مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الهمزة مع اللام

          الهَمزَة مع اللَّام
          51- «تَرِبَتْ يَداكِ وأُلَّتْ» على وَزنِ غُلَّت [بضمِّ أوَّله]، / كذا في كتاب مُسلمٍ، قال بعضُهم: صَوابه «وأُلِلْتِ» على وزن طعنت؛ أي: طُعِنَت بالألَّة وهي الحربةُ، وهذا على مَذهبِ العَربِ في أدعِيَتها المُعتادَة في دَعمِ كَلامِها، ولا تُرِيدُ وقُوعَها، وقد يُخرَّج «ألَت» كما رُوِي على بَعضِ لُغاتِ العَربِ من بَكرِ بنِ وائلٍ ممَّن لا يرَى تَضعِيف الفِعْل إذا اتَّصل به الضَّمير المَرفُوع، فيقولون: رَدْتُ بمعنى ردَدْتُ، [ومنه قولُهم: ما له غُلَّ وأُلَّ].
          وقال أبو الحُسينِ بنُ سِرَاج: وقد يصِحُّ أن يكون «أُلَتْ» بلامٍ واحِدَة بمعنى افتقَرَت، [ويكون بمعنَى تَرِبَت يداك]، قال صاحبُ «العين»: الألُّ الشِّدةُ.
          [وقال الأستاذُ ابنُ الأخْضَر(1) : معنى «أُلَّت» دُفِعَت، من قولهم: أُلَّ وغُلَّ]، وقد ذُكِر عن أبي بَكرِ بنِ مُفَوَّز أنَّه كان يقول: هو حرفٌ صُحِّف، وإنَّما الكَلامُ: «ترِبَتْ يداكِ قالتْ يعني عائشةُ: فقال رسولُ الله صلعم» فتصحَّف و«أُلَّت» من «قالت»، وقد كان يمكِنُ هذا الذي قال لولا أنَّا قد رَوَينا من طريقِ العُذريِّ في «الأمِّ» فيه: «ترِبَتْ يدَاكِ وأُلَّتْ قالَت عائشَةُ»، ومع هذا لا يصِحُّ هاهنا تكرَارُ.
          [قوله تعالى: {لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً}[التوبة:10] فسَّره البُخاريُّ «بالقَرابَةِ» [خ¦58/3-4924]، وكذلك فسَّره غيرُه، وقيل: «الإِلُّ» هنا اسمٌ من أسماءِ الله تعالى، وهذا لا يصِحُّ على أصُولِنا، وقيل: «الإل» العَهدُ، وهو الذِّمةُ نفسُه كرَّره لاختِلاف اللَّفظَين، وقيل: الحلفُ، وقيل: الجوارُ، وقيل: اليمِينُ، وجمعُ القَليلِ الألُّ، والكثيرِ الآلُ].
          52- وقالت في حَديثِ مَجَامِر أهلِ الجنَّةِ: «الأَلَنْجُوجُ» في تَفسيرِ الألوة وهو العُودُ الهِنديُّ، ويقال: يَلَنْجُوج بالياء وألَنْجِج [ويَلَنْجَج]، ووقَع في كتابِ الأصيليِّ: «الأَنْجُوجُ» [خ¦3327] بالنون بغَيرِ لامٍ، وهو وَهمٌ وتصحِيفٌ.
          53- [قوله: «اقرَؤُوا القُرآنَ ما ائتَلَفَتْ عليه قلوبُكم» [خ¦5061]؛ أي: ما اجتمَعَت ولم تختَلِفوا فيه، يقال: ائتلف الشَّيءُ يأتلِف ائتلافاً فهو مُؤتلَف، وألَفته وألَّفته جمَعْتُه، ومنه: {فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ} [آل عمران:103]؛ أي: جمَع بعدَ الشَّتاتِ.
