-
كتاب الصلاة
-
كتاب مواقيت الصلاة
-
[كتاب الأذان]
-
حديث: ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى
-
حديث: كان المسلمون حين قدموا المدينة يجتمعون
-
باب الأذان مثنى مثنى
-
باب الإقامة واحدة إلا قوله: قد قامت الصلاة
-
باب فضل التأذين
-
باب رفع الصوت بالنداء
-
باب ما يحقن بالأذان من الدماء
-
باب ما يقول إذا سمع المنادي
-
باب الدعاء عند النداء
-
باب الاستهام في الأذان
-
باب الكلام في الأذان
-
باب أذان الأعمى إذا كان له من يخبره
-
باب الأذان بعد الفجر
-
باب الأذان قبل الفجر
-
باب كم بين الأذان والإقامة ومن ينتظر الإقامة
-
باب من انتظر الإقامة
-
باب بين كل أذانين صلاة لمن شاء
-
باب من قال: ليؤذن في السفر مؤذن واحد
-
باب الأذان للمسافر إذا كانوا جماعة والإقامة
-
باب هل يتتبع المؤذن فاه هاهناوهاهنا؟وهل يلتفت في الأذان؟
-
باب قول الرجل فاتتنا الصلاة
-
باب: لا يسعى إلى الصلاة وليأت بالسكينة والوقار
-
باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام عند الإقامة
-
باب: لا يسعى إلى الصلاة مستعجلًا وليقم بالسكينة والوقار
-
باب: هل يخرج من المسجد لعلة؟
-
باب: إذا قال الإمام: مكانكم حتى إذا رجع انتظروه
-
باب قول الرجل: ما صلينا
-
باب الإمام تعرض له الحاجة بعد الإقامة
-
باب الكلام إذا أقيمت الصلاة
-
باب وجوب صلاة الجماعة
-
باب فضل صلاة الجماعة
-
باب فضل صلاة الفجر في جماعة
-
باب فضل التهجير إلى الظهر
-
باب احتساب الآثار
-
باب فضل صلاة العشاء في الجماعة
-
باب اثنان فما فوقهما جماعة
-
باب من جلس في المسجد ينتظر الصلاة وفضل المساجد
-
باب فضل من غدا إلى المسجد ومن راح
-
باب: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة
-
باب حد المريض أن يشهد الجماعة
-
باب الرخصة في المطر والعلة أن يصلى في رحله
-
بابٌ: هل يصلي الإمام بمن حضر؟
-
باب إذا حضر الطعام وأقيمت الصلاة
-
باب إذا دعي الإمام إلى الصلاة وبيده ما يأكل
-
باب من كان في حاجة أهله فأقيمت الصلاة فخرج
-
باب من صلى بالناس وهو لا يريد إلا أن يعلمهم صلاة النبي
-
باب: أهل العلم والفضل أحق بالإمامة
-
باب من قام إلى جنب الإمام لعلة
-
باب من دخل ليؤم الناس فجاء الإمام الأول فتأخر الأول
-
باب إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم
-
باب إذا زار الإمام قومًا فأمهم
-
باب إنما جعل الإمام ليؤتم به
-
باب متى يسجد من خلف الإمام
-
باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام
-
باب إمامة العبد والمولى
-
باب إذا لم يتم الإمام وأتم من خلفه
-
باب إمامة المفتون والمبتدع
-
باب: يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواءً إذا كانا اثنين
-
باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام فحوله الإمام إلى يمينه
-
باب: إذا لم ينو الإمام أن يؤم ثم جاء قوم فأمهم
-
باب: إذا طول الإمام وكان للرجل حاجة فخرج فصلى
-
باب تخفيف الإمام في القيام وإتمام الركوع والسجود
-
باب إذا صلى لنفسه فليطول ما شاء
-
باب من شكا إمامه إذا طول
-
باب من أخف الصلاة عند بكاء الصبي
-
باب: إذا صلى ثم أم قومًا
-
باب من أسمع الناس تكبير الإمام
-
باب الرجل يأتم بالإمام ويأتم الناس بالمأموم
-
باب: هل يأخذ الإمام إذا شك بقول الناس؟
-
باب: إذا بكى الإمام في الصلاة
-
باب تسوية الصفوف عند الإقامة وبعدها
-
باب إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف
-
باب الصف الأول
-
باب إقامة الصف من تمام الصلاة
-
باب إثم من لم يتم الصفوف
-
باب إلزاق المنكب بالمنكب والقدم بالقدم في الصف
-
باب: إذا قام الرجل عن يسار الإمام وحوله الإمام خلفه إلى يمينه
-
باب المرأة وحدها تكون صفًا
-
باب ميمنة المسجد والإمام
-
باب إذا كان بين الإمام وبين القوم حائط أو سترة
-
باب صلاة الليل
-
حديث: ذكروا النار والناقوس فذكروا اليهود والنصارى
604- قوله: (حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بنُ غَيْلَانَ) أي: بفتح الغين المعجمة، ترجمته في «باب النَّوم قبل العشاء لمن غُلِب».
