مزيد فتح الباري بشرح البخاري

باب: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة

          ░38▒ (باب إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة)
          أي: هذا باب ترجمته: إذا أقيمت إلى آخره، وهذه الترجمة بعينها لفظ حديث أخرجه مسلم في: كتاب الصلاة، من طرق كثيرة عن عمرو بن دينار المكي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة.
          وأخرجه أبو داود عن أحمد ابن حنبل، وأخرجه الترمذي عن أحمد بن منيع. وأخرجه النسائي عن أحمد بن عبد الله بن الحكم. وأخرجه ابن ماجه عن أبي بشر بن خلف.
          وأخرجه ابن خزيمة وابن حبان من رواية عمرو بن دينار عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة، فإن قلت: لأي شيء جعله البخاري ترجمة ولم يخرجه؟ قيل: اختلف على عمرو بن دينار في رفعه ووقفه، ولما كان الحكم صحيحًا ذكره في الترجمة، وأخرج في الباب ما يغني عنه، لكن حديث الترجمة أعم من حديث الباب لأنَّه يشمل الصلوات كلها وحديث الباب يختص بالصبح كما سنوضحه.
          ويحتمل أن يقال: اللام في حديث الترجمة عهدية فيتفقان، هذا من حيث اللفظ، وأما من حيث المعنى فالحكم في جميع الصلوات واحد، وقد أخرجه أحمد من وجه آخر بلفظ: ((فلا صلاة إلا التي أقيمت)).
          قال العيني: الحكم في الإنكار فيه أن يتفرغ المصلي للفريضة من أولها حتى لا تفوته فضيلة الإحرام مع الإمام فهذا يعم الكل في الحقيقة انتهى.
          وقال شيخنا: قوله: (إذا أقيمت) أي: إذا شرع في الإقامة، وصرح بذلك محمد بن جحادة عن عمرو بن دينار فيما / أخرجه ابن حبان بلفظ: ((إذا أخذ المؤذن في الإقامة)).
          وقوله: (فَلا صَلَاة) أي: صحيحة أو كاملة، والتقدير الأول أولى؛ لأنه أقرب إلى نفي(1) الحقيقة، لكن لما لم يقطع النبي صلعم صلاة المصلي واقتصر على الإنكار دل على أن المراد نفي الكمال، ويحتمل أن يكون النفي بمعنى النهي أي: فلا تصلوا حينئذٍ.
          ويؤيده ما رواه البخاري في «التاريخ» والبزار وغيرهما من رواية محمد بن عمار عن شريك بن أبي نمر عن أنس مرفوعًا في نحو حديث الباب وفيه: ((ونهى أن يصلوا إذا أقيمت الصلاة)) وورد بصيغة النهي أيضًا فيما رواه أحمد من وجه آخر عن ابن بحينة في قصته هذه فقال: ((لا تجعلوا هذه الصلاة مثل الظهر قبلها وبعدها واجعلوا بينهما فصلًا)) والنهي المذكور للتنزيه كما تقدم من كونه لم يقطع صلاته.
          قوله: (إلا المكْتُوبَة) فيه منع التنفل بعد الشروع في إقامة الصلاة سواء كانت راتبة أم لا؛ لأن المراد بالمكتوبة المفروضة، وزاد مسلم بن خالد عن عمرو بن دينار في هذا الحديث ((قيل: يا رسول الله ولا ركعتي الفجر قال: ولا ركعتي الفجر)) أخرجه ابن عدي في ترجمة يحيى بن نصر بن حاجب وإسناده حسن، والمفروضة تشمل الحاضرة والفائتة لكن المراد الحاضرة، وصرح بذاك أحمد والطحاوي من طريق آخر عن أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ: ((إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا التي أقيمت)).


[1] الأقرب للمعنى أنها: «نفي».