انتقاض الاعتراض

باب لا يتقدمن رمضان بصوم يوم ولا يومين

          ░14▒ (بابٌ: لَا يُتَقَدَّمُ رَمَضَانُ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ(1) يَوْمَيْنِ)
          قال (ح)(2) : حديثُ العلاءِ بنِ عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة: «إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلاَ تَصُومُوا».
          اسْتَدَلَّ به منْ يمنعُ الصَّومَ في نصفِ شعبان وقد ضُعِّفَ.
          وقال أحمدٌ ويحيى بنُ معين: إنَّه مُنْكَرٌ(3).
          وأشار البيهقيُّ إلى ضعفهِ بقولهِ: بابُ الرَّجعةِ في الصَّومِ ما هو أصحُّ مِن حديث العلاءِ.
          قال (ع):(4) هذا الحديثُ صَحَحَهُ ابنُ حِبَّانَ، وابنُ حَزْمٍ، وابنُ عبدِ البَرِّ، والتِّرْمِذِيُّ، والعلاءُ احتجَّ به مُسْلِمٌ، وروى عنه هذا الحديثُ جماعة.انتهى.
          وقد أورد هذا الْمُعْتَرِضُ كلامَ (ح)(5) في تضعيفِ هذا الحديثِ(6) في بابِ:(7) هل يُقَالُ: رمضان؟ فقال: قال السُّلَمِيُّ(8) : لا نعلمُ أحدًا رواه إلَّا العلاء.
          وقال أحمدٌ: ليس بمحفوظٍ، وسُئِلَ عنه فلم يُصَحِحْه ولمْ يُحَدِثْ به، وكان يتوقاه ولا يُنْكرُ من حديث العلاء إلَّا هذا(9).
          وفي روايةِ الْمِزِّيِّ(10) عنه أنَّه / أنكرهُ وقال: هذا خلافُ الأحاديث.
          ثم قال (ع): قال الطَّحَاويُّ بعد أن ذكرَ حديثَ الأمرِ بالصِّيامِ لِمَنْ يأكلُ، والأمرِ بالإمساكِ إلى آخرِ الأكلِ، ولا يصومه لمن لم يصمه.
          قال (ح): الإمساكُ لا يستلزمُ الإجزاءَ؛ لأنَّه يُحْتَمَلُ أن يكون لحرمةِ الوقتِ.
          قال (ع)(11) : الاحتمالُ إذا كان ناشئًا عنْ غيرِ دليلٍ لا يُعْتَبُر بهِ، ولا يثبتُ الحكمُ بالاحتمالِ المطلق.
          قال: وفاتَهُ أنَّه نظيرُ منْ قَدِمَ منْ سفرٍ في رمضانَ نهارًا؛ فإنَّه يؤمرُ بالإِمساكِ.
          وأخرج أبو داودَ والنَّسَائِيُّ منْ طريقِ عبد الرَّحمنِ بنِ مَسْلَمَةَ عنْ عَمِّه أنَّ أسلمَ أتَوا إلى النبيِّ صلعم فقال: «صُمْتُمْ يَوْمَكُمْ هَذَا» قالوا: لا، قال: «فَأَتِمُّوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ وَاقْضُوا».
          قال (ح):(12) احتجَّ منْ أوجبَ النِّيَّةَ كلَّ ليلةٍ وهُمُ الجمهور بحديثِ حفصةِ: «لاَ صِيَامَ لِمنْ لَمْ يُبَيِّتْ(13) الصيامَ مِنَ اللَّيْلِ» أخرجه التِّرْمِذِيُّ، والنَّسَائيُّ، وصححَه ابنُ خُزَيْمَةَ، وابنُ حِبَّانَ، والحاكمُ، وابن حزمٍ، وأخرجه الدَّارَ قِطنيُّ منْ وجه آخر وقال: رجالُه ثقاتٌ.
          وقد أبعدَ منْ خَصَّهُ منَ الحنفيّةِ بصيامِ(14) القضاءِ والنَّذْرِ، وأبعدَ مِنْ ذلك تفرقةُ الطَّحَاويِّ بينَ صومِ يومٍ(15) بعينه(16) إذا كان واجبًا كعاشوراء فتجزئُ النِّيَّةُ فيه(17) في النِّهار بخلافِ يومٍ لا بعينه(18) فلا يُجْزِيُ كرمضانَ، وبخلافِ صومِ التَّطوعِ فيجزئُ في الليلِ(19) والنَّهارِ، وقد ذكره إمامُ الحرمين فقال: إنَّه كلامٌ غَثٌّ(20).
          قال (ع):(21) الجوابُ عن الأولِ: أنَّ قولَه (أبْعَدَ مَن خصَّ...) إلى آخره، كلامٌ ساقطٌ لا طائلَ تحته؛ لأنَّ منْ لمْ يَخُصَّ هذا / الحديثَ بصيامِ القضاءِ والنَّذرِ وصومِ الكفارةِ، يلزمُ منه نسخُ مطلقِ الكتابِ بخبرِ الواحدِ؛ لأنَّ اللَّه تعالى قال: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} إلى أنْ قال: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة:187] فكان أمرًا بالصَّومِ مُتَراخيًا عن أولِ النَّهارِ، والأمرُ بالصَّومِ يغني عن النِّيَّة؛ إذ لا صومَ شرعًا بدونِ النِّيَّةِ؛ ولأنَّ(22) إتمامَ الشيءِ يقتضي معًا بقيَّةُ(23) وجودِ بعضه، وهذا هو السِّرُّ الخفيُّ الذي استبعدَهُ منْ لا وقوفَ له على دقائقِ الكلامِ، ومداركِ استخراجِ المعاني من النُّصوصِ، فأمَّا(24) دعوى الأبعديةِ في تفرقةِ الطَّحَاويِّ فهي دعوى باطلةٌ؛ لأنَّ الحاملَ للطَّحَاويِّ على هذه التَّفْرقةِ حديثُ عائشةَ، قولُهُ صلعم لها: «أَعِنْدَك شَيءٌ؟»، قالت: لا، قال: «فَإِنِّي صَائِمٌ».
          وأمَّا كلامُ إمامِ الحرمينِ فلا يوجدُ أَسْمَجُ منه؛ لأنَّ منْ يَتَعَقَّبُ كلامَ أحدٍ، إنْ لَمْ يذكرْ وجهَه ما(25) يقبله العلماءُ، وإلا يكون كلامه غثاءً لا أصلَ له.


[1] في (د) و(س) و(ظ): «ولا».
[2] قوله: «(ح)» بياض في (د).
[3] في (س): «منكب».
[4] قوله: «(ع)» غير واضحة في (د).
[5] قوله: «(ح)» ليس في (س)، وبياض في (د).
[6] في (س): «الكلام».
[7] في (س): «الباب».
[8] في (س): «النيلي».
[9] قوله: «إلا هذا» ليس في (س).
[10] في (س):«المروزي».
[11] قوله: «(ع)» بياض في (د).
[12] قوله: «(ح)» غير واضحة في (د).
[13] في (س): «يبت».
[14] في (س): «يصام».
[15] قوله: «يوم» ليس في (د) و(س).
[16] في (س): «يعينه».
[17] قوله: ((فيه)) زيادة من (س) و(ظ).
[18] في (س): «يعينه».
[19] في (س): «بالليل».
[20] في (س) و(ظ): «بحث».
[21] قوله: «(ع)» غير واضحة في (د).
[22] في (س): «لأن» بلا واو.
[23] قوله: «معًا بقية» في (س): «سابقة».
[24] في (س): «وأما».
[25] في (س): «فما».