مزيد فتح الباري بشرح البخاري

باب الأذان قبل الفجر

          ░13▒ (بَابُ الأَذَانِ قَبْلَ الفَجْرِ)
          أي: هذا بابٌ في بيان حكم الأذان قبل طلوع الفجر، هل هو مشروع أم لا؟ وميلُ البخاري إلى الإعادة بدليل إيرادِه الأحاديثَ في هذا الباب الدالة على الإعادة، وقد بيَّنَّا المذاهبَ فيه مفصلةً فيما مضى.
          قال شيخنا: وإن كان إعادةً لكن لا يخلو عن فائدة، وإلى مشروعيته مطلقًا ذهب الجمهور، وخالف الثوري وأبو حنيفة ومحمد، وإلى الاكتفاء مطلقًا ذهب مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم، وخالف ابنُ خزيمة وابن المنذر وطائفة من أهل الحديث، وقال به الغزالي في «الإحياء».
          وادعى بعضهم أنه لم يرد في شيء من الحديث ما يدل على الاكتفاء. وتُعُقِّب بحديث الباب، وأجيب بأنه مسكوت عنه فلا يَدُلُّ. وعلى التنَزُّلِ فمحله فيما إذا لم يَرِد نطقٌ بخِلافه، وهنا قد ورد.
          وحديث ابن عمر وعائشة ☻ لا يشعر(1) بعدم الاكتفاء، وكأنَّ هذا هو السر في إيراد البخاري لحديثيهما في هذا الباب عقب حديث ابن مسعود، نعم حديثُ زياد بن الحارث عندَ أبي داود يدل على الاكتفاء، فإن فيه أنه أذَّنَ قبل الفجر بأمر النبي صلعم، وأنه استأذنه في الإقامة فمنعه إلى أن طلع الفجر فأمره فأقام. لكن في إسناده ضعف.
          وأيضًا فهي واقعةُ عين وكانت في سفر، ومن ثَمَّ قال القرطبي: إنه مذهب واضحٌ غيرَ أن العمل المنقولَ بالمدينة على خلافِه فلم يَرُدَّهُ إلا بالعمل على قاعدة المالكية.
          وادعى بعض الحنفية كما حكاه السروجي / منهم: أن النداء قبل الفجر لم يكن بألفاظ الأذان وإنما كان تذكيرًا أو تسحيرًا كما يقع للناس اليوم. وهذا مردودٌ لأن الذي يصنعه الناس اليوم مُحدَثٌ قطعًا، وقد تضافرت الطرق على التعبير بلفظ الأذان، فحمْلُه على معناه الشرعي مقدم، ولأنَّ الأذان الأول لو كان بألفاظ مخصوصةً لما التَبَسَ على السامعين، وسياق الخبر يقتضي أنه خشي عليهم الالتباس.
          قال العيني: لفظ الأذان يتناول معناه اللغوي والشرعي، وقد قام دليلٌ من الشارع أن المراد من أذان بلال ليسَ معناه الشرعي، وهو أذان ابنِ أمِّ مكتوم، ولو لم يكن كذلك لم يوجَد الفرقُ بين أذانيهما، والحال أن الشارع فرَّق بينهما، وقد قال: ((إن أذان بلال لإيقاظ النائم وليرجع القائم))، وقال لهم: ((لا يغرنكم أذان بلال)). وجعل أذان ابن أم مكتوم هو الأصل كما قررناه فيما مضى، وتضافُر الطرق لا يصادم ما ذكرناه. انتهى.
          وادعى ابن القطان أن ذلك كان في رمضان خاصة(2) وفيه نظر. انتهى.


[1] في الفتح: «يشعر» بدل: «لا يشعر».
[2] في الأصل: «خصاصة» والصواب: «خاصة».