مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الهمزة مع الواو

          الهمزَة مع الوَاوِ
          94- قوله: «حتَّى آبَتِ الشمسُ»؛ أي: غابَت، قاله الخَليلُ.
          وقوله في الصَّلاةِ الوُسطَى: «صلاةُ الأوَّابينَ» الأوَّاب المُطيعُ، وقيل: الكَثِيرُ الرُّجوع إلى الله، وقيل: المُسبِّح، وقيل الرَّاحِم، وقيل الفَقِيهُ.
          وقوله: «آيِبُونَ» [خ¦1797]؛ أي: راجِعُون، و«لا يؤُوبُ» لا يرجِعُ، [ليس من حَريمِه ولا آلِهِ.
          95- قوله]
: «الأُوقِيَّةُ» [خ¦2097] مَضمُومة الهَمزةِ مُشدَّد الياء، والجمعُ أواقي، مثل أُضحِيَّة وأضاحِي وهو المَعرُوفُ، وكثيرٌ من شيُوخِنا يقول: أواقٍ مثل أضاحٍ [وجوارٍ]، وبعضُهم يقول: «وَقِيَّة» [خ¦2168]، كذا وقَع لابنِ سُكَّرَةَ في مَوضِعٍ من كتاب مُسلمٍ، وفي كتاب البُخاريِّ لجميعهم في الشُّروطِ، وخطَّأ هذا الخَطَّابيُّ، وجوَّزه ثابتٌ، [كما قالوا: أثافٍ]، وحكى اللِّحيانيُّ وَقِيَّة ووَقايا مثل ضَحِيَّة وضَحايَا، وبعضُ الرُّواةِ يمُد «أواق» وهو خطَأٌ.
          96- وقَولهُ: «أوْلَى لَهُ»، و«أوْلَى [والذي نَفسِي بيَدِه» ] هي كلِمَة تقُولها العرَبُ عند المَعتَبة(1) بمعنى: كيف لا، وقيل: معناها التَّهديد والوَعِيد، / وقيل: دنوتَ من الهَلكةِ فاحْذَر، قاله الأصمعيُّ، قيل: وهي مَأخُوذَة من الولي، وهو القُربُ، فعلى هذا لا يكون في حَرفِ الهَمزةِ بل في حَرفِ الواوِ، وقال بعضُهم: هو مَقلُوب من الوَيلِ، وقيل: يقال لمن حاوَل أمراً ففَاتَه بعد أن كاد يصِيبَه.
          في الحديث: «صَلَّيتُ مَعَه صَلاةَ الأُولَى» هي هاهنا _والله أعلم_ صلاة الصُّبحِ؛ لأنَّها أوَّل صَلاةِ النَّهارِ، وعليه يدُلُّ سِياقُ الحَديثِ؛ لأنَّ فيه: «ثم خرَجَ إلى أهلِه فَاستَقْبَلَه وِلدانُ المدينةِ».
          وفي رِوايَةٍ: «خدَمُ المدينَةِ»، [وفي حَديثٍ: «كانَ إذا صلَّى الغَداةَ» .
          وفي قوله: «صلاةَ الأُوْلَى» إضافة الشَّيءِ إلى صِفَته على مَذهبِ أهل الكُوفةِ، وقد تصرف الإضافة إلى أوَّل ساعات النَّهارِ، وقد تكون صَلاةَ الظُّهر وهي اسمُها المَعروفُ، وفي الحَديثِ: «الَّتي تَدْعُونَها الأُولَى» [خ¦547]، سُمِّيت بذلك؛ لأنَّها أوَّل صَلاة صلَّاها جبريلُ بالنَّبيِّ صلعم، ومِثلُه في غَزوةِ ذي قَرَدٍ: «قبل أن تدركنا الأُولَى» [خ¦4194]؛ أي: الظُّهر، يُبيِّنه قولُه في الآخَر: «مع الظُّهرِ»]
.
