مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الهمزة مع الثاء

          الهَمزَة مع الثَّاءِ
          13- قوله: «سَتَلقَونَ بَعدِي أُثْرةً» [خ¦3792] بضَمِّ الهَمزةِ وإسكان الثَّاء.
          ويُروَى: «أَثَرةً» بفَتحِهما، وبالوَجهَين قيَّده الجَيَّانيُّ، وبالفَتحِ قيَّده غيرُه عن الأصيليِّ والطَّبريِّ والهَوزَنيِّ، وقيَّدناه عن الأسديِّ وغَيرِه بالضَّمِّ، والوَجهان صَحِيحان، ويقال أيضاً: «إِثْرَة» بكَسرِ الهَمزةِ وسُكون الثَّاء.
          قال الأزهريُّ: وهو الاستِئثارُ؛ أي: يُستَأثَر علَيكُم بأمُورِ الدُّنيا، ويُفضَّل غيرُكم علَيكُم، ولا يُجعَل لكم في الأمرِ نَصِيبٌ، وحُكِي لي عن الشَّيخِ أبي عبدِ الله / النَّحويِّ محمَّدِ بنِ سُلَيمانَ [المَعرُوف بابنِ أُختِ غانمٍ] عن أبي عليٍّ القاليِّ: أنَّ الأثرَةَ الشِّدَّةُ، وبه كان يتأوَّلُ الحديثَ، والتَّفسيرُ الأوَّلُ أظهَر، وعليه الأكثرُ، وسياقُ الحديثِ وسَببُه يشهَدُ له، وهو إيثارُهم المُهاجرِين على أنفُسهِم، فأجابَهم صلعم بهذا.
          وفي الحديثِ: «فآثَرَ الأنصَارُ المُهاجِرِينَ» [خ¦24/18-2245]؛ أي: فضَّلُوهم، وفي البَيعةِ: «وأَثَرَةٍ علَينا» [خ¦7056]، كلُّه بمعنًى واحدٍ.
          ومنه في حديثِ رافعٍ: «فآثَرَ الشَّابَّةَ علَيها» يعني: على ابنةِ محمَّدِ بنِ مَسلمَةَ.
          وفيه: «فأَصبِرُ على الأُثْرةِ» روَيناه عن الجَيَّانيِّ: «على الأَثَرَة» بالفَتحِ، وعن غَيرِه بالضَّمِّ.
          وفي حديثِ عائشةَ ♦ في مَدفَنِ عمرَ ☺: «والله لا أُوثِرهُم بأحَدٍ أبَداً» [خ¦7328] تعنِي غيرَ نَفسِها لتُدفَنَ معَهما، كذا في جميعِ النُّسخِ، ومعناه على القلبِ؛ أي: لا أُوثِر أحداً بهم؛ أي: لا أكرِمُه بدَفنِه معهما.
          ولعلَّه: (لا أُثِيرُهم بأحدٍ)؛ أي: لا أنبُشُ التُّرابَ حولهم لدفنِ أحدٍ، وتكون «الباء» بمعنَى «اللَّام»، يُقالُ: أَثَرْتُ الأرضَ إذا أخرَجتَ تُرابَها.
          وقيل في قَولِ عائشةَ ♦: «لا أُوثِرُهم بأحدٍ أبَداً»؛ أي: لا أُفضِّل غيرَهم تَفضِيلَهم تعني جميعَ الصَّحابةِ.
          وفي البُخاريِّ: «لَأُوثِرنَّه اليومَ على نَفسِي» [خ¦1392] تعني: عمرَ، وهذا من الإيثارِ بمعنَى التَّقديم، وهو يَشهَد للقَولِ الأوَّلِ.
          وقول الفَضلِ(1) : «لا أُوثِرُ بنَصِيبي مِنكَ أَحداً» [خ¦2366]؛ أي: لا أفضِّلُ.
          وقول عمرَ ☺ في اليَمينِ بغَيرِ الله تعالى: «ولا آثِراً» [خ¦6647]؛ أي: حاكِياً عن غَيرِي.
          وفي حديثِ أبي سُفيانَ مع هِرقلَ: «لولا الحياءُ مِن أن يأثِرُوا(2) عليَّ كذِباً» [خ¦7] مِثلُه؛ أي: يحكُوه عنِّي، ويتحَدَّثوا به، أثَرْتُ الحديثَ مقصورُ الهمز، آثُره(3) بالمَدِّ وضمِّ الثَّاء وكَسرِها، أُثْراً ساكِنَة الثَّاء حدَّثتُ به، ومنه قول حسَّانَ(4) :
ذهَبَ الَّذي أثَرَ الحديثَ بطَعنةٍ                     ................
