تعليقة على صحيح البخاري

باب من رأى ترك النكير من النبي حجة لا من غير الرسول

          ░23▒ (بَابُ مَنْ [رَأَى] تَرْكَ النَّكِيرِ(1) [مِنَ النَّبِيِّ صلعم] حُجَّةً، لَا مِنْ غَيْرِ الرَّسُولِ).
          تركُ النكير(2) من الشارع حجَّةٌ وسنَّةٌ يلزمُ أمَّتَه العملُ بها، لا خلاف بين العلماء في ذلك؛ لأنَّه ◙ لا يجوز أن [يرى] أحدًا مِن أمَّته يقول قولًا أو يفعل فعلًا محظورًا، فيقرَّه عليه؛ لأنَّ الله تعالى فرض عليه النهي عن المنكر(3) ، وإذا كان ذلك؛ عُلِمَ أنَّه(4) لا يرى أحدًا عمل شيئًا فيقرَّه عليه إلَّا وهو مباحٌ له، ويثبت أنَّ إقراره عمر(5) على حلفه(6) المذكور إثبات أنَّه الدجَّال، وكذلك فهم جابر من يمين عمر، فإن اعترض بما روي مِن قول عمر لرسول الله صلعم: دعني أضرب عنقه، فقال: «إن يكن هو؛ فلن تُسلَّط عليه، وإن لم يكن؛ فلا خير لك في قتله»، / فهذا يدلُّ على شكِّه ◙ فيه، وترك القطع عليه أنَّه الدَّجَّال؛ ففيه جوابان؛ أحدهما: أنَّه يمكن أن يكون هذا الشكُّ منه كان متقدِّمًا ليمين عمر: إنَّه الدجَّال، ثمَّ أعلمه الله أنَّه ليس بالدَّجَّال، ثانيهما: أنَّ الكلام ولو خرج مخرج الشَّكِّ؛ فقد يجوز أن يُرَاد به التيقُّن والقطع؛ كقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65] ، وقد ذكر عبد الرزَّاق [عن معمر] ، عن الزهريِّ، عن سالم، عن أبيه قال: (لقيت ابن صيَّاد يومًا ومعه رجل مِن اليهود، وإذا عينه قد طفئت وهي خارجة؛ مثل عين الجمل، فلمَّا رأيتها؛ قلت: أنشدك الله يا بن صيَّاد؛ متى طفئت عينك؟ قال: لا أدري والرحم، قال: كذبت، لا تدري وهي في رأسك؟! قال: فمسحها ونخر ثلاثًا، فزعمت اليهود أنِّي ضربت بيدي على صدره وقلت له: اخسأ، فلن تعدوَ قدرك، فذكرت ذلك لحفصة، فقالت(7) : اجتنب(8) هذا الرجل، فإنَّا نتحدَّث(9) أنَّ الدَّجَّال يخرج عند غضبة يغضبها).
          فإن قلت: هذا كلُّه يدلُّ على الشكِّ [في أمره؛ قيل: إن وقع الشكُّ] في أنَّه الدَّجَّال الذي يقتله المسيح؛ فلم يقع الشكُّ في أنَّه أحد الدَّجَّالِين الذين أنذر بهم الشارع من قوله: «إنَّ بين يدي الساعة دجَّالِين كذَّابِين أزيد من ثلاثين»؛ فلذلك لم ينكر على عمر يمينه.


[1] في (أ): (الكبر).
[2] في (أ): (التكبُّر).
[3] في (أ): (التكبُّر).
[4] في (أ): (أن).
[5] في (أ): (علم).
[6] في (أ): (خلقه)، وهو تصحيف.
[7] في (أ): (فقال).
[8] في (أ): (أجب).
[9] في (أ): (فإمَّا يتحدَّث).