          ومعنى الحَديثِ النَّهيُ عن الاخْتِلافِ في القُرآنِ، قيل: لعلَّه في حرُوفه لِمَا يؤُول الاختِلافُ فيها بالمُختَلِفين من ردِّ بعضِهم ما يقرَأ بعضٌ وجَحدِه له، مع أنَّه قرآن كلُّه، نزَل على حرُوف سَبعة، وقد كان ذلك وظهَر في زمان الصَّحابةِ، ولعلَّه أراد الاختِلافَ في تَأويلِه بالرَّأيِ والاجتهادِ فيما لا يسُوغُ فيه الاجتِهاد، حتَّى يؤُول ذلك بهم إلى الافتِراقِ في العَقائدِ، واختِلاف المَذاهبِ، كما كان ذلك عند جمهُور المُعتَزِلة والمُرجِئة والإباضِيَة وغيرِهم من طوائف المُبتَدعةِ، ويحتَمِل أن يكون هذا عندي في زمَنِه؛ لكَونِه بين أظهُرِهم ويجب عليهم الرُّجوع إليه فيما أشكل عليهم منه]
.
          قوله صلعم (2) : «أَلْفَتْنا نِعمَتُكَ» يعني وجَدَتْنا وصادَفَتْنا، [كقَولِه تعالى: {أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا} [البقرة:170]، وقال في مَوضعٍ آخَر: {وَجَدْنَا}[المائدة:104].
          وقوله في الدَّابةِ: «ترجِعُ إلى مَألَفِها» [خ¦1211] يعني المَوضعَ الَّذي ألِفَته للوُقُوف فيه والرَّاحة والعلفِ، وهو مَفعل من آلَفت الشَّيءَ أَلِفه ألفاً، وآلَفْته أُولِفُه إيلافاً.
          54- وقول سَعدٍ ☺: «لا آلُو بهم صلاةَ رَسولِ الله صلعم» [خ¦770]؛ أي: لا أُقَصِّر، ومِثلُه قوله: «كِلاهُما لا يَأْلُو عن الخَيرِ»؛ أي: لا يُقصِّر في اجتِهَاده، يقال: ألَوتُ في الماضي غير ممدُود، آلو ممدود في المُستَقبل، ومِثلُه في حَديثِ الزَّوجِ: «لا آلُوه إلَّا ما عجَزْتُ عنه» هو في «مُوطأ» ابنِ عُفيرٍ وحدَه(3)؛ أي: ما أُقصِّر ولا أترُك من برِّه إلَّا ما لا أقدِرُ عليه ولا أستطيعه.
          وقوله: «آل حامِيمَ» [خ¦5043] قال الفرَّاءُ: نسَب السُّوَر إلى كَلِمة حَامِيم الَّتي في أوَّلها، كما يقال آل النَّبيِّ، وقد يكون «آل» هنا هو سُور حامِيم نَفسها، كما قيل: «مَزاميرِ آلِ داوُدَ» [خ¦5048] يريد مزامير داودَ نَفسِه، والآل يقَعُ على ذات الشَّيءِ وعلى ما يُضاف إليه.
          وقيل الوَجهان في «آلِ محمَّدٍ» [خ¦3370] إنَّهم أمَّته، وقيل: هو نفسُه، في حَديثِ الصَّلاةِ عليه، وقيل: آله قَرابَتُه، والمرادُ في تحريمِ الصَّدقةِ عليه وعليهم، وهم قرابته الأدنون إليه، أو عَشِيرته، أو بنو هاشم فحَسْب، أو بنو هاشم وبنو المُطلب فحَسَب، على ما وقَع في ذلك من الاختِلافِ بين الفُقهاء.
          وذكَر أبو عُبيدٍ أنَّ «حم» اسمٌ من أسماءِ الله سُبحانه، وهذا أيضاً لا يصِحُّ على مَذهبِ مُحقِّقي أهل السُّنَّة، وسيأتي تفسِير «حم» في حَرفِ الحاء إن شاء الله [ح م].
