مزيد فتح الباري بشرح البخاري

باب: إذا بكى الإمام في الصلاة

          ░70▒ (بَابُ إِذَا بَكَى الإِمَامُ / فِي الصَّلَاةِ)
          أي: هذا باب ترجمته إذا بكى الإمام في الصلاة، يعني هل تفسد أم لا؟ ولم يذكر جواب: (إِذَا) لما فيه من الخلاف والتفصيل على ما نذكره عن قريبٍ إن شاء الله تعالى.
          قوله: (وَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ شَدَّادٍ) أي: ابن الهاد، تابعيٌّ كبير له رواية، ولأبيه صحبة. وقال الذهبي: عبد الله بن شداد بن أسامة بن الهاد الكناني الليثي، من قدماء التابعين. وقال في باب الشين: شداد بن الهاد، واسمُ الهاد: أسامة بن عمرو، وقيل له الهاد، لأنه كان يوقد النار في الليل ليهتدي إليه الأضياف. وقيل: الهاد، لقب جده عمرو، ترجمته في باب مباشرة الحائض.
          قوله: (سَمِعْتُ نَشِيجَ عُمَرَ _☺_ وَأَنَا فِي آخِرِ الصُّفُوفِ يَقْرَأُ: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}[يوسف:86]) هذا التعليق وصله سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن إسماعيل بن محمد بن سعد سمع عبدَ الله بن شداد بهذا، وزاد: في صلاة الصبح. وأخرجه ابن المنذر من طريق عبيد بن عمير، (قال: صلى عمر ☺ الفجرَ فافتتح بيوسف فقرأ: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ}[يوسف:84]، فبكى حتى انقطع ثم رجع). وقال البيهقي: أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن وأبو سعيد بن أبي عمرو حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق حدثنا حجاج، قال: قال ابن جريج سمعت ابن أبي مليكة يقول: أخبرني علقمة بن وقاص قال: كان عمر بن الخطاب يقرأ في العتمة بسورة يوسف ◙، وأنا في مؤخر الصف، حتى إذا جاء ذكر يوسف سمعت نشيجه من مؤخر الصف.
          قوله: (نَشِيجَ(1)) النشيج على وزن: فَعِيل بفتح النون وكسر الشين المعجمة وفي آخره جيم، مِن نَشَج الباكي ينشِج نشيجًا: إذا غُصَّ بالبُكاء في حلقه، أو تردد في صدره ولم ينسحب(2)، وكل صوت بدا كالنفخة فهو نشيج، ذكره أبو المعالي في «المنتهى». وفي «المحكم»: النشيجُ: أشدُّ البكاء، وقيل: هي فاقةٌ يرتفع لها النفَس كالفُوَاق، وقال أبو عبيد: النشيج هو مثل بكاء الصبي إذا ردد صوته في صدره ولم يخرجه. وفي «مجمع الغرائب»: هو صوتٌ معه توجع وتحزن. وقال السفاقسي: أجاز العلماء البكاء في الصلاة من خوف الله تعالى وخشيته، واختلفوا في الأنين والتأوه. قال ابن المبارك: إذا كان غالبًا فلا بأس، وعند أبي حنيفة: إذا ارتفع تأَوُّهُهُ أو بكاؤه فإنْ كان من ذِكْر الجنة والنار لم يقطعها، وإن كان من وَجَعٍ أو مصيبة قَطَعَها، وعن الشافعي وأبي ثور: لا بأس به إلا أن يكون كلامًا مفهومًا، وعن الشعبي والنخعي: يعيد الصلاة. قلتُ: المقرر في كتب الشافعية أنَّ المصلي إذا نطق بحرفين بطلت صلاتُه، وكذا إن نطق بحرفٍ مُفهِمٍ. انتهى.


[1] في الأصل: «نشيجه»، والصواب: «نشيج».
[2] كذا في الأصل: «ينسحب»، ولعل الصواب: «ينتحب».