قوله: (قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاق) أي: ابن همَّام، ترجمته في «باب حسن إسلام المرء».
قوله: (قَالَ: أَخْبَرَنَا ابنُ جُرَيْجٍ) أي: عبد الملك، ترجمته في «باب غسل المرأة رأس زوجها وترجيله».
قوله: (قَالَ: أَخْبرنِي نافِعٌ) أي: ابن جرجس، ترجمته في «باب العلم والفتيا في المسجد».
قوله: (أَنَّ ابنَ عُمَرَ) أي: عبد الله، ترجمته في «كتاب الإيمان».
في هذا الإسناد، التَّحديث بصيغة الجمع في موضعين، والإخبار في موضعين، أحدهما بصيغة الجمع، والآخر بصيغة الإفراد من الماضي، وفيه القول في أربعة مواضع.
قوله: (كَانَ يَقُولُ: كَانَ المُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ، فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاة، لَيْسَ يُنَادَى لَهَا، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُم: اتَّخِذُوا نَاقُوسًا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ بُوقًا مِثْلَ قَرْنِ اليَهُودِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا مِنْكُمْ يُنَادِي بِالصَّلاةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ).
مطابقته للترجمة: في قوله: (يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ) فإن قلت / : كيف يطابق الترجمة، والترجمة في بدء الأذان، والحديث يدلُّ على أنَّه ◙ أمر بلالًا بالنداء للصلاة، والنداء لا يفهم منه الأذان المعهود بالكلمات المخصوصة؟ قال العَيني: المراد بالنداء الأذان المعهود، ويدلُّ عليه أنَّ الإسماعيلي أخرج هذا الحديث، ولفظه فأذِّن بالصلاة، وكذا قال أبو بكر بن العَرَبي: إنَّ المراد الأذان المشروع. فإن قلت: قال القاضي عياض: المراد الإعلام المحض بحضور وقتها، لا خصوص الأذان المشروع، قال العَيني: يحمل أنَّه استند في ذلك على ظاهر اللفظ، ولئن سلَّمنا ما قاله، فالمطابقة بينهما موجودة باعتبار أنَّ أمره ◙ لبلال بالنِّداء للصَّلاة كان بدء الأمر في هذا الباب فإنه لم يسبق أمر بذلك قبله، بل إنَّما قال ذلك ◙ بعد تحينهم للصَّلاة وتشاورهم فيما بينهم، ماذا يفعلون في الإعلام بالصَّلاة.
هذا الحديث أخرجه مسلم في الصَّلاة أيضًا عن محمَّد بن رافع عن عبد الرزَّاق وعن إِسْحاق بن إبراهيم وعن هارون بن عبد الله، وأخرجه التِّرْمِذي فيه عن أبي بكر بن أبي النَّضر، وأخرجه النَّسائي فيه عن محمَّد بن إسماعيل وإبراهيم بن الحسن.
قوله: (أنَّ ابنَ عُمَر كانَ يَقُولُ) وفي رواية مسلم، عن عبد الله بن عُمَر أنَّه قال.
قوله: (حَيْنَ قَدِمُوا المَدِيْنَةَ) أي: من مكَّة مهاجرين.
قوله: (فَيَتَحَيَّنُوْنَ) _بالحاء المهملة_ أي: يقدرون حينها ليأتوا إليها، وهو من التحين من باب التفعل، الذي وضع للتكلُّف غالبًا، والتحين من الحين وهو الوقت والزَّمن.
