إنعام المنعم الباري بشرح ثلاثيات البخاري

حديث: أن من كان أكل فليصم بقية يومه

          6- قولُهُ: (حَدَّثَنَا المَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيْمَ بْنِ بَشِيْرٍ الحَنْظَلِيُّ، قالَ: حدَّثَنا يزيدُ بن أبي عُبيدٍ) الأسلميُّ مولى سلمةَ بن الأكوعِ، وسقطَ لغير أبي ذرٍّ لفظُ: ابنُ أبي عُبيدٍ.
          وهذا سادسُ الثُّلاثياتِ، أخرجَهُ البُخاريُّ ☼ في الرُّبعِ الأوَّلِ من الجُّزءِ الثَّامِنِ في كتابِ الصَّومِ: (بابُ صومِ عاشوراءَ).
          قولُهُ: (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ) هو ابنُ عمرِو بن الأكوعِ، واسمُ الأكوَعِ سنانُ بنُ عبدِ اللهِ ☺ (قَالَ: أَمَرَ النَّبِيُّ صلعم رَجُلاً مِنْ أَسْلَمَ) هو هندُ بن أسماءَ بن حارثَةَ الأسلميُّ، كما تقدَّمَ ذكرُهُ في الثُّلاثِيِّ الخَامِسِ مطوَّلاً، أن أذِّنْ في النَّاسِ أنَّ من كانَ أكلَ فليَصُمْ، أي فليُمْسِكْ، لأنَّ الصَّومَ الحقيقيَّ من أوَّلِ النَّهارِ إلى آخرِهِ بقيَّةَ يومِهِ حُرْمَةٌ لليومِ.
          قولُهُ: (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ فَإِنَّ اليَوْمَ يَوْمُ عَاشُوْرَاءَ) قالَ في ((القاموس)): العاشوراءُ والعَشوراءُ، ويُقصرانِ، والعاشورُ عاشرُ المحرَّمِ أو تاسِعُهُ، والأوَّلُ هو قولُ الخليلِ، والاشتقاقُ يدلُّ عليهِ، وهو مذهبُ جمهورِ العلماءِ من الصَّحابَةِ والتَّابعينَ ومن بعدَهم.
          وذهبَ ابنُ عبَّاسٍ ☺ إلى الثَّانِي، استدلَّ بهِ على أنَّ من تعيَّنَ عليهِ صومُ يومٍ ولم ينوهِ ليلاً أنَّهُ يُجزِئُهُ بنيَّتِهِ نهاراً.
          وهذا بناءً على أنَّ عاشوراءَ كان واجباً، وقد منعَهُ ابنُ الجَّوزيِّ بحديثِ معاويةَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صلعم يقولُ: <هَذَا يَوْمُ عَاشُوْرَاءَ لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْنَا صِيَامُهُ، فمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَصُوْمَ فَلْيَصُمْ> قالَ: وبدليلِ أنَّهُ لم يأمرْ من أكلَ بالقَضاءِ، وقد سبقَ البحثُ في ذلكَ عندَ الثُّلاثِيِّ الخامسِ في بابِ إذا نوى بالنَّهارِ صوماً.
          وقد تقدَّمَ الكلامُ عليهِ هناكَ، واستُدِلَّ بهِ على إجزاءِ الصَّومِ بغيرِ نيَّةٍ لمن طرأَ عليهِ العلمُ بوجوبِ صومِ ذلكَ اليومِ، كمن ثبتَ عندَهُ في أثناءِ النَّهارِ أنَّهُ من رمضانَ، فإنَّهُ يُتِمُّ صومَهُ ويُجْزِئُهُ، وقد تقدَّمَ البحثُ في ذلكَ مطوَّلاً والرَّدَ على من ذهبَ إليهِ، وأنَّ عندَ أبي داودَ وغيرِهِ: <أَمَرَ مَنْ كَانَ أَكَلَ، بِقَضَاءِ ذَلِكَ اليَوْمِ> مع الأمرِ بإمساكِهِ، واللهُ تعالى أعلمُ وعلمُهُ أحكمُ. [خ¦2007] /