مزيد فتح الباري بشرح البخاري

باب وجوب صلاة الجماعة

          ♫
          ░29▒ أَبْوَابُ الجَمَاعَةِ وَالإِمَامَةِ
          قال شيخنا: ولم يفرِده البخاري بكتابٍ فيما رأيت من نسخِ كتابه بل أَتْبَع به كتاب الأذان لتعلقه به، لكن ترجم عليه أبو نعيم في «المستخرج»: كتابُ صلاة الجماعة. فلعلها روايةُ شيخه أبي أحمد الجرجاني
          قوله: (بَابُ وُجُوبِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ)
          أي: هذا بابٌ في بيان وجوب صلاة الجماعة(1).
          قال شيخنا: هكذا بَتَّ الحكم في هذه المسألة، وكأنَّ ذلك لقوة دليلها عنده، لكن أطلق الوجوب وهو أعم من كونه وجوب عين أو كفاية، إلا أن الأثر الذي ذكره عن الحسن يُشعِر بكونه يريد أنه وجوبُ عين، لِمَا عُرِف من عادته أنه يستعمل الآثار في التراجم لتوضيحها وتكميلها وتعيين أحد الاحتمالات في حديث الباب، وبهذا يُجاب مَن اعترَض عليه بأن قول الحسن يُستدلُّ له لا به.
          قال العيني: لا يقال: هذه القسمة إلا في الفرض، فيقال: فرض عين وفرض كفاية، اللهم إلا أن يكون عند من لم يفرق بين الواجب والفرض، ومن أين علم أن البخاري أراد وجوب العين؟ ومن أين يدل عليه أثر الحسن؟ وكيف يجوز الاستدلال على وجوب العين بالأثر المروي عن التابعي وهذا محل نظر.
          قوله: (وَقَالَ الحَسَنُ) أي: البصري، ترجمته في باب { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا }.
          قوله: (إِنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنِ العِشَاءِ فِي الجَمَاعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا) يعني: إن منعت الرجلَ أمُّه عن الحضور إلى صلاة العشاء مع الجماعة، شفقةً عليه أي: لأجل الشفقة لم يطع أمه فيه، فهذا يدل على أن الصلاة بالجماعة فرض عندَه، ولهذا قال: لم يطع أمه، مع أن طاعة الوالدين فرض في غير المعصية، وإنما عيَّن العشاء، مع أن الحكم في كل الصلوات سواء لكونها من أثقل الصلاة على المنافقين. فإن قلتَ: الفجر كذلك. يقال: ذِكرُ أحدهما / يغني عن الآخر.
          وإنما عين الأمَّ مع أن الأب كذلك في وجوبِ طاعتهما، لأن الأم أكثرُ شفقةً من الأب على الأولاد.
          قال العيني: ولم يذكر صاحب «التلويح» _أي: مغلطاي_ ولا صاحب «التوضيح» _أي: ابنُ الملقن_ وصْلَ هذا الأثر مع كثرة تتبُّعِ صاحب «التلويح» لمثل هذا واتساعِ اطلاعه في هذا الباب.
          قال شيخنا: ولم ينبه أحدٌ من الشراح على مَن وصَل أثر الحسن، وقد وجدتُه بمعناه وأتم منه وأصرح في كتاب «الصيام» للحسين بن الحسن المروزي بإسنادٍ صحيح عن الحسن: في رجلٍ يصوم _يعني تطوعًا_ فتأمُرُه أمه أن يفطر؟ قال: فلْيفطر ولا قضاء عليه، وله أجر الصوم وأجر البِرِّ. قيل: فتنهاهُ أن يصليَ العِشاء في جماعة. قال: ليس ذاك لها، هذه فريضة.


[1] في العمدة: «بالجماعة».