إنعام المنعم الباري بشرح ثلاثيات البخاري

حديث: على ما توقد هذه النيران؟

          9- قولُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُوْ عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ مَخْلَدٍ) بفتحِ الميمِ وسكونِ الخاءِ المعجمَةِ، النَّبيلُ البصريُّ.
          وهذا تاسعُ ثلاثياتِ البُخاريِّ.
          أخرجَهُ في الرُّبعِ الرَّابعِ من الجُّزءِ التَّاسِعِ، بابُ هل تُكسَرُ الدِّنانُ الَّتِي فيها الخمرُ وتخرقُ الزِّقاقُ.
          قولُهُ: (عَنْ يَزِيْدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ) الأسلميِّ مولى سلمةَ بن الأكوعِ (عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ)(1) هو سلمةُ ابنُ عمرِو بن الأكوعِ الأسلميُّ أبو مسلمٍ، شَهِدَ بيعةَ الرُّضوانِ، وتوفِّي سنةَ أربعٍ وسبعينَ (☺).
          قولُهُ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم رَأَى نِيْرَانَاً تُوْقَدُ) يومَ غزوةِ خيبرَ سنةَ سبعٍ.
          (قَالَ: عَلَى مَا تُوْقَدُ هَذِهِ النِّيْرَانُ؟) بإثباتِ ألفِ ما الاستفهاميَّةِ مع دخولِ الجَّارِّ عليها وهو قليلٌ.
          والنِّيرانُ: بكسرِ النُّونِ الأولى جمعُ نارٍ، والياءُ مُنقلبةٌ عن واوٍ، وللأصيليِّ: قالَ: علامَ، بحذفِ ألفِ ما الاستفهاميَّةِ، ولأبي ذَرٍّ: فَقالَ، بفاءٍ قبل القافِ وحذفِ ألفِ مَا.
          قولُهُ: (قَالُوْا _ ولأبي ذَرٍّ: قَالَ _ عَلَى الحُمُرِ) بضمِّ المهملَةِ والميمِ (الإِنْسِيَّةِ) بكسرِ الهمزةِ وسكونِ النُّونِ نسبةً إلى الإنسِ أي بني آدمَ، وثبتَ قولُهُ: على، لأبي ذرٍّ، وسقطَتْ لغيره.
          قالَ ╕: (اكْسِرُوْهَا) أي القدورُ، قولُهُ: (وَأَهْرِقُوْهَا) بسكونِ الهاءِ، ولأبي ذَرٍّ (وَهَرِيْقُوْهَا) بحذفِ الهمزةِ وزيادةِ مثناةٍ وتحتيَّةٍ قبلَ القافِ، والهاءُ مفتوحَةٌ: أي صُبُّوهَا.
          قولُهُ: (قَالُوْا) مُستفهمينَ (أَلا نُهْرِيْقُهَا) بضمِّ النُّونِ وفتحِ الهاءِ وبعدَ الرَّاءِ المكسورَةِ تحتيَّةٌ ساكِنَةٌ، أي من غيرِ كَسْرٍ (وَنَغْسِلُهَا) قالَ صلعم مُجيباً لهم (اغْسِلُوْا) بحذفِ الضَّميرِ المنصوبِ أي اغسلُوها أي القُدورُ، أي اهْرِقُوْا ما فيها واغسلُوها، أمَّا تغيُّرُ اجتهادِهِ أو أوحى إليهِ بذلِكَ صلعم.
          قالَ ابنُ الجَّوزيِّ: أرادَ التَّغليظَ عليهم في طبخِهِم ما نهى عن أكلِهِ، فلمَّا رأى إذعانَهم خفَّفَ عنهُم واقتصرَ على غسلِ الأواني.
          وفيهِ رَدٌّ على / من زعمَ أنَّ دِنَانَ الخمرِ لا سبيلَ إلى تطهيرِهَا، فإنَّ الذي دخلَ القدورَ من الماءِ الذي طُبِخَتْ بهِ الحُمُرُ يُطَهِّرُهُ، وقد أَذِنَ صلعم في غسلِهَا، فدلَّ على إمكانِ تطهيرِهَا، وقد أخرجَ هذا الحديثَ البُخاريُّ في كتابِ المغازي والأدبِ والذَّبائحِ والدَّعواتِ، ومسلمٌ في المغازي والذَّبائحِ.
          قالَ الخليلُ: ولا يطهرُ زيتٌ خُوْلِطَ، إلى أن قالَ: وفخارٌ بغواصٍ.(2)
          قولُهُ: (قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ) أي البُخاريُّ: (كَانَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ) يعني شيخَهُ إسماعيلُ، وابنُ أختِ الإمامِ مالكٍ: (يَقُوْلُ الحُمُرِ الأَنْسِيَّةِ) بنصبِ الألفِ والنُّونِ، يعني أنَّها نُسِبَتْ إلى الأُنْسِ بالفتحِ ضدَّ الوَحْشَةِ، تقولُ: أَنَسْتُهُ أَنَسَةً وأُنْسَاً بإسكانِ النونِ وفتحِهَا، والمشهورُ في الرِّواياتِ بكسرِ الهمزَةِ وسكونِ النُّونِ، نسبةً إلى الإنْسِ أي بني آدمَ، لأنَّها تَأْلَفُهُمْ.
          قالَ في ((الفتح)): ثبتَ هذا التفسيرُ لأبي ذرٍّ وحدَهُ، وتعبيرُهُ عن الهمزةِ بالألفِ وعن الفتحِ بالنَّصبِ جائزٌ عند المتقدِّمينَ، وإن كانَ الاصطلاحُ أخيراً قد استقرَّ على خلافِهِ، فلا يُبادَرُ إلى إنكارِهِ. انتهى.
          وتَعَقَّبَهُ العينيُّ فقالَ: ليسَ هذا بمصطلحٍ عندَ النُّحاةِ المتقدِّمينَ والمتأخِّرينَ، أنَّهم يُعبِّرونَ عن الهمزةِ بالألفِ وعن الفتحِ بالنَّصبِ، فمن ادَّعى خلافَ ذلكَ فعليهِ البيانُ، فالهمزَةُ ذاتُ حركةٍ والألفُ مادَّةٌ هوائيَّةٌ لا تقبلُ الحركَةَ، والفتحُ من ألقابِ البناءِ والنَّصبُ من ألقابِ الإعرابِ، وهذا ممَّا لا يخفى على أحدٍ. انتهى. [خ¦2477]


[1] في المطبوع: (الأكرع) وهو سهو، والصواب ما أثبت.
[2] هي هكذا في المطبوع، ولم أجد من ذكرها وما معناها.