مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الفاء مع التاء

          [الفَاء مع التَّاء](1)
          1752- وفي علاماتِ النُبوَّةِ: «فجعلَ فيه فُتُحٌ بالميشارِ» وقد فسَّرناه في حرفِ الميم، وقلنا: إنَّه تصحيفٌ في روايةِ مَن روَاه، وإنَّما هو: «فيجاءُ بالمنشارِ». [خ¦3612]
          و«المِفتَاحُ» [خ¦1039]، و«المِفتَحُ» لغتانِ، وقوله في لا إله إلَّا الله: «إنْ جِئتَ بمِفتاحٍ له أسنان فُتِح لك» [خ¦23-1955] هذا مَثَلٌ للحالِ، أنَّ شهادةَ أنْ لا إله إلَّا الله موجِبةٌ لدخولِ الجنَّة، ثمَّ جعلَ الأعمالَ معها كأسنانِ المفتاحِ الذي يُنتَفع به ولا يفتحُ إلَّا بأسنانٍ؛ يريدُ أنَّه لا يدخلُ الجنَّة دونَ حسابٍ ولا معاقبةٍ إلَّا أنْ يكونَ مع «لا إله إلَّا الله» عملٌ صالحٌ واجتنابُ المحارم، وإلَّا فلا بدَّ لمن جاء بها من دخولِ الجنَّة على مذهبِ أهلِ السُّنَّةِ خلافاً للمعتزلةِ والخوارجِ.
          وقوله: «أهُوَ فَتْحٌ» [خ¦3182]؛ أي: نصرٌ، ومنه: {وَاسْتَفْتَحُواْ} [إبراهيم:15]؛ أي: سألُوا الله النَّصرَ، ومنه: «كان يستفتحُ بِصَعاليك المهاجرين»؛ أي: يستنصِرُ بهم، و«سَاعَتان تُفتَح لهما أَبوابُ السَّماءِ» قد يكونُ على ظاهرِه، وقيل في هذا: إنَّه عبارةٌ عن الإجابةِ للدُّعاءِ.
          1753- قوله: «يُلْقِيْنَ الفَتَخَ» هي: خواتيمُ عِظامٌ تمسكُها النِّساءُ، كذا فسَّرَه في كتابِ البخاريِّ عبدُ الرَّزاقِ [خ¦979]، وقال غيرُه: هي خواتيمُ تُلبَس في الرِّجْلِ، الواحدةُ فَتَخَةٌ، وقال الأصمعيُّ: هي خواتيمُ لا فصوصَ لها، وتُجمَع أيضاً فِتاخٌ وفَتَخاتٌ، وفي «الج مهرةِ»: الفَتَخةُ حَلَقةٌ من ذهبٍ أو فضَّةٍ لا فَصَّ لها، وربَّما اتُّخِذ لها فصٌّ كالخاتمِ.
          1754- قوله: «وفَتَر الوَحي» [خ¦3]؛ أي: سكنَ وأغَبَّ نزولُه وتتابُعُه، و«الفَترَةُ» [خ¦3948] ما بين كلِّ نبيَّينِ، فهي إذاً زمانُ فتورِ الوحيِ وإبطائِه.
          قوله في «بابِ التَّبسمِ والضَّحكِ»: فقال صلعم: «فبمَ يُشبِه الوَلدُ» [خ¦6091]، كذا لكافَّتِهم، ورواهُ بعضُهم في البخاريِّ هنا: «فِيْمَ»، والصَّوابُ الأوَّلُ، وهو المذكورُ في غيرِ هذا البابِ.
          1755- و«الفَتْكُ في الحَربِ» [خ¦56/159-4741] أنْ يجيءَ الرَّجلُ إلى الآخرِ / وهو غارٌّ فيقتلَه، وقيل: الفَتكُ القتلُ مجاهرةً، وكلُّ مَن جاهَر بقَبيحةٍ فهو فاتكٌ، وقيل: الفَتْكُ هو الهَمُّ بالشَّيءِ يُفعَل، والفاتكُ الشُّجاعُ الذي إذا هَمَّ بأمرٍ فعلَهُ، قال الفرَّاءُ: يقال فيه: الفَتكُ والفِتكُ والفُتكُ ثلاثُ لغاتٍ.
