مزيد فتح الباري بشرح البخاري

باب: إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوله الإمام خلفه إلى يمينه

          ░77▒ (بَابٌ: إِذَا قَامَ الرَّجُلُ عَنْ يَسَارِ الإِمَامِ، وَحَوَّلَهُ الإِمَامُ، خَلْفَهُ إِلَى يَمِينِهِ تَمَّتْ صَلَاتُهُ)
          أي: هذا باب ترجمته: إذا قام... إلى آخره.
          وقوله: (تَمَّتْ صَلَاتُهُ) جوابُ إذا، يعني لا يَضرُّ صلاتَه.
          وقوله: (خَلْفَهُ) منصوبٌ بالظرفية، أي: في خلفِه، أو بنزع الخافض، أي: مِن خلفِه، قال العيني: والضمير راجع إلى الإمام. قال شيخنا: تقدم أكثرُ لفظ هذه الترجمة قبل بنحوٍ من عشرين بابًا لكن ليس هناك لفظ:(خَلْفَهُ)، وقال هناك: (لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُمَا) بدل قوله: (تَمَّتْ صَلَاتُهُ). وأخرج هناك حديثَ ابن عباسٍ هذا لكنْ مِن وجهٍ آخر، ولم ينبِّه أحدٌ من الشُّرَّاح على حِكمَةِ / هذه الإعادة، بل أسقط بعضهم الكلام على هذا الباب، والذي يظهر لي أن حكمهما مختلف لاختلاف الجوابين، فقوله: (لم تفسد صلاتهما) أي: بالعمل الواقع منهما لكونه خفيفًا، وهو من مصلحة الصلاة أيضًا، وقوله: (تمت صلاته) أي: المأموم، ولا يضر وقوفه عن يسار الإمام أولًا مع كونه في غير موقفه؛ لأنه معذور بعدم العلم بذلك الحكم، ويحتمل أن يكون الضمير للإمام، وتوجيهه أن الإمام وحده في مقام الصف، ومحاولته لتحويل المأموم فيه التفات ببعض بدنه، ولكن ليس تركًا لإقامة الصف للمصلحة المذكورة، فصلاته على هذا لا نقص فيها من هذه الجهة، والله أعلم.
          قلت: عَود الضمير إلى المأموم؛ لأن النقص إنما كان في صلاته بوقوفه في غير موقفه، وبهذا الفعل تمت صلاته، وفِعل الإمام ليس نقصًا في صلاته؛ لأنه لمصلحة الصلاة. انتهى، وقال الكرماني: ويحتمل أن يكون الضمير للرجل؛ لأن الفاعل وإن تأخر لفظًا لكنه متقدم مرتبة، فلكل منهما قربٌ من وجه، لكن إذا عاد الضمير للإمام أفاد أنه احترز أن يحوله من بين يديه؛ لئلا يصير كالمار بين يديه.
          قال العيني: الأَولى أن يكون الضمير للإمام؛ لأنه هو الذي يحوله من خلفه، ولا معنى لتحويله من خلف الرجل. قلت: في حديث الباب ما يدل على أنه حوَّله من خلف نفسه، وهو قوله: (من ورائي) وهي معدودة من الخوارق!