نيل الأماني في توضيح مقدمة القسطلاني

المنقلب

          قوله: (وَالمُنْقَلِبُ) يظهرُ على تمثيل الشارح أنَّه لا فرق بينه وبين المقلوب في المتن، وقَلَّ من ذكره أيضًا.
          قوله: («اخْتَصَمَتْ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ إلى رَبِّهِمَا») إمَّا مجازٌ عن حالهما المُشابه للمخاصمةِ، أو حقيقةٌ بأن يخلق الله فيهما الحياة والنُّطق، أو يخلق القول في جزء منهما؛ لأنَّه لا يُشترط عقلًا في الأصوات أن يكون محلها حَيًّا على الراجح، أو أنَّ ذلك بلسانِ الحال، واختصامهما هو افتخار إحداهما على الأخرى بمن يَسكنها فيظن كل منهما أنها آثرُ عند الله بمن يسكنها.
          قوله: (الحَدِيْثَ) بقيته: «فقالت الْجَنَّةُ: يا رَبِّ ما لها لَا يَدْخُلُهَا إلَّا ضُعَفَاءُ الناس وَسَقَطُهُمْ، وَقَالَتْ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ، فقال الله تَعَالَى لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي، وقال لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي أُصِيبُ بِكِ من أَشَاءُ وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا، قال: فَأَمَّا الْجَنَّةُ فإن اللَّهَ لَا يَظْلِمُ من خَلْقِهِ أَحَدًا، وَإِنَّهُ يُنْشِئُ لِلنَّارِ من يَشَاءُ فَيُلْقَوْنَ فيها، فَتَقُوْلُ: هل من مَزِيدٍ ثَلَاثًا، حتى يَضَعَ فيها قَدَمَهُ فَتَمْتَلِئُ وَيُرَدُّ بَعْضُهَا إلى بَعْضٍ، وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ قَطْ».
          قال الشارح هناك في القَدَم: هو ما يقدمه لها من أهل العذاب أو ثمَّةَ مخلوقٌ اسمه القدم، أو هو عبارة عن زجرها وتسكينها كما يقال وضعته تحت قدمي. انتهى.
          قوله: (فِيْ مَوْضِعٍ آخَرَ)؛ أي: في تفسير سورة {ق} وكذا في صحيح مسلم.
          قوله: (بِأَنَّهُ غَلَطٌ) احتجَّ على ذلك بأنَّ الله أخبرَ بأنَّ النار تمتلئ من إبليس وأتباعه في قوله تعالى: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ} الآية [ص:85] .
          قوله: ({وَلَاْ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الكهف:49] )، فيه: أنَّ له أن يعذب مَن لم يكلفه بعبادته في الدنيا؛ لأنَّ كلَّ شيءٍ ملكه، فلو عذَّبهم لكان غير ظالم لهم، قال البُلقيني: وحَمْلُه على أحجار تُلقى في النار أقرب من حمله على ذي روح يُعذب بغير ذنب. انتهى.
          قال في «الفتح»: ويُمكن التزام أن يكونوا من ذوي الأرواح لكن لا يُعذبون كما في الجزية، ويُحتمل أن يُراد بالإنشاء ابتداء إدخال الكفار النار، فعَبَّرَ عن ابتداءِ الإدخال بالإنشاء فهو إنشاء إدخال لا إنشاءٌ بمعنى ابتداء خلق بدليل قوله: «فَيُلْقَوْنَ فيها: {وَتَقُوُلُ هل من مَزِيدٍ} [ق:30] »، وفي «الكواكب»: الإنشاء للِجَنَّة لا ينافي الإنشاء للنار والله يفعل ما يشاء، فلا حاجة إلى الحمل على الوهم، ثم حاصلُ الجواب منه تعالى أنَّه لا فضل لأحدكما على الأخرى من طريق مَن يسكنهما.