          وقوله: «إنَّ الأُلَى...بَغَوا علَينا» [خ¦2837] بقَصرِ الهَمزةِ، ومعناه: الَّذين، ولا واحِدَ له مِن لَفظِه، وإنَّما واحدُه الذي، وأُولُو كرَامَتِه يعني: ذَوِي كَرامَتِه، واحدُه أيضاً الذي من غَيرِ لَفظِه، وهو يُمدُّ(4) ويُقصرُ، يقال: هؤلاء، ويقال: هؤلا، وبعضُ العَربِ يقول: هولى بغيرِ ألفٍ بعد الهاء، وبغَيرِ همزةٍ بعد اللَّام، ولا واحدَ له من لَفظِه، والهاءُ في أوَّلِه للتَّثنِيةِ.
          55- قوله: «عذابٌ ألِيمٌ» [خ¦2672]؛ أي: مُؤلم مُوجع، فَعِيل بمعنَى مُفعِل، ويقال: ذو ألَمٍ، خرَج مخرج النَّسبِ كــ«لابنٍ» و«تامرٍ».
          وقوله: «ومَجامِرُهم الأَلُوَّةُ» [خ¦3245] يعني أهلَ الجنَّة، رُوِي بفَتحِ الهَمزةِ وضمِّها وضمِّ اللَّام وسُكونها، قال الأصمعيُّ: هو العُود الَّذي يُتبخَّر به، وهي كَلِمة فارسِيَّة عُرِّبت، قال الأزهَريُّ: ويقال: لِيَّة ولُوَّة، وحُكِي عن الكِسائيِّ: إِلِية، بكَسرِ الهَمزةِ وكَسرِ اللَّام، وقد جاء تفسِيرُها في البُخاريِّ قال: «وهو الأَلَنْجُوجُ» وهنا وقَع للأصيليِّ بغَيرِ لامٍ بين الهَمزةِ والنُّونِ: «الأنجُوجُ» وهو وهمٌ كما تقدَّم [أ ل].
          56- قوله في حَديثِ المُلاعنة: «سَابِغَ الأَلْيَتَينِ» [خ¦4747] بفَتحِ الهَمزةِ وسُكون اللَّام، وهما اللَّحمَتانِ المُؤخَّرتان اللَّتان تكتَنِفان مخرج الحيوان، وهما من ابنِ آدم المَقعدَتان، وجمعُها أَلَيات بفَتحِ اللَّام، ومنه قوله صلعم: «لا تقوم السَّاعة حتَّى تَضطَرِبَ ألَيَاتُ نِساءِ دَوْسٍ على ذي الخَلَصَة» [خ¦7116]، والواحِدةُ ألْية بإسْكانِ اللَّامِ وفَتحِ الهَمزةِ.
          قوله: «آلَيْتُ...أقولَها لكَ»؛ أي: لا أقولها، و«تأَلَّى أَلَّا يَفعَلَ خَيراً»؛ أي: حلَف، والألِيَّة اليَمينُ، يقال: آليت وائتلَيت وتألَّيت أَلِيَّة وأُلْوَة وأَلْوَة وإِلْوَة كلُّ ذلك لُغاتٌ فيها، ولم يَعرِف الأصمعيُّ كسرَ الهمزةِ في أوَّله]
.


[1] وللبيت روايات انظرها في «رسالة الصاهل والشاجح» ص88، و«خزانة الأدب» ░1/121▒.
[2] هذا من قول عروة، لا من قول النبي صلعم.
[3] هو في رواية الشيباني للموطأ أيضاً، وعذره في نفي وجوده في غير رواية ابن عُفير، أنَّ فريقاً من العلماء يعدون رواية الشيباني كتاباً مستقلاً لمحمد بن الحسن وليس برواية للموطأ؛ نظراً للتصرف الكبير لمحمد فيه.
[4] في (ن): «وهو لا يمد» وهو وهم.