التلويح شرح الجامع الصحيح

باب الثوب الأحمر

          ░35▒ بَابُ الثَّوْبِ الأَحْمَرِ....
          ذكر حديث البراء: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلعم فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ» [خ¦5848].
          قال الطبري: قد عارض هذا ما حدثنا به حماد بن محمد، عن عمارة الأسدي: حدَّثنا علي بن قادم: حدَّثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهَب، عن عمه، عن أبي هريرة: «أن عثمان رأى رجلًا وعليه ملحفة معصفرة فقال: تلبس المعصفر وقد نهى رسول الله صلعم عنه؟ فقال علي بن أبي طالب: إن رسول الله صلعم لم ينهه ولا إياك؛ إنما نهاني أنا، فسكت عثمان».
          وليس في هذا معارضة للأول بحال، وقد رويت أخباراً تعارض حديث البراء لو كانت مستقيمة الإسناد.
          منها: أن أنسًا روى عن رسول الله صلعم: «كان يكره الحمرة، ويقول: الجنَّة ليس فيها حمرة».
          ومنها: حديث عباد بن كثير عن هشام عن أبيه: «أن النبي صلعم كان يحب الخضرة ولا يحب الحمرة».
          ومنها: حديث خارجة بن مصعب عن عبد الله بن سعيد ابن أبي هند عن أبيه مثله.
          وحديث الحسن بن أبي الحسن: «أن النبي صلعم قال: الحمرة زينة الشيطان، والشيطان يحب الحمرة».
          قال الطبري: قد اختلف / السلف في ذلك، فمنهم من رخَّص في لبس ألوان الثياب المصبوغة بالحمرة، مشبعة كانت أو غير مشبعة.
          ومنهم من كره المشبعة، ورخص فيما لم يكن مشبعًا.
          ومنهم من كره لبس جميع الثياب الحمر مشبعها وغير مشبعها.
          ومنهم من رخَّص فيه للمهنة، وكرهه للبس.
          حجة من رخَّص في جميع ألوان الثياب المعصفرة: قال بُريدة: «علي حملها يوم خيبر وعليه حلة أرجوان أحمر».
          وقال أبو ظبيان: رأيت عليه إزارًا أصفر.
          وقال الأحنف: رأيت على عثمان ملاءةً صفراء.
          وقال عبد الله بن الزبير: كان على الزبير يوم بدر ملاءة صفراء.
          وكان أنس يلبس إزارًا معصفرًا.
          وكان ابن المسيب يصلي وعليه برنس أرجوان.
          ولبس المعصفر: عروة والشعبي وأبو وائل والنخعي والتيمي وأبو قِلابة وجماعة.
          وقال مالك في الملاحف المعصفرة للرجال: لا أعلم شيئًا من ذلك حرام.
          قال ابن بطال: وأجاز لباس المعصفر: البراء، وطلحة بن عبيد الله، وهو قول الكوفيين والشافعي، وقال ابن عباس: لا بأس بما امتهن من المعصفر، ويكره ما لبس منه.
          وروي عن عطاء ومجاهد وطاوس كراهة ما اشتدت حمرته، وإباحة ما خفَّ منها.
          روى إبراهيم الخزاعي عن عجوز: «أن عمر كان إذا رأى على رجل الثوب المعصفر ضربه».
          ورأى ابن مُحيريز على ابن علية رداءً موردًا فقال: «دع ذا عنا».
          وقال عبد الله بن عمرو: ورأى عليَّ النبي صلعم ثيابًا معصفرة فقال: «ألقها فإنها ثياب الكفار».
          وروى ابن عمرو أن النبي صلعم أغلظ له القول في الثياب المعصفرة.
          والذين رخصوا فيما خفَّت حمرته احتجوا بحديث قَيْلة قال: «رأيت النبي صلعم وعليه أسمال ملائتين كانتا بزعفران / قد نفضتا».
          قال الطبري: والصواب عندنا أن لبس المعصفر وشبهه من الثياب المصبغة وغيرها من الأصباغ غير حرام؛ بل ذلك مطلق مباح، غير أني أحب للرجال توقي لبس ما كان مشبعًا صبغة، وأكره لهم لبسه ظاهرًا لمعنيين:
          أحدهما: ما روي عنه من الكراهة.
          والثاني: أنه شهرة، وليس من لباس أهل المروءة في زماننا هذا، وإن كان قد لبسه كثير من أهل الدين والفضل، فالذي [ينبغي للرجل أن يتزيَّا] في كل زمن بزي أهله ما لم يكن إثمًا؛ لأن مخالفة الناس في زيهم ضرب من الشهرة.
          ويكون الجمع بين الحديثين أنه صلعم أعلم أمته الاستنان به.
          حديث أبي هريرة: «لَا يَمْشِي أَحَدُكُمْ فِي نَعْلٍ وَاحِدَةٍ» [خ¦5856].