التنقيح لألفاظ الجامع الصحيح

حديث في قوله تعالى: {فكان قاب قوسين أو أدنى}

          4856- (رَأَى جِبْرِيلَ لَهُ سِتُّمِائَةِ جَنَاحٍ) إلا أن ما استدلت (1) إليه عائشة قد أجاب عنه ابن عباس لما أورده عليه عكرمة، فقال: ذاك نوره؛ إذا تجلى بنوره لم يدركه شيء.
          وليس في قوله: {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ}[الأنعام:103]دليل على أن النبي صلعم لم ير ربه، وكذا قوله: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}[الشورى:51]لأن الآية دلَّت على أن البشر لا يرى الله في حال التكلم، فنفي الرؤية مقيَّدٌة بهذه الحالة دون غيرها، وإنَّما يكون مخالفًا أن لو قال: كَلَّمَ اللهَ سبحانه في حال الرؤية.
          قال بعض الأئمة: ثبت عن ابن عباس أنَّه رأى ربه وليس ذلك مما يثبت بالعقول والآراء وإنَّما يدرك من طريق النبوة، وقد قال معمر بن راشد وقد ذكر اختلاف عائشة وابن عباس: ما كانت عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس، ولم تقل عائشة أنَّها سمعت ذلك من النبي / صلعم ، وإنَّما تأوَّلت الآيتين وليس في واحدة منهما ما يدل على نفي الرؤية، وقال ابن عباس وأبو ذر وأنس: إنه رآه.
          وقد ذكر الحافظ أبو الشيخ أن العباس بن عبد العظيم قال: كنا عند أحمد بن حنبل فتذاكروا رؤية النبي صلعم ربه ╡، فقال أبو توبة: روي عن ابن عباس أن النبي صلعم رأى ربه بعين رأسه من شاء غضب ومن شاء رضي، وقد روي عن عائشة إنكار ذلك فقال أبو توبة: قد صحَّ الخبر أن النبي صلعم رأى ربه واختلفوا في عينيه وقلبه، فنقول: قد رأى ربَّه تبارك (2) وتعالى ونسكت، فقال أحمد: ما أحسن هذا ! وأعجَبَهُ ذلك.


[1] في [ب] : استندت.
[2] في [ب] : سبحانه.