قوله: (لَيْسَ يُنَادَى لَهَا) أي: للصلاة وهو على بناء المفعول، فهو بفتح الدَّال، وقال ابن مالك: هذا شاهد على جواز استعمال ليس حرفًا، لا اسم لها ولا خبرًا، أشار إليها سيبويه، ويحتمل أن يكون اسمها ضمير الشأن، والجملة بعدها خبر، ورواية مسلم تؤيِّد ذلك، فإن لفظه «ليس ينادي بها أحدٌ».
قوله: (فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ) قال شيخنا: لم يقع لي تعيين المتكلِّمين في ذلك، واختصر الجواب في هذه الرواية، ووَقَعَ لابن ماجَهْ من وجه آخر، عن ابن عُمَر: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم اسْتَشَارَ النَّاس لِمَا يَجْمَعُهُمْ إِلَى الصَّلاة، فَذَكَرُوا البُوقَ فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ اليَهُودِ، ثمَّ ذَكَرُوا النَّاقُوسَ فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ النَّصَارَى) وقد تقدَّمت رواية روح بن عطاء نحوه، وفي الباب عن عبد الله بن زيد عند أبي الشيخ، وعن أبي عُمَير بن أَنَس عن عمومته عند سعيد بن منصور.
قوله: (اتَّخَذُوا) على صورة الأمر.
قوله: (بُوقًا) أي: قال بعضهم: اتخذوا بوقًا _بضمِّ الباء الموحَّدة وبعد الواو الساكنة قاف_ وهو الذي يُنفخ فيه، ووَقَعَ في بعض النُّسخ بل قرنًا، وهي رواية مسلم والنَّسائي، والبوق والقرن معروفان، والمراد أنَّه ينفخ فيه فيجتمعون عند سماع صوته، وهو من شعار اليهود، ويسمَّى أيضًا الشَّبُّور _بفتح الشين المعجمة وضمِّ الباء الموحدة المثقَّلة_ قلت: وللنَّصارى أيضًا شيء من نحاس على صفة القلقل، يجعلونه في أعلى موضع في الكنيس أو الدير، وفيه حبل يهزونه به في الأوقات الَّتي يجتمعون فيها في كنائسهم. انتهى.
قوله: (فَقَالَ عُمَر / ☺: أَوَلَا تَبْعَثُونَ) الهمزة للاستفهام والواو للعطف على مقدَّر، أي: أتقولون بموافقتهم ولا تبعثون، وقال الطِّيبي: الهمزة إنكار للجملة الأولى أي: المقدَّرة، وتقرير للجملة الثانية.
قوله: (رَجُلًا) زاد الكُشْمِيهَني: ”مِنْكُمْ“.
قوله: (يُنَادِي) جملة فعليَّة مضارعة في محلِّ النَّصب على الحال من الأحوال المقدَّرة، وقال القُرْطُبي: يحتمل أن يكون عبد الله بن زيد لما أخبر برؤياه، وصدَّقه النَّبِيُّ صلعم، بادر عُمَر ☺ فقال: أولا تبعثون رجلًا ينادي، أي: يؤذِّن بالرؤيا المذكورة، فقال النَّبِيُّ صلعم: (قُمْ يَا بِلَالُ)، فعلى هذا فالفاء في قوله: (فَقَالَ عُمَرُ) فاء الفصيحة، والتقدير: فافترقوا فرأى عبد الله بن زيد، فجاء إلى النَّبِيِّ صلعم فقصَّ عليه فصدَّقه، فقال عمر: أو لا تبعثون. انتهى. هذا يصرِّح أن معنى قوله ◙: (قُمْ يَا بِلَالُ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ)، أي: فأذِّن بالرؤيا المذكورة، قال شيخنا: وسياق [حديث](1) عبد الله بن زيد يخالف ذلك فإنَّ فيه: لما قصَّ رؤياه على النَّبِيِّ صلعم، قال له: أَلْقِهَا عَلَى بِلَال فَلْيُؤَذِّنْ بِهَا قال: فسمعَ عُمَر الصَّوت فخرجَ فأتى النَّبِيَّ صلعم، فقال: لقدْ رأيتُ مثلَ الذي رأى. فدلَّ على أن عُمَر لم يكن حاضرًا لما قصَّ عبد الله بن زيد رؤياه، والظاهر أن إشارة عُمَر بإرسال رجل ينادي بالصلاة كانت عقب المشاورة فيما يتعلَّق به(2)، وأنَّ رؤيا عبد الله بن زيد كانت بعد ذلك، والله أعلم.
