مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الهمزة مع الراء

          الهَمزَة مع الرَّاء
          34- قوله صلعم: «أَرِبَ، ما لَهُ؟!». / [خ¦1396]
          ويُروَى: «أَرِبٌ، ما لَهُ؟!» اسم فاعل مثل: حذِرٌ، ورواه بعضُهم: «أَرَبٌ، ما لَهُ؟!».
          ورواه أبو ذَرٍّ: «أَرَبَ، ما لَهُ؟!» بفتح الهمزة والرَّاء والباء.
          فمن كسر الرَّاء جعَلَه فِعلاً معناه احتاج فسَأل عن حاجَتِه، قاله ابنُ الأعرابيِّ، وقد تكون بمعنى تفطَّن لما سأل عنه وعَقَل، يُقال: أَرِب إذا عَقَل أرَباً وإرْبة فهو أريب، وقيل: تعجُّبٌ من حِرْصه، ومعناه: لله دَرُّه، قاله ابنُ الأنباريِّ؛ أي: فَعل فِعل العُقلاء في سُؤاله عمَّا جهِلَه، وقيل: هو دعاءٌ عليه؛ أي: سقَطت آرَابُه وهي أعضاءه، واحدُها إربٌ كما قال: «ترِبَتْ يمينُه» [خ¦1396]، و«عَقْرَى حَلْقَى» [خ¦1561]، وليس المُراد وقُوع هذا الدُّعاء، ولكن عادَة العَربِ استِعمالُ هذه الألفاظ في دَعمِ كلامها، وإلى هذا [المعنى] ذهَب القُتَبِيُّ، قال: وإنَّما دعَى عليه بهذا لما رآه يُزاحِم ويُدافِع غيره.
          وقد جاء في حَديثِ عمرَ ☺: «أرِبْتَ عن يدَيكَ»؛ أي: تقَطَّعت آرابك أو سقَطَت، فهذا يَدُلُّ على أنَّه لَفظٌ مُستَعمل عندهم بمعنى الدُّعاء الذي لا يراد وقوعه.
          ومن قال: «أرَبٌ ما لَهُ» فمعناه حاجَة جاءَت به، قاله الأزهريُّ، وتكون «ما» زائدة، وفي سائر الوُجوهِ استِفْهامية، ومن قال: «أرِبٌ ما لَهُ» فمعناه رجُلٌ حاذق فَطِن سأل عمَّا يعنِيه، والأرَبُ والإِرْبُ والإِرْبَةُ والمأربة: الحاجَة، ولا وجه لقول أبي ذرٍّ: «أرَبَ».
          وفي الحَديثِ: «لا أرَبَ لي فيه» [خ¦1412]؛ أي: لا حاجَة [لي فيه.
          وفي حَديثِ عائشَةَ ♦: «وأيُّكم أمْلَكُ لإرْبِه مِن رَسولِ الله صلعم ؟!» [خ¦1927] بكَسرِ الهَمزةِ رَوَيناه، وفسَّرُوه لحاجَتِه، وقيل: لعَقْلِه، وقيل: لعُضوِه، قال أبو عُبيدٍ والخَطَّابيُّ: كذا يقوله أكثرُ الرُّواةِ، والإرْبُ: العُضوُ، وإنَّما هو: «لأَرَبه» أو «لإِرْبَتِه»؛ أي: حاجَتِه، قالوا: والإِرْبُ أيضاً الحاجَةُ، قال الخَطَّابيُّ: والأوَّلُ أظهَرُ.
          وقد جاء في «المُوطَّأ» في رِوايَة يحيَى: «أيُّكم أملَكُ لنَفْسِه»، وأصلَحه ابنُ وضَّاحٍ: «لإِرْبِه»، وفي الحَديثِ: «أعتَق الله بكلِّ إرْبٍ منه إرْباً منه منَ النَّارِ»؛ أي: بكلِّ عُضوٍ عُضواً]
.
          35- «الأُرجُوان» بضَمِّ الهَمزةِ و [ضمِّ] الجيم الصُّوف الأحمر، [وقال الفرَّاء: هو الحُمْرة، و] قال أبو عُبيدٍ: [هو الشَّديدُ الحُمرةِ]، ولا يُقالُ لكلِّ أحمرٍ أُرْجُوانٌ حتَّى يكون شديد الحُمرةِ.
          36- في الحديثِ: «منَعَتْ مِصْرُ إرْدَبَّها» بكَسرِ الهَمزةِ وإسكان الرَّاء وفتح الدَّالِ وشدِّ الباء، وهو ثلاثة أمداء، [و«المُدْيُ» ساكنُ الدَّال سَيأتي تفسِيرُه في باب الميمِ [م د].
