مطالع الأنوار على صحاح الآثار

الراء مع الحاء

          الرَّاء مع الحَاء
          801- قوله: «مَرحَباً» [خ¦53] كلِمةٌ تقال عند المبرَّة للقادمِ، ولمن يُسرُّ برُؤْيتِه والاجتماعِ به، وهو مَنصُوب بفِعلٍ لا يظهَر؛ أي: صادَفْت رحباً؛ أي: سعَةً، وقيل: بل انتصَب على المَصدَرِ؛ أي: رحَّب الله بك مَرحَباً، فوُضع المَرحب مَوضِع التَّرحيبِ، وهو مَذهبُ الفرَّاء، ومكانٌ رحْبٌ ورحيبٌ واسعٌ، والجمعُ: رِحاب، وفي الحديثِ: «وقال: مَرحَباً بِابْنتِي». [خ¦3623]
          وقوله: «وضاقَتْ عَليَّ الأرضُ برُحْبِها»؛ أي: بما هي عليه من السَّعةِ، وقوله أيضاً: «بما رَحُبَتْ» [خ¦4418]؛ أي: بما وسعت؛ أي: على وسعتها.
          قوله: «ورحَّب بي»؛ أي: دعا فقال: مَرحَباً بك.
          802- و«قَدَح رَحراح» [خ¦200] ورَحْرَح أيضاً، لكن الرِّواية بالألفِ، وهو الواسعُ، وقيل: القريبُ القَعرِ، القصيرُ الجَوانبِ.
          803- وقوله: «لا تكاد تجِدُ فيها راحِلَةً» / [خ¦6494] هي النَّاقةُ المنجبةُ، الكامِلةُ الخَلْق والخُلُق، المُدرَّبة على الرُّكوبِ والسَّيرِ، ولا يكون ذلك إلا بعد الرِّياضةِ والتَّأديبِ مع خَلْقها وخُلُقها لتأتِّي ذلك فيها، ومِثالُها في الإبلِ قلِيلٌ، كذلك النَّجيبُ من النَّاسِ، فَهُم وإن تساوُوا في الخَلْقِ والنَّسبِ فقد تبايَنوا في النَّجابةِ في العَقلِ والدِّين والخُلُق، وقيل: المرادُ استواء النَّاس كما قال: «النَّاسُ كأسنانِ المُشْطِ» والتَّأويل الأوَّل أبيَنُ وأليَقُ بقوله: «لا تكاد»، وهو إشارة إلى التَّقليلِ، وقيل: المرادُ أنَّ الكاملَ والرَّاغبَ في الآخرةِ قليلٌ وغيرُ مُستوٍ في كلِّ النَّاس، والرَّاحلةُ اسمٌ يقَع للذَّكرِ والأنثَى، وقَصَرَهُ القُتَبِيُّ(1) على الأُنثَى، وأنكَره الأزهريُّ، والهاء فيه إذا كانت للذَّكرِ للمُبالغةِ، وقيل: لأنَّها ترحَل كـــ {عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ} [الحاقة:21] و{مَّاء دَافِقٍ} [الطارق:6]؛ أي: مَرضِيَةٍ، ومَدفُوقٍ.
          وقوله: «إلى رَحْلِه» [خ¦547]، و«إلى رِحالِهم» [خ¦2131]، و«الصَّلاة في الرِّحال» [خ¦616]، كلُّ ذلك بمعنَى المَنازِل والمَساكنِ، والرَّحْل أيضاً الرَّحالة؛ وهي مَركبٌ من مراكبِ الرِّجالِ، وجمعُه رِحال، ومنه: حجُّ الأبرارِ على الرِّحالِ، ورَحَلْتُ البعيرَ مخفَّف شدَدتُ عليه الرَّحل، ومنه: «ورحَلُوا هَودَجي» [خ¦2661]، و«يَرحَلون بي» [خ¦2661] في حديثِ الإفكِ.
          وفي أشراطِ السَّاعةِ: «نارٌ... تَرحَل النَّاسَ» بفتحِ التَّاء والحاءِ قيَّدناه في مُسلمٍ.
