إنعام المنعم الباري بشرح ثلاثيات البخاري

تم الكتاب بعون الملك الوهاب

          (تمَّ الكتابُ بعونِ الملكِ الوَهَّابِ)
          (هندُ بنُ أسماءَ) قالَ الحافظُ ☼ في ((الإصابةِ)): كانَ هندُ من أصحابِ الحُديبيَةِ، وأخوهُ هو الذي بعثَهُ رسولُ اللهِ صلعم إلى قومِهِ يأمُرُهم بصيامِ عاشوراءَ، وهو أسماءُ بن حارثَةَ.
          قالَ يحيى بنُ هندٍ عن أسماءَ بن حارثَةَ أنَّ رسولَ اللهِ صلعم بعثَهُ، وقالَ: <مُرْ قَوْمَكَ فَلْيَصُوْمُوْا هَذَا اليَوْمَ>.
          قالَ ابنُ سعدٍ عن الواقديِّ: ماتَ أسماءُ سنةَ ستٍّ وستينَ بالبصرةِ وهو ابنُ ثمانين سنةً. قال: وقالَ غيرُ الواقديِّ: ماتَ في خلافةِ معاويةَ أيامَ زيادٍ، وكانَ موتُ زيادٍ سنةً ثلاثةٍ وخمسينَ.
          وقالَ ابنُ عبدِ البَرِّ في ((الاستيعابِ)): شَهِدَ بيعةَ الرُّضوانِ مع أخوةٍ له سبعةٍ وهم: هندٌ وأسماءُ وخراشُ وذُؤيبُ وفضالةُ وسلمةُ ومالكُ وحمرانَ، ولم يشهَدْهَا أخوةٌ في عددِهِم غيرَهُم؛ ولَزِمَ النَّبِيَّ صلعم منهم اثنان أسماءُ وهندُ.
          قالَ أبو هريرةَ: ما كنتُ أرى أسماءَ وهندَ ابني حارثَةَ إلا خادمينِ لرسولِ اللهِ صلعم من طولِ لُزومِهُمَا بابَهُ وخدمتُهُما إيَّاهُ، وكانا من أهلِ الصِّفَّةِ، وماتَ هندُ بن حارِثَةَ بالمدينةِ في خلافَةِ معاويةَ.
          وهندُ هذا هو والدُ يحيى بن هندٍ الذي روى عنهُ عبدُ الرَّحمنِ بن حرمَلَةَ. انتهى ☺.
          (أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ) بنِ ضَمْضَمٍ الأنصاريُّ الخزرجيُّ، عمُّ أنسِ بن مالكٍ خادِمِ النَّبِيِّ صلعم ، روى البخاريُّ من طريقِ حُميدٍ عن أنسٍ أنَّ عمَّهُ أنسَ بن النَّضرِ غابَ عن بدرٍ، فقالَ: يا رسولَ اللهِ غبتُ عن أوَّلِ قتالٍ قاتلتَ فيه المشركينَ، واللهِ لئن أشهدَنِي اللهُ قتالَ المشركينَ ليرينَّ اللهُ ما أصنعُ، فلمَّا كانَ يومُ أُحُدٍ انكشفَ المسلمونَ، فقالَ: اللَّهُمَّ إنِّي أعتذرُ إليكَ عمَّا صنعَ هؤلاءِ، يعني المسلمينَ، وأبرأُ إليكَ مما جاءَ به هؤلاءِ، يعنى المشركينَ. ثمَّ تقدَّمَ فاستقبلَهُ سعدُ بن معاذٍ، فقالَ: أي سعدٌ هذهِ الجنَّةُ وربِّ أنسٍ، إنِّي لأجدُ ريحَها دونَ أُحُدٍ. قالَ سعدٌ فما استطعتُ ما صنعَ فقُتلَ يومئذٍ، فذكرَ الحديثَ.
          ولهُ ذِكْرٌ يأتي في ترجمةِ أُختِهِ الرُّبيِّعُ بنتُ النَّضرِ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
          (الرُّبَيِّعُ بنتُ النَّضرِ) بن ضمضمِ بن زيدِ بن حرامٍ، هي والدةُ حارثَةَ بن سُراقَةَ، استشهدَ يومَ بدرٍ، فأتَتِ النَّبيَّ صلعم ، فقالَ: فقدْ عرفْتَ موضعَ حارثَةَ منِّي فأخبرنِي عنهُ؛ فإن يكنْ في الجنَّةِ صبرتُ واحتسبتُ، / وإن كانَ غيرَ ذلكَ اجتهدتُ في البكاءِ، فقالَ النَّبِيُّ صلعم لها: <وَيْحَكِ أَوْ جَنَّةٌ وَاحِدَةٌ هِيَ، إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيْرَةٌ وَإِنَّهُ في جَنَّةِ الفِرْدَوْسِ الأَعْلَى> ☺.