          37- قوله صلعم: «إنَّكُم على إرْثٍ» أصلُ هذه الهَمزةِ واوٌ قُلِبت ألفاً لمكان الكَسرَةِ؛ أي: إنَّكم على بقيَّةٍ من شِرعَة إبراهيمَ وأمْرِه القَديمِ]
.
          38- قوله صلعم: «إنَّ الإيمانَ ليأرِزُ إلى المَدينةِ» [خ¦1876] هذا لأكثَرِهم بكَسرِ الرَّاء [في هذه الأصُول وغَيرِه، وكذا قيَّده الأصيليُّ بخَطِّه، وزادني] أبو الحسين بن سِرَاج: «ليأرُزُ» بضمِّ الرَّاء، [وقيَّده بعضُهم من كتاب القابِسيِّ بفتح الرَّاء، وحُكِي عنه أنَّه هكذا سمِعَه من أحمدَ المروزيِّ](1)، ومعناه ينضمُّ ويجتَمِع، [وقيل: يرجع كما جاء في الحَديثِ: «ليَعُودَن كلُّ إيمانٍ إلى المَدينةِ»]، وفي كتاب «الدلائل»: أرزت الحيَّة إذا رجَعَت على ذَنبِها القَهقَرى في حجرِها.
          وقوله: «كمَثَلِ الأَرْزَةِ» [خ¦7466] بفَتحِ الهَمزةِ وسُكونِ الرَّاء، كذا الرِّوايةُ، [وهو شَجر الأرْز]، وهو الصَّنوبَر، [ويقال له: الأرْزَن أيضاً]، وقال أبو عُبيدَة: إنَّما هو / الآرِزَة على وَزنِ فاعِلَة، ومعناها الثَّابِتة في الأرضِ، وأنكَر هذا أبو عُبيدٍ، [وصحَّح ما تقدَّم.
          وقد جاء مُفسَّراً في حَديثٍ قيل فيه: «كمَثلِ شَجرَة الأَرْزَةِ»، وجاء في الزَّكاة ذِكْر الأرْزِ.
          في حَديثِ الثَّلاثةِ أصحاب الغَارِ: «فَرَقٌ مِن أَرُزٍّ» [خ¦3465]، وفيه سِتُّ لُغَات: أُرُز وأُرْز أُرُز ورُزٌّ ورُنْزٌ(2) وأَرُز.
          39- وفي حَديثِ ابنِ الأكْوعِ ☺: «جعَلْتُ عليهِ آراماً» يعني حِجارةً مُجتَمِعَةً، تُوضَع عليها يُهتدَى بها، واحدُها إرَمٌ، وقال بعضُهم: لعلَّه: «أماراً» أو «أَمارَةً»؛ أي: عَلامَة، وهذا لا يحتاجُ إليه مع صِحَّة الرِّواية؛ ولأنَّ تلك الحجارةَ عَلامَة]
.
          40- قوله في الجَنازةِ: «مِن أهلِ الأرضِ» [خ¦1312] يعني من أهل الذِّمة الذين أُقِرُّوا بأرْضِهم.
          41- [قوله: «أَرِقَ(3) النَّبي صلعم» [خ¦7231]؛ أي: سَهِر فلم يقدِر على أن ينام، وفيه لُغَتان فتح الرَّاء وكَسرها، والمَصدَر منه الأَرَقُ، ومنه: «بات أرِقاً» اسم الفاعل مِثل حَذِر].
          قوله: «أراقَ الماءَ» كِنايَة عن البَولِ، وهذا هو الأصلُ، ثمَّ تُبدَّل الهَمزةُ هاء، فيقال: هراق الماء يهريقه وأهْرقتُ الماء فأنا أهْريقه بسكون الهاء فيهما.
          وقوله: «كانَتْ تُهراقُ الدِّماءَ» الدِّماء نصبٌ على التَّشبِيه بالمَفعُول به، أو على التَّمييزِ عند الكُوفيِّين، [وفيه وجه آخر قد ذكَرتُه في غير هذا الكِتابِ]، و [هو أنْ] يجُوز أنْ تكون [الدِّماء] مَفعُولة بتُهرَاق؛ لأنَّ مَعناهُ تُهَريق الدِّماء، لكنَّهم عدَلوا بالكَلِمة إلى وَزنِ ما في مَعناها، وهي في معنَى تُستَحاض، [ولهذا بيَان لا يحتَمِله هذا المَوضِع.
          42- قوله: «تحتَ الأرَاكِ... مُعْرِسِينَ»، «الأرَاكُ» شجَر مَعلُوم بمكَّةَ، يريد يَستَتِرون به]
.


[1] في (س): (وحكى القابسي عن المروزي بفتح الراء).
[2] في هامش (ن): (نسخة أرنز).
[3] ضبطت في الأصول بضبطين المثبت و: أَرَقَ.