قال القاضي عياض: المراد الإعلام المحضُ بحضور وقتها لا خصوص الأذان المشروع، قال شيخنا: وأغرب القاضي أبو بكر بن العَرَبي فحمل قوله: (أذِّن) على الأذان المشروع فطعن في صحَّة حديث ابن عمر، وقال: عجبًا لأبي عيسى كيف صحَّحه، والمعروف أن شرع الأذان إنَّما كان برؤيا عبد الله بن زيد. انتهى. فلا تُدفع الأحاديث الصحيحة بمثل هذا مع إمكان الجمع كما قدَّمناه، وقد قال ابن مَندَه في حديث ابن عُمَر: إنَّه مجمع على صحَّته.
قال العَيني: أما حديث عبد الله بن زيد فأخرجه أبو داود حدَّثنا محمَّد بن مَنْصور الطُّوسي حدَّثنا يعقوب حدَّثنا أبي عن محمَّد بن إِسْحاق حدَّثني محمَّد بن إبراهيم بن الحارث التَّيْمي عن محمَّد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربِّه حدَّثني أبي عبد الله بن زيد قال: ((لما أمرَ رسولُ اللهِ صلعم بالناقوس ليُعْمل ليُضْرب به للنَّاس لجمع الصَّلاة، طاف بي وأنا نائم رجلٌ يحمل ناقوسًا في يده، فقلت: يا عبد الله أتبيع النَّاقوس؟ قال: وما تصنع به؟ فقلت: ندعو به إلى الصَّلاة، قال: أفلا أدلُّك على ما هو خير من ذلك؟ فقلت له: بلى، قال: فقال: تقول: الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلَّا الله أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن محمَّدًا رسول الله أشهد أن محمَّدًا رسول الله، حيَّ على الصَّلاة حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح / حيَّ على الفلاح، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلَّا الله. قال: ثمَّ استأخر عني غير بعيد، ثمَّ قال: ثمَّ تقول إذا أقمت الصَّلاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلَّا الله، أشهد أن محمَّدًا رسول الله، حيَّ على الصَّلاة، حيَّ على الفلاح، قد قامت الصَّلاة قد قامت الصَّلاة، الله أكبر الله أكبر، لا إله إلَّا الله. فلما أصبحت أتيت رسول الله صلعم، فأخبرته بما رأيته، فقال: إنَّها لَرُؤْيَا حَقٌّ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ، فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ، فقمت مع بلال، فجعلت ألقيه عليه ويؤذِّن به قال: فسمع ذلك عُمَر بن الخطَّاب ☺ وهو في بيته، فخرج يجرُّ رداءه يقول: والذي بعثك بالحقِّ يا رسول الله، لقد رأيت مثل ما أُري، فقال رسول الله صلعم: فَلِلَّهِ الحَمْدُ)) وأخرجه التِّرْمِذي أيضًا، فلم يذكر فيه كلمات الأذان ولا الإقامة، وقال: حديث حسن صحيح. ورواه ابن ماجَهْ أيضًا فلم يذكر فيه لفظ الإقامة وزاد فيه شعرًا، فقال عبد الله بن زيد في ذلك:
أحمد الله ذا الجلال وذا الإكرام حمدًا على الأذان كثيرًا
إذ أتاني به البشير من الله فأكرم به لديَّ بشيرًا
في ليالٍ وافى بهنَّ ثلاث كلَّما جاءني زادني توقيرًا