          وقوله: «فيَظَلُّ أثَرُهَا مِثلَ الوَكتِ» [خ¦6497] بفَتحِ الثَّاء رَوَيناه، ويُقالُ في اللُّغة: أثرُ الجرحِ(5) وأَثَره، وكذلك أثَر الإنسانِ وغَيرِه، وبقيَّة كلِّ شيءٍ أثرُه، والأثرُ أيضاً الأجلُ، ومنه قولُه: «مَنْ أَحَبَّ أن يُنْسَأَ لَهُ في أَثَرِه» [خ¦2067]؛ أي: يؤخَّرَ في / أجَلِه، وقد يُراد به بقاء الذِّكر مِن بَعدِه.
          وفي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ، يَعنِي ابنَ الزُّبيرِ ♥: «فآثرَ التُّوَيْتَاتِ» [خ¦4665]؛ أي: فضَّلَهم يعني أَبطُناً من بني أسدٍ، ومِثلُه: «على أَثَرِه» [خ¦504] و«إِثْرِه» [خ¦632]؛ أي: مُتَّبعاً له بعدَه.
          [وقوله في «كتابِ الحجِّ»: «وعَفَا الأَثَرُ» [خ¦1564]؛ أي: دَرَسَ أثَرُ الحُجَّاج في الأرضِ، ويقال: ذهَب أثَر الدَّبَر من ظُهور الإبلِ من المَحامِلِ والأقتابِ؛ أي: علاه الشَّعر فغطَّاه، وقيل: أَثَرُ الشَّعَثِ عن الحاجِّ وتعب سَفرِهم].
          14- قوله في حديثِ صنعَةِ المِنبَرِ: «مِن أَثْلِ الغَابَةِ» [خ¦377] بفَتحِ الهَمزةِ وسُكونِ الثَّاء، وهو شَجَر شَبِيهٌ بالطَّرفاءِ لكنَّه أعظمُ منه، وقيل: هو الطَّرفاءُ نفسُها.
          وقول أبي قَتادَةَ في حديثِ الدِّرعِ: «إنَّه لأَوَّلُ مالٍ تأَثَّلْتُه» [خ¦2100]؛ أي: اتخذتُه أصلاً، وأَثْلَةُ الشَّيء بفَتحِ الهَمزةِ وسُكونِ الثَّاء أصلُه، ومنه: «غيرَ مُتأَثِّلٍ مالاً». [خ¦2313]
          15- وقوله: «فأَخبَرَ مُعَاذٌ بذلك عند مَوتِه تَأثُّماً» [خ¦128]؛ أي: تحرُّجاً وخوفاً من الإثمِ، ومِثلُه قوله: «فلمَّا كان الإسلامُ تأَثَّمُوا منه» [خ¦2050]؛ أي: خافُوا الإثمَ، ويكون بمعنى طَرحِ الإثمِ.
          وقوله: «ثُمَّ أَثِمَ»؛ أي: حنِثَ.
          قوله: «آثَمُ له عِندَ الله» [خ¦6625] ممدود؛ أي: أعظمُ إثماً، يعني: اللَّاجَّ في يَمِينه الآبي من الحنثِ والكفَّارةِ.
          وقوله في «باب الصَّلاةِ في الرِّحالِ»: «كرِهْتُ أنْ أُؤَثِّمَكُم» [خ¦668]؛ أي: أُدخِل عليكم الإثمُ وهو الحرجُ، بسَببِ ما يدخل عليكم من المَشقَّة في الخرُوجِ، فرُبَّما كان مع ذلك السَّخطُ وكراهِيَة الطَّاعة كما في الحديثِ الآخَر: «وأَرادَ أن لا يُحرِجَكُم». [خ¦668]
          و«الإِثْمِد»: [خ¦76/18-8499] حجَر أسوَد يُكتَحَل به.


[1] اختلف العلماء في قائل ذلك، هل هو الفضل أم عبد الله: ابني العباس، وما اختاره القاضي عياض تبع فيه ابنَ بطال، ورجَّح ابنُ حجر تبعاً لابن التين أنه عبد الله، انظر: «فتح الباري5 /39».
[2] ضبطت في الأصول بضبطين المثبت و: يأثُـرُوا.
[3] ضبطت في الأصول بضبطين المثبت و: آثِره.
[4] بل هو لكعب بن الأشرف اليهودي يبكي قتلى المشركين في بدر، كما في «سيرة ابن هشام: 3/319» ولفظه:
~ صَارَ الَّذِي أَثَرَ الْحَدِيثَ بِطَعْنةٍ                      أَوْ عَاشَ أَعْمَى مُرْعَشاً لَا يَسْمَعُ
[5] ضبط بضبطين: أَثَرُ الجُـرحِ، و: أُثْرُ الجَرحِ.