مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الهمزة مع النون

          الهَمزَة مع النُّونِ
          64- قول كعبِ بنِ مالكٍ: «ما زَالُوا يؤنِّبُوني» [خ¦4418]؛ أي: يلُومُوني ويوبِّخُوني، والتَّأنيبُ العَتبُ واللَّومُ.
          قوله: «وأتُوني بأَنْبِجَانِيَّةٍ» [خ¦752] بفَتحِ الهَمزةِ وكَسرِها، وكَسرِ الباء وبشَدِّ الياء وتخفيفها وبتاء بعدها، وبها فقط، فيصِيرُ فيها وجُوه:
          أحدها: بأَنْبِجَانِيَّة، وبإنْبِجَانيَّة له وبأنبِجانيَة وبأنبِجانيَّة.
          وعند أبي عليٍّ الغسانيِّ: بالفَتحِ والتَّخفيفِ وفَتحِ الباء، وبفَتحِ الباء وكَسرِها ذكَرها ثعلَبٌ، وضبَطْناها في مُسلمٍ بفَتحِ الهَمزةِ والباء.
          وفي «الموطَّأ»: عن ابنِ سَهلٍ القاضي بكَسرِ الهَمزةِ والباء جميعاً وكذلك لحاتم الطَّرابلسيِّ.
          وعند ابنِ عتَّابٍ وابنِ حَمْدِين: بفَتحِ الهَمزةِ وشدِّ الياء.
          قال ثعلَب: يقال ذلك في كلِّ ما كثُف والْتَفَّ.
          وقال غيرُه: إذا كان الكِسَاء ذا عَلمَين فهو الخَمِيصَة، فإنْ لم يكن له علم فهو الأنبِجَانِية، وهذا لا يلزَم، وإنَّما الخَمِيصة كساء رقيقٌ مأخوذ من الخَمَص وهو ضمور البَطنِ، وقوله في الحَديثِ: «لها عَلَمٌ» يدلُّ على أنَّه من جِنْس الخمائصِ ما لا علم له فكيف بعَلمَين.
          وقال الدَّاوديُّ: هو كِساءٌ غلِيظٌ بين الكِساء والعَباءِ.
          قال ابنُ قُتَيبةَ: إنَّما هو مَنبِجانيٌّ مُنسُوب إلى مَنبِج، بكسر الباء، وإنَّما فُتِحت باؤه في النَّسب أُخرِجَ مخرج مَنظَراني ومَخبَراني، ولا يُقالُ: أنبجاني، قالوا: وهي أكسِيَة تُصنَع بحَلَب، فتُحمل إلى مَنبِج.
          قال الباجيُّ: وما قاله ثعلَب أظهَر؛ لأنَّ النَّسب إلى مَنبِج مَنبِجيٌّ لا مَنْبِجانيٌّ، وهذا لا يُنكَر فإنَّ النَّسبَ المَسمُوع قد يدخُل فيه تغيِير البِناء كثيراً، فلا يُنكَر ما قاله أئِمَّة هذا الشَّأنِ، ولكنَّ هذا الحديثَ قد اتفق على نقلِ هذه الكَلمةِ فيه بالهَمزِ في أوَّلِه، وبعيدٌ أن يذهَب عن جَميعِهم ما قاله ابنُ قُتيبَةَ.
          65- قول إبليسَ لأحدِ جُنُوده لعنَهم الله: «نِعْمَ أنتَ» على حَذفِ الخبَر اختِصاراً، التَّقديرُ أنت الذي أغنَيت عنِّي أو الذي جِئتَ بالطَّامةِ، أو المُقدَّم عندي، ونحو هذا من اللَّائقِ به، ويدلُّ عليه قولُه في آخِر الحَديثِ: «فيُدْنِيه إليه فيَلتَزِمُه».
          وأمَّا قوله: «ائتِ مَن يشهَدُ معَكَ» [خ¦6906] فسَيأتِي بعدُ إن شاء الله [أنَّ أن].
          66- قوله في حَديثِ الشَّبهِ: «آنَثَا» بمدِّ الهَمزةِ؛ أي: أنْسَلا أنثَى، وكذا في الحَديثِ الآخَرِ: «أَذْكَرَ وأَنَّثَ»؛ أي: جاء بذَكَرٍ وأُنثَى. /
          67- قوله: في الجذع «أَنَّ»؛ أي: صوَّت صوتاً ضعيفاً مثل صوت الصَّبيِّ، والأنينُ صُوَيتٌ ضعِيفٌ.
          قولُ الخضِر: «وأنَّى بأَرضِكَ السَّلامُ» [خ¦122]؛ أي: من أين، ومِثلُه قولُ عِمرانَ بنِ حُصَينٍ(1) : «أنَّى عَلِقَها؟!»؛ أي: من أين أخذَها، وأنى تأتي بمعنَى «أين» و«كيف» و«متى»، وفي الحَديثِ قوله صلعم حين سُئِل: «هل رأَيتَ ربَّكَ؟ فقال: نُورٌ أنَّى أَراهُ»؛ أي: كيف أراه وقد حجب بصري النُّور، وكذلك في حَديثِ زَيدِ بنِ عَمرٍو: «وأنَّى أستَطِيعُه» [خ¦3827]؛ أي: كيف أُطِيق [غضَب الله سُبحانه]، وقد رُوِيت هذه مخفَّفةَ النُّون، ووجهُه على معنى التَّقريرِ؛ أي: أنا لا أستَطِيعُه.
          قلت: فأمَّا أنا المخفَّفة فهي اسم المُتكلِّم أصلها «أن» بغَيرِ ألف، قال الزُّبيديُّ: فإذا وقَفْت زِدْت ألفاً للسُّكوتِ، وكذلك إذا لقيت همزة، فإن لم تلق همزَة حذَفْت في الدَّرج، ومن القُرَّاء من يمدُّها، قال تعالى: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ} [طه:12] أكثرُ القُرَّاء على حَذفِ الألفِ، ومنهم من يُثبِتُها.


[1] بل هو قول ابن مسعود ☺.