وأخرج ابن حبَّان هذا الحديث أيضًا في «صحيحه»، ورواه أحمد في «مسنده»، وقال أبو عُمَر بن عبد البرِّ: روى عن النَّبِيِّ صلعم في قصَّة عبد الله بن زيد في بدء الأذان، جماعة من الصحابة بألفاظ مختلفة ومعانٍ متقاربة، وكلُّها تتفق على أمره عند ذلك، والأسانيد في ذلك من وجوه صحاح، وفي موضع آخر من وجوه حسان، ونحن نذكر أحسنها، فذكر ما رواه أبو داود: حدَّثنا عبَّاد بن موسى الخُتَّلِيّ وحدَّثنا زياد بن أيُّوب _وحديث عبَّاد أتمُّ_ قالا: حدَّثنا هُشَيم عن أبي بشر _قال زياد: أنبأنا أبو بشر_ عن أبي عُمَير بن أَنَس عن عمومة له من الأنصار قال: ((اهتمَّ النَّبِيُّ صلعم للصلاة كيف يجمع النَّاس لها، فقيل له: انصب راية عند حضور الصَّلاة، فإذا رأوها آذن بعضهم بعضًا، فلم يعجبه ذلك، قال: فذكروا له القُنْع، يعني الشَّبُّور، وقال زياد: شَبُّور اليهود، فلم يعجبه ذلك، وقال: هُوَ مِنْ أَمْرِ اليَهُودِ، قال: فذُكِر له الناقوس، فقال: هُوَ مِنْ أَمْرِ النَّصَارَى، فانصرف عبد الله بن زيد وهو مهتم لهمِّ رسول الله صلعم، فأُري الأذان في منامه، قال: فغدا على رسول الله صلعم فأخبره، فقال: يا رسول الله، إني لبين نائم ويقظان، إذ أتاني آت فأراني الأذان، قال: وكان عُمَر بن الخطَّاب ☺ قد رآه قبل ذلك، فكتمه عشرين يومًا، قال: ثمَّ أخبره النَّبِيَّ صلعم، فقال: مَا مَنَعَكَ أَنْ تُخْبِرَنَا؟ فقال: سبقني عبد الله بن زيد فاستحييت، فقال رسول الله صلعم: قُمْ فَانْظُرْ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ عَبْدُ اللهِ بنُ زَيْدٍ فَافْعَلْهُ فأذَّن بلال)).
فأبو داود ترجم لهذا الحديث بقوله / : باب بدء الأذان، فهذا الذي هو أحسن أحاديث هذا الباب، كما ذكره أبو عُمَر يقوِّي كلام القُرْطُبي الذي ذكرناه آنفًا، لأنَّه ليس فيه ما يخالف حديث عبد الله بن زيد بهذه الطريقة، لأنَّه لم يذكر فيها أنَّ عُمَر سمع الصوت، فخرج فأتى النَّبِيَّ صلعم، فدلَّ بحسب الظَّاهر أنَّ عُمَر ☺ كان حاضرًا، فهو يردُّ كلام بعضهم، الذي ذكرناه عنه، وهو قوله: فدلَّ على أن عُمَر لم يكن حاضرًا لما قصَّ عبد الله بن زيد رؤياه، إلى آخر ما ذكره، فافهم. انتهى.
قال شيخنا: إذا سكت في رواية أبي عُمَير عن قوله: فسمع عُمَر الصَّوت فخرج، وأثبتها ابن عمر، إنَّما يكون إثبات ذلك دالًا على أنَّه لم يكن حاضرًا، فكيف يعترض بمثل هذا إلَّا من غطَّى التعصُّب بصيرته، ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله جلَّ وعلا. وحديث عبد الله بن زيد لا يخالف ما تقدَّم، أن عبد الله بن زيد لما قصَّ منامه فسمع عُمَر الأذان، فجاء فقال: قد رأيت، لأنَّه يحمل على أنَّه لم يخبر بذلك عقب إخبار عبد الله بل متراخيًا عنه، لقوله: ما منعك أن تخبرنا؟ أي: عقب إخبار عبد الله، فاعتذر بالاستحياء، فدلَّ على أنَّه لم يخبر بذلك على الفور.
وليس في حديث أبي عُمَير التصريح بأن عُمَر كان حاضرًا عند قصِّ عبد الله رؤياه، بخلاف ما وَقَعَ في روايته الَّتي ذكر بها، فسمع عُمَر الصَّوت فخرج، فقال فإنَّه صريح بأنه لم يكن حاضرًا عند قصِّ عبد لله. انتهى.