          في حديث قَسَمِ أبي بكرٍ ☺: «بِسْمِ الله الأُولَى للشَّيطانِ» [خ¦6140] قيل: اللُّقمة الأولى التي أحنَث بها نفسَه حين حلَف أن لا يَأكُل؛ أي: أحلَلت بها يمِينِي، وحنَّثت بها نَفسِي، وأرضَيتُ أضيَافِي إرْغَاماً للشَّيطانِ الذي كان سبَبَ غضَبِي ويمِيني، وقيل: الأُولَى يعني الحالةَ الأُولَى التي غضِب فيها وأقسَم كانت للشَّيطانِ وإغْوائِه، ويشهَدُ لهذا قولُه في الحَديثِ الآخَرِ: «إنَّما كانَ... مِن الشَّيطانِ، يعني يمِينَه» [خ¦602] [كذا نصُّه].
          قولها: «وأمْرُنا أَمْرُ العَربِ الأَوَّلُ» بفَتحِ الهَمزةِ وضمِّ اللَّامِ نَعتٌ للأمرِ، وقيل: هو وَجهُ الكَلامِ.
          ورُوِي: «الأُوَلِ» [خ¦2661] بضمِّ الهَمزةِ وتخفيفِ الواو صِفة للعَربِ لا للأمرِ، تريدُ أنهم بعدُ لم يتخلَّقوا بأخلاقِ أهلِ الحَواضرِ والعَجمِ.
          97- [«فأَوْمَتْ برأسها» [خ¦2413] بغَيرِ هَمزٍ في البُخاريِّ في «كتاب الأقْضِيَة»(2)، وهو مَهمُوز في اللُّغة بكلِّ حالٍ، ومعناه أشارَت، والاسمُ الإيماءُ، ويقال: وَمَأ وَمْأً مثل قتَل قَتْلاً، وومَى وَمْياً، هذا كلُّه إذا أشار إلى خلفٍ، فإن أشار إلى قُدَّام [قيل: وَبَأَ](3) بالباءِ].
          98- قول عروَةَ بنِ مَسعُودٍ: «إنِّي لَأَرى أَوْشَاباً» [خ¦2731] [خ¦2732]، كذا عند جَميعِهم بتَقديمِ الواو؛ وهي الأخلاط، وكذلك الأشائب، الواحِدَة أُشابَة بضَمِّ الهَمزةِ، وهي الجماعةُ المُختَلطةُ من النَّاس، ويقال في ذلك أيضاً: أوباش وأوشاب كلُّه بمعنًى.
          99- قَولهُ: «فهَذا أوَانُ وجَدتُ انقِطاعَ أَبْهرِي» [خ¦4428]؛ أي: حين وجَدْته ووقْتُ وجدتُه، والأوانُ الزَّمانُ والوَقتُ، مَفتُوح الهَمزَة، وضبَطْنا في النُّون الوجهَين بالفَتحِ والضَّمِّ، والضَّمُّ على خبر المبتدأ وإعطائه حقَّه من الرَّفعِ، والنَّصبُ على الظَّرفِ، والبناءُ لإضافته إلى مَبنِيٍّ وهو الفِعلُ الماضي؛ لأنَّ المُضافَ والمُضاف إليه كالشَّيءِ الواحدِ، وهو في التَّقديرِ مَرفُوعٍ بخَبرِ المُبتَدأ.
          100- قولَهُ: «أوَّهْ عَينُ الرِّبَا» [خ¦2312] بالقَصرِ رَوَيناه وتَشديدِ الواو وسُكون الهاءِ، وقيل: بمَدِّ الهَمزةِ، قالوا: / ولا معنَى لمدِّها إلَّا لبُعد الصَّوت، وقيل: بسُكونِ الواو وكَسرِ الهاء، ومن العَربِ من يمُدُّ الهَمزةَ ويجعَلُ بعدَها واوَين فيقول: آووه، وكلُّه بمعنَى التَّحزُّن، ومنه قوله: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التوبة:114] في قولِ أكثَرِهم؛ أي: هو كثيرُ التَّأوُّه وهو الحزن شفَقاً وخَوفاً وحزناً، وقيل: أوَّاه دعَّاء، وهو يرجِعُ إلى قريبٍ منه.