          (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفِ) بنِ عبدِ عوفِ بنِ عبدِ الحارثِ بن زهرةَ بنِ كلابٍ القرشيُّ الزُّهريُ، أبو محمَّدٍ أحدُ العشرةِ المشهودِ لهم بالجنَّةِ، وأحدُ الستَّةِ أصحابُ الشَّورى الذين أخبرَ عمرُ عن رسولِ اللهِ صلعم بأنَّهُ تُوفي وهو عنهم راضٍ، وأسندَ رفقتُهُ أمرَهم إليهِ حتى بايعَ عثمانَ.
          أسلمَ ☺ قديماً قبلَ دخولِ دارِ الأرقمِ، وهاجرَ الهجرتين وشَهِدَ بدراً، وشهدَ المشاهِدَ، وكانَ اسمُهُ عبدَ الكعبةِ، ويُقالُ: عبدَ عمرٍو فغيَّرهُ النَّبِيُّ صلعم ، وآخى رسولُ اللهِ صلعم بينَهُ وبين سعدِ بن الرَّبيعِ، وبعثَهُ النَّبيُّ صلعم إلى دَوْمَةِ الجَّندلِ، وأَذِنَ لهُ أن يتزوَّجَ بنتَ مَلِكِهِمْ الأصبغِ بن ثعلبةَ الكلبيِّ ففتحَ عليه فتزوَّجَها، وهي تماضرُ أمُّ ابنهِ أبي سلمةَ.
          وعن الزُّهرِيِّ: تصدَّقَ عبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ على عهدِ رسولِ اللهِ صلعم بشطْرِ مالِهِ، ثم تصدَّقَ بعدُ بأربعينَ ألفَ دينارٍ، ثم حملَ على خمسمائةِ فرسٍ في سبيلِ اللهِ وخمسمائةِ راحلَةٍ، وكانَ أكثرُ مالِهِ من التَّجارةِ، صلَّى رسولُ اللهِ صلعم خلفَهُ في سفرةٍ سافَرَهَا ركعةً من صلاةِ الصُّبحِ.
          كانَ طويلاً أبيضَ مشرَّباً حمرةً، حسنَ الوجهِ دقيقَ البشرةِ لا يخضِبُ؛ جُرِحَ يومَ أحدٍ إحدى وعشرينَ جِراحَةً، تُوفِّيَ سنةَ إحدى وثلاثينَ، وقيلَ: سنةَ اثنتين، وهو الأشهرُ، وعاشَ اثنتين وسبعين سنةً، ودُفِنَ بالبقيعِ وصلَّى عليهِ عثمانُ ☺، وأوصى لكلِّ من شَهِدَ بدراً بأربعمائةِ دينارٍ، فكانُوا مائةَ رجلٍ ☺ وعنهم.
          (غُلامٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ) قالَ في ((الفتحِ)): يحتملُ أنه رباحٌ الذي كانَ يخدِمُ النَّبيَّ صلعم ، وكأنَّهُ هو رباحُ بن المغترفِ بن عمرِو بن المغترفِ بن حجرانَ بن عمرِو بن شيبانَ بن محاربِ(1) بن فهرٍ القرشيُّ الفهريُّ، يُكَنَّى أبا حسَّانَ، وكانَ من مُسْلِمَةِ الفتحِ، وكانَ شريكَ عبدِ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ في التِّجارَةِ ☺.
          (عَامِرُ) هو ابن سنانَ بن عبدِ اللهِ بن بشيرٍ الأسلميُّ المعروفُ بابنِ الأكوعِ، عمُّ سلمةَ بن الأكوعِ، ويُقالُ أخوهُ، وفي بعضِ الطُّرقِ أنَّ سلمَةَ قالَ: إنَّ عامراً عمُّهُ، فيمكنُ التَّوفيقُ أن يكونَ أخاهُ من أُمِّهِ على ما كانت الجاهليَّةُ تفعلُهُ أو من الرَّضاعَةِ. قالَهُ في ((الإصابةِ)) ╩.
          (زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ) أُمُّ المؤمنينَ الأسديَّةُ زوجُ النَّبيِّ صلعم ، أمُّها أميمةُ عمَّتُهُ صلعم ، تزوَّجَها سنةَ ثلاثٍ، وقيلَ خمسٍ.
          وبِسببهَا نزلَتْ آيةُ الحجابِ، وكانَتْ قبلَهُ صلعم عندَ مولاهُ(2) زيدُ بن حارثةَ وفيها نزلَتْ {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ} [الأحزاب:37] الآيةُ.