فيه: أن قوله: (قُمْ يَا بِلَال فَنَادِ أَو فَأذِّنْ) يدلُّ على مشروعية الأذان قائمًا، وأنَّه لا يجوز قاعدًا، قال عياض: وهو مذهب العلماء كافة، إلَّا أبا ثور فإنه جوَّزه، ووافقه أبو الفَرَج المالكي ☼، وضعَّفه النَّوَوي لوجهين أحدهما: المراد بالنداء هنا الإعلام، الثاني: المراد قم واذهب إلى موضع بارز، فنادِ فيه بالصلاة، وليس فيه تعرُّض للقيام في حال الأذان، ومذهبنا _أي الحنفيَّة_(3) المشهور أنَّه سنَّة، فلو أذَّن قاعدًا بغير عذر صحَّ أذانه، لكن فاتته الفضيلة، ولم يثبت في اشتراط القيام شيء، وفي كتاب أبي الشيخ بسند لا بأس به عن وائل بن حُجْر قال: حقٌّ وسنَّة مسنونة ألَّا يؤذِّن إلَّا وهو طاهر، ولا يؤذِّن إلَّا وهو قائم، وفي «المحيط» إن أذَّن لنفسه فلا بأس أن يؤذِّن قاعدًا من غير عذر، مراعاة لسنَّة الأذان وعدم الحاجة إلى إعلام النَّاس، وإن أذَّن قاعدًا لغير عذر صحَّ وفاتته الفضيلة، وكذا لو أذَّن قاعدًا مع قدرته على القيام صحَّ أذانه، والصَّواب ما قاله ابن المنذر: أنَّهم اتَّفقوا على أنَّ القيام سنَّة، قال شيخنا: كان اللَّفظ الذي ينادي به بلال للصلاة قوله: الصَّلاة جامعة، أخرجه ابن سعد في «الطبقات» من مراسيل سعيد بن المُسَيِّب، وظنَّ بعضهم أنَّ بلالًا حينئذ أُمر بالأذان المعهود، فذكر مناسبة اختصاص بلال بذلك دون غيره، لكونه كان لما عذِّب ليرجع عن الإسلام، يقول: أحد أحد، فجُوزي / بولاية الأذان المشتمل على التوحيد في ابتدائه وانتهائه، وهي مناسبة حسنة في اختصاص بلال بالأذان(4)، إلَّا أنَّ هذا الموضع ليس هو محلُّها.
وفيه دليل على مشروعية طلب الأحكام من المعاني المستنبطة، دون الاقتصار على الظَّواهر، وفيه منقبة ظاهرة لعُمَر بن الخطَّاب ☺، وفيه مشروعية التَّشاور في الأمور المهمة، وأنَّه ينبغي للمتشاورين أن يقول كلٌّ منهم ما عنده، ثمَّ صاحب الأمر يفعل ما فيه المصلحة، وفيه التحين لأوقات الصَّلوات، قلت: وفيه كراهية التشبيه بأهل الكتاب، وفيه الردُّ على المستشار إذا أخطأ، وفيه أنَّ رؤيا المؤمن حقٌّ، وفيه الاستحياء ولو كان في حقٍّ.
فوائد: منها الاستشكال في إثبات الأذان برؤيا عبد الله بن زيد، لأنَّ رؤيا غير الأنبياء لا يُبنى عليها حكم شرعي، والجواب: مقارنة الوحي لذلك، وقد تقدَّم من الأحاديث ما يدلُّ على ذلك، قال شيخنا: أو لأنَّه أمر بمقتضاها لينظر أيقرُّ على ذلك أم لا، ولا سيَّما لما رأى سعد(5) دخول الوسواس فيه، وهذا ينبني على القول بجواز اجتهاده ◙ في الأحكام، وهو المقصود(6) في الأصول، ويؤيِّد الأوَّل ما رواه عبد الرزَّاق وأبو داود في «المراسيل» من طريق عُبَيْد بن عُمَير التَّيمي(7) أحد كبار التَّابعين أن عُمَر ☺ لما رأى الأذان جاء يخبر النَّبِيَّ ◙، فوجد الوحي قد ورد بذلك، فما راعه إلَّا أذان بلال، فقال له النَّبِيُّ ◙ سبقك بذلك الوحي، هذا أصحُّ مما حكى الدَّاوُدي: أنَّ جبريل أتى النَّبِيَّ بالأذان قبل أن يخبره عبد الله بن زيد بثمانية أيَّام، والله أعلم.
