مصابيح الجامع الصحيح

باب شراب الحلواء والعسل

          ░15▒ (شرب الحلواء): وفي بعضها (حب الحلواء): وهو الأظهر، لأنَّه لا يشرب غالبًا.
          (لشدَّة): أي: لضرورة، وهذا خلاف ما عليه الجمهور.
          ابن بطَّال: وأمَّا أبوال النَّاس فهي مثل الميتة والخمر في التَّحريم، ولم يختلفوا في جواز أكل الميتة عند الضَّرورة، فكذلك البول، وقال: الحلواء كل شيء حلو.
          أقول: الحلواء بحسب العرف أخصُّ من ذلك، وهو ما كان للإنسان فيه دَخْل من طَبْخ ونحوه، وفيه أنَّ الأنبياء والصَّالحين يأكلون الحلوى والطِّيبات.
          (السَّكر): بالفتحتين، أي: المسكر، قال شارح «التَّراجم» : مقصوده من كلام الزُّهريِّ إنَّما هو قوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة :4] والحلواء والعسل من الطِّيبات؛ فهو حلال، والبول ليس منها، وأمَّا قول ابن مسعود؛ فإشارة إلى قوله تعالى {فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل :69] فدلَّ على حلِّه؛ لأنَّه تعالى لم يجعل الشِّفاء في ما حرَّمه، انتهى كلام الكرماني.
          قال ابن التِّين: شرب البول إن كان لغير ضرورة فهو حرام؛ لأنَّ الشَّارع سمَّاه خبيثًا، قال تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف :157] وعند الشِّدة هو كالميتة، قال: وتعليل الزُّهريِّ بأنَّه رجس غير ظاهر؛ لأنَّ الميتة والدَّم ولحم الخنزير رجسٌ أيضًا، ولعلَّه يريد أنَّ الرُّخصة لم ترد فيه بخلافهما فبقي على أصله في التَّحريم، وما ذكره غير ظاهر، وقيل: إنَّ البول لا يقطع العطش، فإن صحَّ هذا فلا يباح لانتفاء الفائدة.
          وقال ابن بطَّال: الفقهاء على خلاف قول ابن شهاب.
          قال ابن المنيِّر: ترجم على شيء وأعقبه بضدِّه، يشير إلى أنَّ الطِّيبات هي الحلال لا الخبائث، والحلواء من الطَّيبات، وأشار بقول ابن مسعود إلى أنَّ كون الشيء شفاء ينافي كونه حرامًا، والعسل شفاء فوجب أن يكون حلالًا، ثم عاد إلى ما يطابق / التَّرجمة المعهودة التي يتعاطى المترفون، وإنَّما هي شيء يشرب، إمَّا عسل بماء، أو غير ذلك مما شاكله.
          ويجوز أن يقال: شرب الحلواء والعسل، وهذا هو الصَّحيح؛ لأنَّ العرب لا تعرف الحلواء المعهودة التي هي الآن معهودة، وإن أطلقوا الاسم؛ فما أظنهم _والله تعالى أعلم_ أطلقوه إلا على الحلو كالعسل والماء المنبوذ فيه التَّمر وغيره، وقد نبَّه عليه البخاري فقال: (باب شرب الحلواء والعسل)، والحلواء التي بأيدي النَّاس التي يطلقون عليها هذه الاسم لا تشرب، فتعين أنَّ المقصود ما يمكن شربه، وهو الماء المنبوذ فيه التَّمر ونحوه وكذلك العسل والحلو يشمل كلَّ حلو عسلًا أو غيره، فهذا من قبيل التَّخصيص بعد التَّعميم، ولا يخلو هذا التَّخصيص من فائدة.
          ويحتمل أن تكون الفائدة التَّنبيه على جواز شرب العسل إذ قد يتخيَّل أن شربه من السَّرف، قلت: ودعواه أنَّ العرب لا تعرف هذه الحلواء؛ ليس كما قال، بل هم يعرفون الفالوذج وهو لباب البُّر بسمن البقر يعقد بالعسل الماوي، وهو الذي نسمِّيه الآن الصَّابونيَّة، وفيه شعر أميَّة بن أبي الصَّلت في ابن جدعان المعروف، إلَّا أن يقال: تسميته بالفالوذج محدثة؛ انتهى كلام ابن الملقِّن ببعض اختصار.