          وأنشَد البُخاريُّ(4) :
«إِذَاما قُمْتُ أَرْحَلُهَا بِلَيْلٍ                     تَأَوَّهُ أَهَّةَ الرَّجُلِ الحَزِينِ»
          كذا بشَدِّ الهاء للأصيليِّ، وللقابِسيِّ وأبي ذرٍّ: «آهَةَ» [خ¦65-6739] بالمدِّ، وكِلاهُما صَوابٌ؛ أي: توَجُّع الرَّجل الحَزينِ.
          وفي رِوايَة ابنِ السَّماكِ عن المَروَزيِّ: «أُهَّةَ»، وهو خطَأٌ.
          101- قولهُ: «فأَوَى إلى الله _مَقصُور الألف_ فآوَاهُ الله» [خ¦66] ممدُود الألف، هذا هو الأشهَرُ فيما رَوَيناه، وقد جاء المدُّ في كلِّ واحدةٍ منهما، والقصرُ في كلِّ واحدةٍ منهما، لكنَّ المدَّ في المعدَّى أشهَر، والقَصر في اللَّازمِ أشهَر.
          في الحَديثِ: «وكم ممَّنْ لا مُؤْوِيَ له»، و«تُؤْوِي إليكَ» [خ¦4789]، و«يُؤْوُوهُ إلى مَنَازِلِهم»، و«والله لا آوِيكِ إليَّ أبداً» وهو كثيرٌ في الكتابِ والسُّنَّة.
          و«مَأْوَى الحَيَّاتِ» بفَتحِ الواو أماكِنُها التي ينضمُّ إليها، وكلُّ مأوى فهو كذلك إلَّا مأوي الزَّنابيرِ وحدَه، وقيل: مأوِي الإبل، فهما بكَسرِ الواو.
          ومعنى «آواهُ اللهُ» جعَل الله له فيه مكاناً وفُسحَةً لمَّا انضم إليه، أعني مجلِسَ النَّبيِّ صلعم، وقيل: قرَّبه إلى مَوضِع نَبيِّه، وقيل: يُؤوِيه إلى ظلِّ عَرشِه.
          وفي الحَديثِ: «يَسجُدُ... حتَّى نأْوِيَ له»؛ أي: نرثي ونرِقَّ، [وآوى له؛ أي: رقَّ].
          ومعنى «الحمدُ لله الَّذي آوَانا» (5)؛ أي: رَحِمنا وعطَف علينا، «وكم ممَّنْ لا مُؤْوِيَ لَهُ»؛ أي: لا عاطِفَ عليه ولا راحِمَ له، [وعلى المعنَى الأوَّل] : الذي ضمَّ شَمْلنا وجعَل لنا مَواطِنَ ومَساكِنَ نَأوِي إليها، وكم ممَّن لا مَوطِن له، ولا مَسكَن، ولا من يُنعَم عليه فهو ضائِعٌ مُهمَل.
          ولم يأت مَفعِل بكَسرِ العين في الصَّحيحِ من مَصادر الثُّلاثيات وأسمائها ممَّا مُستَقبلُه يفعَل بالفَتحِ إلَّا مَكبِر من الكِبر، ومَحمِدة من الحمد، وفي المُعتَلِّ مَعصِية، ومأوِي الإبل، هذه الأربعة شذَّت وما سِواها مفعَل بفتح العين في الصَّحيحِ، وهو كثيرٌ من المُعتلِّ ممَّا عين فعله ياء، وقد حُكِي في جميعِ ذلك الفَتحُ والكَسرُ كُنَّ مصادرَ أو أسماءً. /


[1] ضبطت في الأصول بضبطين المثبت و: المَعتِبة.
[2] ليس في البخاري: «كتاب الأقضية»، وإنما هو: «كتاب الخصومات» وقد تبع ابن قرقول المشارق في هذا.
[3] ما بين معقفين بياض في [ن]، والفقرة سقطت من النُّسخِ إلَّا من (ن)، والاستدراك من كتب اللغة.
[4] أنشده في كتاب التفسير في تفسير سورة براءة، والبيت للمُثَقَّب العَبْديِّ، انظر: «العين، مادة: أوه».
[5] هذه الرواية هي الرواية التي شرح عليها في «فتح الباري 11/113 ».