ومنها الترجيع في الأذان، وهو أن يُرجِّع فيرفع صوته بالشهادتين بعدما خفض بهما، وبه قال الشَّافعي ومالك، إلَّا أنَّه لا يأتي بالتكبير في أوَّله إلَّا مرَّتين، وقال أحمد: إن رَجَّعَ فلا بأس به، وإن لم يُرَجِّع فلا بأس به، وقال أبو إِسْحاق من أصحاب الشافعي: إنَّه إن ترك الترجيع يعتدُّ به، وحكى عن بعض أصحابه أنَّه لا يعتدُّ به، كما لو ترك سائر كلماته، كذا في «الحلية»، وفي «شرح الوجيز»، والأصحُّ أنه إن ترك الترجيع لم يضرُّه، وحجَّة الشَّافعي حديث أبي محذورة: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم عَلَّمَهُ الأَذَانَ: اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، أَشْهَد أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللهُ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، حَيَّ عَلَى الصَّلاة، حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ.، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، حَيَّ عَلَى الفَلَاحِ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، لَا إلَهَ إلَّا اللهُ)) رواه الجماعة إلَّا البخاري من حديث عبد الله بن مُحَيريز عن أبي مَحذُورَة، قال العَيني: وحجَّة أصحابنا _أي الحنفيَّة_ حديث عبد الله بن زيد من غير ترجيع فيه، وكأنَّ حديث أبي مَحذُورَة لأجل التعليم، فكرره فظنَّ أبو مَحذُورَة أنَّه ترجيع وأنَّه في أصل الأذان. وروى الطَّبَرَاني في «معجمه الأوسط» عن أبي مَحذُورَة أنَّه قال: ((أَلْقَى عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلعم [الأَذَانَ](8) حَرْفًا حَرْفًا: اللهُ أَكْبَرُ...)) إلخ. ولم يذكر فيه ترجيعًا، وأذان بلال بحضرة رسول الله صلعم سفرًا وحضرًا، وهو مؤذِّن رسول الله بإطباق أهل الإسلام / إلى أن توفي رسول الله صلعم ومؤذِّن أبي بكر الصِّدِّيق ☺ إلى أن توفي من غير ترجيع.
ومنها قال العَيني: أنَّ التكبير في أوَّل الأذان مربَّع، على ما في حديث أبي مَحذُورَة، رواه مسلم وأبو عَوانة والحاكم، وهو المحفوظ عن الشَّافعي من حديث ابن زيد ☺، وقال أبو عُمَر: ذهب مالك وأصحابه إلى أنَّ التكبير في أوَّل الأذان مرَّتين، قال: وقد روي ذلك من وجوه صحاح في أذان أبي مَحذُورَة، وأذان ابن زيد، والعمل عندهم بالمدينة على ذلك، في آل سعد القَرَظ إلى زمانهم، قال العَيني: الذي ذهبنا إليه هو أذان الملك النازل من السماء. انتهى.
ومنها في أذان الفجر الصَّلاة خير من النَّوم مرَّتين بعد الفلاح، لما روى الطَّبَرَاني في «معجمه الكبير» بإسناده عن بلال: ((أنَّه أتى النَّبِيَّ صلعم يؤذنه بالصبح، فوجده راقدًا فقال: الصَّلاة خير من النَّوم مرَّتين، فقال النَّبِيُّ صلعم: مَا أَحْسَنَ هَذَا يَا بِلَال، اجْعَلْهُ فِي أَذَانِكَ)) وأخرجه الحافظ أبو الشيخ في «كتاب الأذان» له عن ابن عُمَر قال: ((جاء بلال إلى النَّبِيِّ صلعم يؤذنه بالصُّبْح، فوجده قد أغفى، فقال: الصَّلاة خير من النَّوم، فقال له: اجْعَلْهُ فِي أَذَانِكَ إِذَا أَذَّنْتَ للصُّبْحِ، فجعل بلال يقولها إذا أذَّن للصُّبْح)) ورواه ابن ماجَهْ من حديث سعيد بن المُسَيِّب عن بلال: ((أنَّه أتى النَّبِيَّ صلعم يؤذِّنه بصلاة الفجر، فقيل: هو نائم، فقال: الصَّلاة خير من النَّوم الصَّلاة خير من النَّوم))، فأُقرَّت في تأذين الفجر، وخصَّ الفجر به لأنَّه وقت نوم وغفلة.
