن تبعه.
          فائدتان:
          الأولى: قال ابن حجر: قد ترد (عن) ولا يُراد بها بيانُ حكم اتصال أو انقطاع بل ذكره قصة سواء أدركها أم لا، بتقدير محذوف؛ أي: عن قصة فلان أو شأنه أو غير ذلك، كما رواه أبو إسحاق السَّبيعي عن عبد الله بن خَبَّاب بن الأرتّ أَنَّهُ خَرَجَ عَلَيْهِ الحَرُوْرِيَّةُ فَقَتَلُوْهُ حَتَّى جَرَى دَمُهُ فِيْ النَّهْرِ. /
          فهذا لا يُمكن أن يكونَ أبو إسحاق سمعه من ابن خباب كما هو ظاهر العبارة؛ لأنَّه هو المقتول، قال السيوطي: السماع إنَّما يعتبر في القول، أما الفعل فالمُعتبر فيه المشاهدة وهذا واضح.
          الثانية: قال في «التقريب»: وكَثُرَ في هذه الأعصار استعمال (عن) في الإجازة، فإذا قال أحدهم مثلًا: قرأت على فلان عن فلان، فَمُرَادهُ أنَّه رواه عنه بالإجازة. انتهى.
          قال في «التدريب»: وذلك لا يخرجه عن الاتصال. انتهى.