          وقد وصفَتْ عائشةُ ♦ زينبَ ╦ بالوصفِ الجَّميلِ في قصَّةِ الإفكِ، وأنَّ اللهَ عصَمَها بالورعِ، قالَتْ: وهي التي كانَتْ تُسامِيني من أزواجِ النَّبيِّ صلعم ، وكانت تفخرُ على نسائِهِ صلعم بأنَّها بنتُ عمَّتِهِ، وبأنَّ اللهَ تعالى هو زوَّجها لهُ وهُنَّ زوَّجَهُنَّ أولياؤهُنَّ.
          وعندَ ابنِ سعدٍ في خبرِ تزويجِها من طريقِ الواقديِّ بسندٍ مرسلٍ: فَبَيْنَا رسولُ اللهِ يتحدَّثُ عندَ عائشةَ إذ أخذتْهُ غشيةٌ فسُرِّيَ عنهُ، وهو يتبسَّمُ يقولُ: <مَنْ يَذْهَبُ إِلَى زَيْنَبَ وَيُبَشِّرُهَا، وتَلا {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} [الأحزاب:37] إلى آخرِ الآيةِ.>
          قالَتْ عائشةُ: فأخذَنِي ما قربُ وما بعدَ لما يبلغُنَا من جمالِهَا أُخرى، هي أعظمُ وأشرفُ ما صُنِعَ لها، زوَّجها اللهُ من السَّماءِ، وقلتُ: هي تفخرُ علَينا بهذا. /
          وبسندٍ ضعيفٍ عن ابنِ عبَّاسٍ ☻: لمَّا أُخْبِرَتْ زينبُ بتزويجِ رسولِ اللهِ صلعم سجدَتْ، قالَتْ أُمُّ سلمَةَ: وكانت لرسولِ اللهِ صلعم معجبَةً، وكان يستكثرُ منها وكانَتْ صالحةً صوَّامَةً قَوَّامَةً صناعاً، تصدَّقُ بذلكَ كلِّهِ على المساكين، وذكرَ أبو عمرَ بن عبدِ البَرِّ أنَّهُ كانَ اسمُها برَّةُ، فلمَّا دخلَتْ على رسولِ اللهِ صلعم سمَّاها زينبَ.
          وفي الصحيحينِ واللَّفظُ لمسلمٍ عن عائشةَ: قالَ رسولُ اللهِ صلعم لأزواجِهِ: <أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقَاً بِي أَطَوَلُكُنَّ يَدَاً> قالَ: فكنَّ يتطاولنَ أيَّتُهُنَّ أطولُهُنَّ يداً، قالَتْ: وكانت أطولَنا يداً زينبُ لأنَّها كانت تعملُ بيدِيها وتتصَّدقُ، وكانتْ امرأةً قصيرةً ولم تكن بأطولِنَا؛ فعرفْنَا حينَ تُوفيت أنَّها هي؛ وكانَتْ صِناعَ اليدينِ فكانَتْ تدبُغُ وتخرُزُ وتتصدَّقُ بهِ في سبيلِ اللهِ.
          أخرجَ ابنُ سعدٍ بسندٍ فيه الواقديُّ عن محمدِ بن كعبٍ: كانَ عطاءُ زينبَ بنتِ جحشٍ اثني عشرَ ألفاً لم تأخذْهُ إلا عاماً واحداً، فجعلَتْ تقولُ: اللَّهمَّ لا يُدركُنِي هذا المالُ من قابلٍ فإنَّهُ فتنةٌ، ثم قسمتْهُ في أهلِ رَحِمِهَا وفي أهل الحاجَةِ، فبلغَ عمرُ فقالَ: هذهِ امرأةٌ يُرادُ بها خيرٌ فوقفَ عليها وأرسلَ بالسَّلامِ؛ وقالَ: بلغني ما فرَّقْتِ فأرسلُ بألفِ درهمٍ تستبقيها فسلكَتْ به ذلكَ المسلكَ.
          قالَ الواقديُّ: تزوَّجَها النَّبيُّ صلعم وهي بنتُ خمسٍ وثلاثينَ سنةً، وماتت سنةَ عشرين وهي بنتُ خمسينَ.
          ونُقِلَ عن عمرَ بن عثمانَ الحجبيِّ: أنَّها عاشَتْ ثلاثاً وخمسينَ ╦.
          (تمَّ ما أردنا والحمدُ للهِ على توفيقِهِ، وهو حسبُنا ونعمَ الوكيلُ) /


[1] في المطبوع: (بن كارير) وهو خطأ، والتصويب من كتب التراجم.
[2] في المطبوع: (مولاة) وهو خطأ.