ومنها معاني كلمات الأذان، ذكر ثعلب أنَّ أهل العربيَّة اختلفوا في معنى أكبر، فقال أهل اللُّغة: معناه كبير، واحتجُّوا بقوله تعالى: {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ}[الروم:27] معناه: وهو هيِّن عليه، وكما في قول الشاعر:
تمنَّى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد
أي: لست فيها بواحد، وقال الكِسائي والفرَّاء وهشام: معناه أكبر من كلِّ شيء، فحذفت (من) كما في قول الشاعر:
إذا ما ستور البيت أَرخيت لم يكن سراج لنا إلَّا ووجهك أنور
أي: أنور من غيره، وقال ابن الأَنْباري: وأجاز أبو العبَّاس: الله أكبر، واحتجَّ بأنَّ الأذان سُمِعَ وقفًا لا إعراب فيه.
قوله: (أَشْهَدُ أَن لَا إِلَهَ إلَّا الله) معناه: أُعلم وأُبيِّن، ومن ذلك شهد الشاهد عند الحاكم، معناه قد بيَّن له وأعلمه الخبر الذي عنده، وقال أبو عبيدة: معناه أقضي كما في: {شَهِدَ اللهُ}[آل عمران:18] معناه: قضى الله، وقال الزَّجَّاجي: ليس كذلك، وإنما حقيقة الشَّهادة هو تيقُّن الشيء وتحققه، من شهادة الشيء أي: حضوره.
قوله: (رَسُولُ اللهِ) قال ابن الأَنْباري: الرَّسُول معناه في اللُّغة: الذي يتابع الأخبار من الذي بعثه، من قول العرب: قد جاءت الإبل رسلًا، إذا جاءت متتابعة، ويقال في تثنيته: رسولان، وفي جمعه: رسل، ومن العرب من يوحِّده في موضع / التثنية والجمع، فيقول: الرجلان رسولك، والرجال رسولك، قال الله تعالى: {إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ}[طه:47] وقال في موضع آخر: {إِنَّا رَسُوْلُ رَبِّ العَالَمِينَ}[الشعراء:16] ففي الأوَّل خرج الكلام على ظاهره، لأنَّه إخبار عن موسى وهارون ♂، وفي الثَّاني بمعنى الرسالة، كأنَّه قال: إنا رسالة ربِّ العالمين، قاله يُونُس، وقال أبو إِسْحاق الزَّجَّاجي(9): ليس ما ذكره ابن الأنباري في اشتقاق الرَّسُول صحيحًا، وإنَّما الرَّسُول المرسل: المبعَّد من أرسلت أي: بعَّدت وبعثت، وإنَّما توهَّم في ذلك لأنَّه رآه على فعول، فتوهَّمه ما جاء على المبالغة، ولا يكون ذلك إلَّا لتكرار الفعل، نحو ضروب وشبهه وليس كذلك، وإنما هو اسم لغير تكثير الفعل، بمنزلة عمود وعنود، وقال ابن الأنباري وفصحاء العرب: أهل الحجاز ومن والاهم يقولون: أشهد أنَّ محمَّدًا رسول الله، وجماعة من العرب يبدلون من الألف عينًا، فيقولون: أشهد عن. انتهى.
قوله: (حَيَّ عَلى الصَّلَاة) قال الفرَّاء: معناه هَلُمَّ، وفُتِحَت الياء من حيَّ لسكون الياء الَّتي قبلها، وقال ابن الأنباري: فيه ستُّ لغات: حيَّ هلًا بالتنوين، وفتح اللَّام بغير تنوين، وتسكين الهاء وفتح اللَّام بغير تنوين، وفتح الهاء وسكون اللَّام، وحيَّ هلَنْ، حيِّ هلن، قال الزَّجَّاجي: الوجه الخامس بالنُّون هو الأوَّل بعينه، لأنَّ التنوين والنون سواء، ومعنى الفلاح: الفوز، يقال: أفلح الرجل إذا فاز.
[1] قوله: «حديث» ليس في الأصل، وأضيف لتمام المعنى من فتح الباري وعمدة القاري.
[2] في الفتح والعمدة: «يفعلونه» بدل: «يتعلق به».
[3] كذا، وفي العمدة وشرح النووي: «قال النووي: ومذهبنا».
[4] قوله: «بالأذان» زيادة من الفتح.
[5] في الفتح: «نظمها يبعد».
[6] في الفتح: «المنصور».
[7] في الفتح: «الليثي».
[8] قوله: «الأذان» ليس في الأصل، والإضافة من عمدة القاري.
[9] في العمدة: «الزجاج».