مزيد فتح الباري بشرح البخاري

باب الاستهام في الأذان

          ░9▒ (بَابُ الِاسْتِهَامِ فِي الأَذَانِ)
          أي: هذا بابٌ في بيان حكم الاستهام _أي: الاقتراع_ في الأذان، ومنه قوله تعالى: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ}[الصافات:141]. قال الخَطَّابيُّ: وإنما قيل له: الاستهام؛ لأنهم كانوا يكتبون أسماءهم على سهام إذا اختلفوا في الشيء، فمن خرج سهمُه غلب، والقرعةُ أصلٌ من أصول الشريعة في حال من استوتْ دعواهم في الشَّيء لترجِّحَ أحدهم، وفيها تطييبُ القلوب.
          قوله: (وَيُذْكَرُ أَنَّ أَقْوَامًا اخْتَلَفُوا فِي الأَذَانِ فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ) أي: ابن أبي وقَّاص أحد العشرة المبشرة بالجنة. هذا التَّعليقُ أخرجه سعيدُ بن منصور والبيهقيُّ من طريق أبي عُبَيد كلاهما عن هُشَيم عن عبد الله بن شُبْرمةَ، قال: تشاحَّ(1) الناسُ في الأذان بالقادسية، فاختصموا إلى سعد بن أبي وقاص فأقرع بينهم. وهذا منقطع، وقد وصله سيفُ بن عمر في «الفتوح» والطبريُّ من طريقه عنه، عن عبد الله بن شبرمة عن شَقِيق، وهو أبو وائل، قال: افتتحنا القادسيةَ صدرَ النهار، فتراجعنا وقد(2) أصيب المؤذنُ، فذكره وزاد: فخرجتِ القرعةُ لرجلٍ منهم فأذَّن.
          قوله: (فِي الأَذَانِ) أي: في منصب التَّأذين، يعني: اختلافُهم لم يكن في نفس الأذان، وإنما كان في التَّأذين، والأذانُ يأتي بمعنى التأذين، وكان ذلك عند فتح القادسية في خلافة عمر بن الخطاب ☺ في سنة خمس عشرة، وكان سعدٌ يومئذٍ أميرًا على الناس.
          قال الصَّغّانيُّ: القادسيّةُ: قريةٌ على طريق الحاجّ على مرحلة من الكوفة، وحكى الجوهريُّ: أنَّ إبراهيم ◙ قدَّس على ذلك المكان، فلذلك صار منزلًا للحاج، وكان بها وقعةٌ للمسلمين مشهورةٌ مع الفرس في خلافة عمر. قال العينيُّ: وقيل: مرَّ إبراهيم ◙ بالقادسية، فوجد هناك عجوزًا، فغسلت رأسه، فقال: قُدِّستِ من أرض، فسُميت القادسية، وقيل: سُميت بذلك لنزول أهل قادس بها، وقادس: قرية بمروِالروذ، قال شيخنا: القادسيةُ: مكانٌ بالعراق معروفٌ، نسب إلى قادس، رجلٍ نزل به.


[1] في البيهقي: «تشاجر».
[2] زاد في الطبري: «أتى الصلاة وقد».