          1756- قوله: «أقبلت عِيْرٌ من الشَّام فَانفَتَل النَّاسُ إليها»؛ أي: مالُوا وذَهَبوا إلى جهتِها، كما قال في الرِّوايةِ الأُخرَى: «فخرَج النَّاسُ إليها»، و«ابتَدَرُوها»، كما قال تعالى: {انفَضُّوا إِلَيْهَا}[الجمعة:11].
          1757- قوله: «فِتنَةُ الرَّجُل في أَهلِه ومَالِه» [خ¦525]، و«فلان فَـــتَنَتْهُ الدُّنيَا»، و«أفتنَتْه» وهما لغتانِ، وأنكرَ الأصمعيُّ أفتنَتهُ، وأصلُ الفتنةِ الاختبارُ، فتنتُ الفضَّةَ على النَّارِ إذا أخلصتَها.
          ثمَّ استُعمِلت فيما أخرجَه الاختبارُ للمكروهِ، ثمَّ كثُرَ استِعمالُه في أبوابِ المكروهِ؛ فجاء مرَّةً بمعنى الكُفرِ، كقوله: {وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة:217]؛ أي: ردُّكم النَّاسَ إلى الشِّركِ أكبرُ من القتلِ.
          وتجيءُ للإثم: {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} [التوبة:49]، ومنه: «أصابَتنِي في مَالي فِتنَةٌ»، و«هَمُّوا أنْ يَفتَتِنُوا» [خ¦754]، ويكونُ على أصلِها من الاختبارِ، كقوله: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ} [الأنفال:28]، وتكون بمعنَى الإحراقِ كقوله: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [البروج:10]؛ أي: حَرَّقوهم، ومنه: «أعوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ». [خ¦6377]
          وقيل: بل هي هاهنا على أصلِها من التَّصفيةِ؛ لأنَّ المعذَّبينَ من المؤمنينَ عُذِّبوا من أجلِ ذنوبِهم، فكأنَّهم صُفُّوا بها وخُلِّصوا، فسألَ النَّبيُّ صلعم أنْ لا يكون من هؤلاءِ، وكذلك سؤالُه لأمَّتِه ذلك لكن بعفوِ الله ورحمتِه، وتفريقُه في دعائِه بين «فِتْنةِ النَّارِ» و«عَذَابِ النَّارِ» يدلُّ على التَّفريقِ بين عذابِ المؤمنينَ وعذابِ الكافرينَ، أحدُهما فِتنةٌ، والآخرُ عذابٌ، ويكون بمعنى الإزالةِ والصَّرفِ عن الشَّيءِ كقوله تعالى {وَإِن كَادُواْ لَيَفْتِنُونَكَ} [الإسراء:73].
          1758- قولها: «لم يَطَأ لنا فِراشاً، ولم يُفَتِّش لَنَا كَنَفاً مُذ أتَيْناه» [خ¦5052] كنايةٌ عن القُربِ منها، والكَنَفُ السِّترُ؛ وهو هاهنا الثَّوب، كَنَّتْ بفَتْشِه عنِ الاطِّلاعِ على ما تحتَه، وعن إعراضِه عن الشُّغلِ بها.
          1759- قوله: «وليَقل فتايَ وفتاتِي» [خ¦2552] قيل: هو بمعنَى عبدِي وأمتِي، وإنَّما نهَى عن لفظِ العبوديَّةِ المحضةِ / إذ هي حقيقةً لله تعالى، والفتوَّةُ لفظةٌ مشتركةٌ للمِلْكِ وَلِفَتَاءِ السِّنِّ(2)، والفتيُّ _مقصورٌ_ الشَّابُّ، والفَتَاءُ الشَّبابُ، {وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ} [يوسف:62]؛ أي: لعبيدِه، والفَتوَى والفُتْيا السُّؤالُ، ثمَّ سُمِّي به الجوابُ.
          والاستفتاءُ طلبُ الفتوَى، {فَاسْتَفْتِهِمْ} [الصافات:11]؛ أي: سلهُم، «أمِثلِي يُفتَاتُ عليه» مذكورٌ في الفاءِ والياءِ.


[1] هذه الزيادة من أصول «المشارق».
[2] في (س): (والفتيُّ) وما أثبتناه من (ن) موافق لما في «المشارق».