مزيد فتح الباري بشرح البخاري

باب إذا استووا في القراءة فليؤمهم أكبرهم

          ░49▒ (بَابٌ: إِذَا اسْتَوَوْا فِي القِرَاءَةِ فَلْيَؤُمَّهُمْ أَكْبَرُهُمْ)
          أي: هذا باب ترجمته: إذا استووا... إلى آخره، يعني إذا استوى الحاضرون للصلاة في القراءة فليؤمهم من كان أكبر السن منهم.
          قال شيخنا: هذه الترجمة مع ما سأبيِّنُه من زيادةٍ في بعض طرق حديث الباب منتَزعة من حديثٍ أخرجه مسلم من رواية أبي مسعود الأنصاري مرفوعًا: ((يؤم القومَ أقرؤُهم لكتاب الله، وأقدمهم قراءة، فإن كانت قراءَتُهم سواء فلْيؤمَّهم أقدمُهم هجرة، فإن كانوا في الهجرة سواء فلْيؤمَّهم أكبرهم سنًّا...)) الحديثُ ومداره على إسماعيل بن رجاء عن أوس بن ضَمْعَجٍ عنه وليسا جميعًا مِن / شرط كتاب البخاري، وقد نقل ابنُ أبي حاتم في «العلل» عن أبيه أن شعبة كان يتوقف في صحة هذا الحديث، ولكن هو في الجملة يصلح للاحتجاج به عند البخاري فقد علَّق منه طرفًا بصيغة الجمع(1) كما سيأتي، واستعملَه هنا في الترجمة، وأَوْرَد في الباب ما يؤدي معناه، وهو حديث مالك بن الحويرث، لكن ليس فيه التصريح باستواء المخاطَبِينَ في القراءة، وأجاب الزين بن المنيِّر وغيره بما حاصلُه: أن تساويَ هجرتِهم وإقامتهم وعَرَضِهم(2) بها مع ما في الشباب غالبًا من الفهم، ثم توجه الخِطَاب إليهم بأنْ يُعلِّمُوا مَن وراءَهم مِن غير تخصيص بعضِهم دون بعضٍ دالٌّ على استوائهم في القراءة والتفقُّه في الدين. قال شيخنا: وقد وقع التصريحُ بذلك فيما رواه أبو داود من طريق مَسلمة بن محمد عن خالد الحَذَّاء عن أبي قلابة في هذا الحديث قال: وكنا يومئذ متقاربين في العلم. انتهى. قال: وأظن في هذه الرواية إدراجًا، فإن ابن خزيمة رواه من طريق إسماعيل بن عُليَّة عن خالد قال: قلت لأبي قِلابة: فأين القرآن(3)؟ قال: إنهما كانا متقاربَيْن.
          وأخرجه مسلم من طريق حفص بن غياث عن خالد الحَذَّاء وقال فيه: قال الحَذَّاء: وكانا متقاربيْنِ في القراءة، ويحتمل أن يكون مستند أبي قِلابة في ذلك هو إخبار مالك بن الحويرث، كما أن مستند الحَذَّاء هو إخبار أبي قلابة له به، فينبغي(4) الإدراج عن الإسناد والله أعلم.
          تنبيه: ضَمْعَج والدُ أوس بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم وفتح العين المهملة بعدها جيم، معناه: الغليظ.


[1] كذا في الأصل، ولعل الصواب: «الجزم».
[2] في الفتح: «وغرضهم».
[3] في ابن خزيمة: «القراءة».
[4] كذا في الأصل: «فينبغي»، ولعل الصواب: «فينتفي».