مصابيح الجامع الصحيح

باب: لا يقول فلان شهيد

          ░77▒ (باب لا يقال فلان شهيد)
          قيل: ليس فيما أورده فيه من الحديث من معنى الشَّهادة شيء، وإنَّما فيه ضدُّها والمعنى المترجم له إنَّما هو لما قالوا (ما أجزأ فلان) يمدحون فضله وغناه، فأوحى الله سبحانه إليه بغيب مآل أمره؛ حتَّى لا يشهدوا لأحد شهادة قاطعة.
          قوله: (شاذَّة ولا فاذَّة): نعت لمحذوف؛ أي: نسمةً أو نفسًا شاذَّة، ويحتمل أن تكون للمبالغة؛ كعلَّامة.
          قوله: (أما): بالتخفيف استفتاحية، أو بمعنى: حقًّا على رأي.
          قوله: (إنه): بالكسر على الأول والفتح على الثاني.
          الكرماني: (شاذُّة)؛ أي: ما انفرد من الجمهور، والتَّأنيث باعتبار النَّفس أو التَّاء للواحدة، والفاذَّة: الوَحْدة، قيل: الشَّاذُّ الذي يكون مع الجماعة ثمَّ يفارقهم، والفاذُّ الذي لم يكن قد اختلط بهم أصلًا.
          (أجزأ): يقال: أجزأني الشيء؛ أي: كفاني، وأجزأت عنك؛ أي: أغنيت عنك.
          و(ذباب السَّيف): طرفه الذي يضرب به.
          و(تحامل): أي: مال، وتحاملت على الشيء؛ إذا تكلَّفت الشيء على مشقَّة.
          فائدة: قال هنا: (فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابته بين يديه، ثمَّ تحامل على سيفه، فقتل نفسه)، / وفي رواية: (فانتحر نفسه) وفي رواية: (فقتل نفسه)، وفي رواية: (فانتزع سهمًا في كنانته، فقطع رواهشه)، والجمع أنَّه فعل الكل، والرواهش؛ بالرَّاء المهملة والشين المعجمة: عروق باطن الذراع.
          إن قلت: القتل معصية والعبد لا يكفر بالمعصية، فهو من أهل الجنة؛ لأنه مؤمن.
          قلت: لعلَّ الشَّارع علم بالوحي أنَّه ليس مؤمنًا، أو أنَّه سيرتدُّ؛ حيث يستحلُّ قتل نفسه، أو المراد من كونه من أهل النَّار أنَّه من العصاة الذين يدخلون النَّار ثمَّ يخرجون منها، وفيه: أنَّ الاعتبار بالخواتيم وبالنَّيات، وأنَّ الله يؤيد هذا الدَّين بالرَّجل الفاجر.