          وفي «الغَرِيبَينِ»: «تُرحِّل» بضمِّ التَّاء وكَسر الحاءِ مع التَّشديدِ، وبإسكان الرَّاء أيضاً مع تخفيفِ الحاء؛ أي: تُزعجهم وتُشخصهم راحلين من مَوضعٍ إلى مَوضعٍ، كما قال: «تسُوقُ النَّاس»، وقيل: «تُرحِّل النَّاس» تُنزِلهم المَراحِل، وقيل: تقِيلُ معَهُم، وتبِيتُ معَهُم.
          وقوله: «في نَجابَةٍ ولا رِحلَةٍ» بكَسرِ الرَّاء ضَبَطناه عن شيُوخِنا، ومعناه: الارتِحالُ، وحكاه أبو عُبيدٍ بضمِّها، قال: يقال: بعير ذو رُحلة إذا كان شديداً قويَّاً، وكذلك ناقة ذات رُحلةٍ، وقال الأمويُّ: الرُّحْلة جَوْدة المَشيءِ، قال القاضي: وعلَّقناه في الحاشِيَة من «الموطَّأ»: «ذو رُجلةٍ» بالجيمِ، قلت: وهو تصحِيفٌ في الرِّوايةِ / وإن كان له مخرجٌ في المعنَى.
          804- قوله: «يمسَح الرُّحَضاء» [خ¦1465]؛ أي: عَرَقَ الحمَّى، و«المَراحِيضُ» [خ¦394] المَذاهبُ والخلواتُ، وأصلُه من الرَّحضِ وهو الغَسلُ.
          805- قوله ◙: «أنا نبيُّ الرَّحمةِ»، كذا للسِّجْزيِّ، ولغَيرِه: «المَرحَمة» فنبيُّ الرَّحمةِ؛ لأنَّ به أنقَذ الله الخلقَ من الضَّلالِ إلى الهُدى فصارُوا إلى الرَّحمةِ كما قال: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}[الأنبياء:107]، وهو {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [التوبة:128]، وهو الشَّافعُ للخَلقِ في تَعجيلِ الحسابِ، والشَّافعُ لهم في إخراجِهم منَ النَّار، وفي رَفعِ دَرجاتِهم في الجنَّةِ، بهذا كلِّه كان نبيَّ الرَّحمةِ والمرحمةِ.
          وفي مُسلمٍ: «نبيُّ المَلحَمةِ»؛ أي: القتال، كما قال: «بُعِثتُ بالذَّبحِ»، و«أُمِرتُ أن أُقَاتِلَ النَّاسَ» [خ¦25]، وفي حَديثِ حُذيفَةَ: «نبيُّ المَلاحِم».
          وقوله: «الرَّحِم مُتعَلِّقة بالعَرشِ» يقال: رَحِم ورِحْم ورُحْم، وليست بجِسْمٍ فيصحُّ منها القِيام والتَّعلق والكَلام، وإنِّما هي معنًى من المَعاني، وهو النَّسبُ والاتصالُ الذي يجمعه رَحِم والدة، فسُمِّي المعنَى باسمِ ذلك المحَل تقريباً للأفهامِ، واستعارةٌ جارِيةٌ في فَصيحِ الكلامِ، ليَفهَم الخلقُ عَظيم حقِّها، ووجوب صِلة المتَّصفِين بها، وعِظَم الإثمِ في قَطعِها، وبذلك سُمِّي قَطعاً؛ لأنَّه قطَع تلك الصِّلة.
          قوله: «جعَل الله الرُّحْم مِئةَ جُزْءٍ» [خ¦6000] معناه: العطفُ والرَّحمةُ، كما قال: «خَلَقَ الله مِئةَ رَحْمَةٍ». [خ¦6469]


[1] هذا هو الصواب كما في «المشارق»، وهو الذي في هامش (س) تصحيحاً لما في متنها: (القعنبي)، والذي هو في أكثر النسخ، والذي في (ن): (العتبي)، والكل تصحيف.